القديس سابا

null
Share

image_pdfimage_print

                                 

كتب سيرة أبينا البار سابا المتقدس الراهب الفلسطيني كيرلس البيساني(سكيثوبوليس) الذي عرفه شخصياً. كان القديس سابا شيخاً جاوز التسعين وكيرلس ولداً. وقد أبدى المؤرخ حرصاً كبيراً في جمع معلوماته من مصادرها الموثوقة، من تلامذة القديس سابا و “رفقة الجهاد”، كما اهتم بذكر الأمكنة والأوقات والأسماء فأتت السيرة على درجة عالية من الدقة والأمانة.

الولادة والطفولة 

ولد سابا في قرية صغيرة منسية من قرى قيصرية الكبادوك اسمها موتلاسكا في العام 439م، اسم والده كان يوحنا واسم والدته صوفيا. فلما بلغ الخامسة من عمره انتقل أبواه إلى الاسكندرية (لأنه كان ضابطاً في الجيش وخرج إليها للإلتحاق بالفرقة المعروفة بالإيصافرية ) وتركاه في القرية في عهدة خال له يدعى هرمياس. لم يطل بسابا المقام لدى خاله لأنه كانت لهذا الأخير زوجة سيئة الطباع وأشقت الولد ففرّ إلى أحد أعمامه، على بعد أميال. ولم يشأ الرب الإله لإنائه المختار أن ينعم بالسلام في بيت عمه طويلاً لأنه كان قد أعد له سبيلاً آخر يسلك فيه، فدخل خال الصبي وعمه في خلاف حول أملاك والديه، كان من نتيجته أن فّر الصبي من جديد، ولكن، هذه المرة، إلى دير فلافيانا على بعد أربعة كيلومترات من القرية. كان قد بلغ من العمر يومها ثماني سنوات.

وهكذا بدأت الرحلة الملائكية لأبينا البار سابا المتقدس.

مراحل رهبنته 

المرحلة الاولى:

أمضى سابا في دير فلافيانا عشر سنوات تلقى خلالها تدريباً صارماً على الحياة الرهبانية رغم حداثة سنه. وقد حفظ المزامير كلها عن ظهر قلب في وقت قصير ومارس ضبط النفس بأمانة. عرف كيف يقاوم الأفكار السمجة ويقطعها وكيف يرد ثقل النوم عن نفسه ويحفظ الصوم ويسلك في الطاعة ويجهد في العمل حتى قيل إنه فاق أقرانه في الدير، وكانوا في حدود الستين إلى السبعين، وأضحى بينهم مثالاً يحتذى في الطاعة والاتضاع والأتعاب.

المرحلة الثانية:

في الثامنة عشرة من عمره خرج إلى الأرض المقدسة. جاء الى القديس أفثيميوس  ورجاه بدموع أن يقبله في عداد نساكه فلم يرض لأن سابا كان حدثاً، لم تنبت لحيته بعد وأحاله، في المقابل على القديس ثيوكتيستوس. وقد رأى أفثيميوس بما له من بصيرة حسنة، ما سيكون عليه هذا الشاب فأشار على ثيوكتيستوس أن يوليه عناية خاصة كمن سيبلغ بنعمة الله، قامة سامية في الحياة الرهبانية.

بقى سابا في دير القديس ثيوكتيستوس إثنى عشر عاماً ضاهى خلالها كبار الشيوخ، في الدير، في الأصوام والأسهار والأتعاب والصلوات، وفي التواضع والطاعة والصبر.

المرحلة الثالثة:

في الثلاثين من عمره سمح له القديس أفثيميوس بالنسك، فأقام في مغارة خمس سنوات. صار ينكفئ في المغارة خمسة أيام في الأسبوع يغادر الدير مساء الاحد حاملاً معه ما يحتاج إليه من سعف النخل لصنع السلال في أسبوع دون أي طعام. ثم في السبت التالي يعود إلى الدير حاملاً عمل يديه، خمسين سلة. وقد اعتاد القديس أفثيميوس أن يصطحبه كل عام في خروجه إلى عمق صحراء روبا بين الرابع عشر من كانون الثاني وأحد الشعانين. وكان يسميه “الولد الشيخ”.

المرحلة الرابعة:

في الخامسة والثلاثين، إثر وفاة القديس أفثيميوس، أبيه، انتقل سابا إلى البرية بين كوتيلا وروبا. بّعُدّ عن دير القديس ثيوكتيستوس، بعدما رقد الآباء الذين كانت تربطه بهم صلة قربى بالروح. انصرف إلى الوحدة الكاملة وإلى الصلاة المستمرة والأصوام، جاعلاً ذهنه مرآة لله لا عيب فيها، انسجاماً مع القول المزموري :”اسكنوا واعلموا إني أنا هو الله” (11:45)  وإذ رأى الشيطان بأية همة وشجاعة كان جهاد سابا حسده وأخذ يوجه إليه سهام تجارية عله يدخل الرعب إلى قلبه فيهج من مقامه الجديد. وذات مرة، إذ كان سابا منطرحاً على الرمل في نصف الليل، تراْى له الشيطان في شكل حيات وعقارب. ارتبك سابا للحظة ثم فطن إلى أن هذه خدعة شيطانية فرسم إشارة الصليب على نفسه وانتصب على قدميه هاتفاً: حتى ولو أمكنك أن تخيفني فستنهزم لأن الرب الإله معي، وقد أعطانا سلطاناً عليك لما قال: ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 19:10)  وإذ نطق بهذا القول تبددت الخيالات للحال.

ومرة اخرى ظهر له الشيطان بهيئة أسد هائل يتجه نحوه زائراً مهدداً فقال له سابا:”إذا كنت قد أخذت سلطاناً عليّ من الله فلا تتوان. وإذا لم يكن كذلك فلم تتعب عبثاً؟ لن تتمكن من قطعي عن الله لأنه هو نفسه ثَبّتَ قدمي بكلماته لما قال: تطأ الأفعى والثعبان وتدوس الأسد والتنين (مز 90:13)  هنا أيضاً، إذ تفوه سابا بهذا القول الإلهي اختفى الشيطان عنه كأنه لم يكن. ومن تلك الساعة جعل الرب الإله كل وحش سام ومفترس خاضعاً لصفيّه سابا فأضحى يعيش معها في القفر بسلام.

المرحلة الخامسة:

أمضى القديس سابا في القفر على هذا النحو أربع سنوات خرج في نهايتها جائلاً يطلب صحارى أعمق، فأتى إلى تله سبق لأبيه أفثيميوس أن وطئها. وفيما كان أخذاً في صلاة الليل مرة تراءى له ملاك الرب في حلة بهية وأراه ممراً ضيقاً ينحدر إلى سلوام جنوبي التلة وقال له:”إذا كنت ترغب حقاً في إعمار هذا القفر فامكث في هذا الموضع. تسلق الجانب الشرقي من هذا الممر فترى أمامك كهفاً لم يسبق لإنسان أن دخله. اجعل مقامك فيه والذي “يرزق الطعام للحيوان ولفراخ الغربان التي تصرخ إليه (مز 9:146) هو يهتم بك. وإذ عاد سابا إلى نفسه حدّق في المكان ثم أخذ يصعد إليه ببهجة. فلما بلغه وجده كما وصفه له الملاك فشكر الله عليه واتخذه لنفسه موئلاً. كان ذلك في السنة الأربعين من عمره.

ولما استقر سابا في المكان جعل له حبلاً يصعد وينزل عليه. وقد كان يأتي بالماء من خزّان يقع على بعد بضعة كيلومترات من الكهف. بعد ذلك بوقت قصير أتاه أربعة أعراب. وإذ لم يتمكنوا من بلوغ المغارة أنزل لهم الحبل ودعاهم إليه فلما أتوه وعاينوا خلو الكهف من كل متاع اعترتهم الدهشة وطوّبوا رجل الله على فقره وفضيلته. ولما انصرفوا عنه أخذوا على عواتقهم أن يعودوه مرة كل بضعة أيام حاملين إليه الخبز والجبن والبلح وغير ذلك مما تيّسر لهم.

هكذا اقتاد الرب الإله خادمه وهكذا دبر أمره. وقد أقام متوحداً خمس سنوات يناجي ربه ويطهر عين فكره حتى أضحى قابلاً، بنعمة الله، لمعاينة مجد ربّه كما في مرآة. فلما بلغ الخامسة والأربعين أدرك أن الساعة قد حانت لاقتبال التلاميذ ورعايتهم على ما أضحى هو نفسه خبيراً فيه. مذ ذاك أخذ طلاب السيرة الملائكية يتدفقون عليه وأخذت الأديرة والمناسك ترتفع، هنا وثمة، بعون الله وتدبيره وهمّة خادمه.

تلاميذه وأديرته 

اجتمع حول القديس سابا في وقت قصير سبعون تلميذاً، عيّن لكل منهم مغارة في الجوار يقيم فيها. هناك في هذا الموضع، إلى الجهة الشمالية من وادي قدرون. تكوّن، شيئاً فشيئاً، ما عُرف في التاريخ وإلى يومنا هذا باللافرا الكبير. وقد نما عدد طلاب النسك فيه حتى بلغ، في زمان القديس سابا، مئة وخمسين.

وقد نشأت بسعي القديس سابا سبعة أديرة بقيت عامرة كلها إلى القرن العاشر للميلاد. من هذه الأديرة واحد جعله لحفظ المزامير والتمرس على مبادئ حياة التوحد وآخر للرهبان المتقدمين. أما النسك فلم يكن يسمح به إلا للمجربين ممن اقتنوا الصحو والتمييز وتواضع القلب والتخلي الكامل عن مشيئاتهم الذاتية. بالنسبة للأحداث الذين لم تنبت لحاهم بعد كان القديس سابا يحيلهم على القديس ثيودوسيوس.

كاهناً وأرشمندريتاً 

لم يشأ القديس سابا أن يكون كاهناً لأنه لم يحسب نفسه مستأهلاً. المتوحدون عموماً كانوا يجتنبون الكهنوت والأسقفية اجتناباً كبيراً وبعضهم كان يقطع أذنه ليُصرف النظر عنه. وقد كان القديس سابا يقول إن الكهنوت يلعب برؤوس المتوحدين وإن الرغبة فيه هي في أساس حب السلطة لديهم.

مع هذا جعله سلّوستيوس، بطريرك أورشليم، كاهناً وهو في الثالثة والخمسين 491م  لأن تمرداً حصل في اللافرا الكبير، وشاء البطريرك أن يثبت أبانا سابا في موقعه.

إلى ذلك وللغاية عينها أقامه البطريرك أرشمندريتاً، (لقب أرشمندريت كان يعطى لمن يرئسون جملة أديرة، فيما هو اليوم لقب فخري) قيماً على كافة النساك في فلسطين، فيما أقام القديس ثيودوسيوس قيماً على أديرة الشركة.

نبع الماء 

قلنا سابقاً إن القديس سابا كان يحضر الماء، أول أمره، من مكان بعيد بضعة كيلومترات عن مغارته. فلما أخذ طلاب الحياة النسكية لديه يتزايدون صلّى إلى ربه هكذا: “أيها الرب، إله القوات، إذا كانت مشيئتك أن يعمر هذا الموضع لمجد اسمك القدوس فمدّنا بقليل ماء يعيننا”. في تلك الساعة بالذات سمع طرق قدمي حمار وحشي يضرب الأرض في قعر الممر، فاسترقّ النظر، وكان القمر بدراًَ، فرأى حماراً وحشياً يطرق الأرض عميقاً بحافريه. فلما أحدث حفرة، رآه يطأطئ رأسه ويلعق ماء ثم ينصرف. فنزل سابا لتوّه وزاد في الحفر ففاضت المياه.

هكذا أخرج الرب الإله لأخصائه، في وسط اللافرا المقفرة، ماء كانت لا تزيد في الشتاء ولا تشح في الصيف فعزّى قلوبهم تعزية ليست بقليلة.

كنيسة بناها الله 

وفي إحدى الليالي، فيما كان سابا خارج كهفه يتمشى ويتلو مزاميره إذا بعمود نار ينتصب أمامه من الأرض إلى السماء على السفح الغربي للممر، فسرت في نفسه رعدة وشمله فرح لا يوصف فردّد في نفسه ما سبق أن تفوه به يعقوب في سفر التكوين:” ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء”. وأقام بإزاء العمود مصلياً بقية ليله، فلما لاحت تباشير الصباح تقدم بخوف وفرح عظيمين، فإذا بالموضع مغارة واسعة عجيبة لها شكل كنيسة بتفاصيلها. هذه المغارة هي التي أضحت كنيسة اللافرا، وكانت تعرف على مدى الأجيال ب ” الكنيسة التي بناها الله”.

الأرمن في اللافرا 

وأخذت الأبنية تشاد في اللافرا هنا وثمة لأغراض شتى سداً لحاجات الجماعة. وكانت المساعدات تتدفق على القديس سابا بعدما ذاع صيته وحرك الرب الإله قلوب العباد إليه.

وقد أتاه مرة ثلاثة من الأرمن يطلبون النسك بعنايته. فلما عاين بالروح ما كانوا عليه من تقوى تهلل وعين لهم أماكن ينسكون فيها وأذن لهم، في السبوت والآحاد، أن يقيموا الصلاة بلغتهم. وقد كان لهذا التدبير الحكيم وقعه الحسن بحيث تضاعف عدد الأرمن، في اللافرا، في وقت قصير. ولكن لما انتهى اليه، بعد حين، أنهم يضيفون إلى ترنيمة ” قدوس الله…” عبارة “الذي صلب من أجلنا” منعهم عنها لأن هذه الترنيمة موجهة إلى الإله الواحد في ثلاثة أقانيم لا إلى الرب يسوع المسيح منفرداً.

درس في التواضع 

اعتاد القديس سابا، كل سنة، أن يعيّد للقديس أفثيميوس، أبيه، في الثاني من شهر شباط ثم يغادر اللافرا إلى عمق الصحراء، في خلوة سنوية، ولا يعود إليها إلا في أحد الشعانين. ففي إحدى هذه الخلوات، جاء إلى برية بقرب البحر الميت. وإذ رأى في البحر جزيرة صغيرة قاحلة رغب في أن يقضي صومه عليها. وفي الطريق إليها وقع، بحيلة الشيطان العزول، في موضع كانت تنفذ منه مياه البحر وتخرج بخاراً ساخناً. هذا البخار انبعث في وجهه فأحرقه وأحرق لحيته وبعض أعضاء جسده حتى انطرح أياماً لا ينبت ببنت شفه إلى أن افتقدته النعمة الإلهية فأبراته وشدّدته في مواجهة الأرواح الخبيثة. وقد زالت كل آثار الحريق عن بدنه إلا واحدا: ضمور لحيته التي لم يبق منها غير نتف هزيلة. فلما عاد إلى اللافرا لم يتعرفه الآباء إلا من صوته وحركاته. مذ ذاك اعتاد أن يشكر الله على حرمانه من لحيته لأنه قال، ما هذا سوى من فضل ربه لكي لا يكون له بِشَعرِ ذقنه اعتزاز.

مؤامرة الرهبان عليه 

وعاد القديس سابا إلى اللافرا بعد حين ليكتشف أن الأربعين الذين قاوموه أضحوا ستين فتألم وبكى لحالهم بكاءً مراً وعجب كيف يجتذب الشر المتهاونين دونما مشقة. وقد أبدى، أول أمره، صبراً إزاء غضبهم عليه ومحبة إزاء كرههم له. ولما اشتدت وقاحتهم واستبد بهم الغيظ تركهم من جديد وارتحل إلى ناحية نيكوبوليس حيث أقام تحت شجرة خروب. كل ذلك كان بتدبير من الله لأن المكان الجديد الذي لجأ سابا إليه ما لبث أن تحول إلى دير للشركة.

وإذ طال غياب قديسنا عن اللافرا قام المتمردون يشيعون عنه أنه أثناء جولاته في البرية افترسته الوحوش الضارية. فقام المتآمرون بنفس واحدة وجاؤوا إلى إيليا، رئيس أساقفة أورشليم، مطالبين بتعيين رئيس آخر عليهم بحجة أن شيخهم مفقود وأن الأسود أكلته، فلم يصدقهم بل قال لهم: “ابحثوا عنه حتى تجدوه وإلا الزموا الصمت حتى يكشف الرب الإله لكم ما لا تعلمون”.

وما أن قرب عيد تكريس كنيسة القيامة وكانت العادة أن يأتي إليه كل رؤساء أديار فلسطين حتى أطلّ سابا مصحوباً بعدد من رهبانه من دير الشركة الجديد في نيكوبوليس. فلما رآه رئيس الأساقفة فرح به وطلب منه بإلحاح أن يعود إلى دير اللافرا فأذعن. وقد وّجه رئيس الأساقفة إلى الرهبان رسالة حثهم فيها على الخضوع لرئيسهم وأمر الذين لا يمتثلون أن يخرجوا. فلما بلغ المتمردين خبر ذلك أرغوا وأزبدوا، وقاموا ونهبوا ما طالته أيديهم وكسروا وحطموا ثم خرجوا يطلبون ديراً جديداً.

ولم يمض وقت طويل حتى عرف سابا بمكان إقامة المتمردين فأخرج البهائم وحمّلها مؤناً وطلب وجههم. فلما جاء إليهم وجدهم محتاجين منقسمين فرقّ لحالهم. وإذ عادهم بعد حين حمل إليهم أغراضاً ومواد بناء وكان معه فريق من العمال والحرفيين. وقد أمضى بينهم خمسة أشهر إلى أن أتم بناء كنيسة وفرن وجهزهما بما يلزم. كان قد بلغ آنذاك من العمر تسعة وستين عاماً.

مرتان إلى القسطنطينية 

هذا وقد زار القيس سابا مدينة القسطنطينية مرتين في حياته. في المرة الأولى، سنة 511م، كلفه إيليا، رئيس أساقفة أورشليم، بالوقوف بين يدي الامبراطور أناستاسيوس (491 – 518) ليُثبت الإيمان الأرثوذكسي، لأن أناستاسيوس كان على المونوفيسيتية ( القول بأن ليسوع المسيح طبيعة واحدة لا طبيعتين، إلهية وبشرية، كما تقول الكنيسة الأرثوذكسية) وكذلك ليلتمس منه بعض الامتيازات المالية لصالح كنيسة أورشليم. أما في المرة الثانية، سنة 530م، فمثل لدى الامبراطور يوستنيانوس (527 – 565)، بناء لطلب رئيس الأساقفة بطرس، ليسأله الدعم والحماية وإعفاء إقليمي فلسطين الأولي والثانية من الضرائب بعد النكبة التي حلت بهما بسبب ثورة السامريين الدامية. وقد تكللت مهمة القديس سابا، في كلتا الحالتين، بالنجاح.

دفاعه عن الإيمان 

ثم إن الصراع بين الفريقين الإرثوذكسي والفريق المونوفيسيتي احتدم حتى إن اصحاب القول بالطبيعة الواحدة استمالوا أناستاسيوس الإمبراطور إليهم فعمد إلى طرد البطريرك إيليا الأورشليمي من كرسيه واستبدله بآخر يدعى يوحنا. على الأثر نزل الرهبان، بناء لإيعاز القدّيسين سابا وثيودوسيوس، إلى المدينة المقدسة ليحملوا رئيس الأساقفة الجديد على الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسي والقول بالطبيعتين. وقد ذُكر أن عدد الرهبان الذين اشتركوا في التظاهرة، آنذاك، بلغ قرابة العشرة الآلاف. وقد وقف البطريرك الجديد والقديسان سابا وثيودوسيوس، إلى يمينه وإلى يساره أمام ممثلين إمبراطوريين فأبسلوا بصوت واحد كل من لا يقبل بالمجمع المسكوني الرابع الخلقيدوني (451)، من نسطوريوس إلى أوتيخا إلى ساويروس إلى سوتيريخوس القيصري، كما رفع سابا وثيودوسيوس، باسم الرهبان، عريضة جريئة إلى الامبراطور في هذا الشأن.

رقاده 

كان رقاد أبينا القديس سابا يوم السبت في مثل هذا اليوم من عام 532م، عن عمر يناهز الرابعة والتسعين. عرف، في رؤيا، يوم فراقه قبل ذلك بأيام. استدعى آباء اللافرا وسمى عليهم رئيساً بعد وفاته، القديس ماليتا البيروتي، وأكد ضرورة حفظ التراث الذي زرعه بينهم وسلمه إلى الرئيس الجديد كتابة. ثم بعدما اشترك في القدسات أسلم الروح. كلماته الأخيرة كانت :” يا رب، في يديك استودع روحي”.

هذا ويبدو أن عدداً كبيراً من الظهورات والعجائب جرى بعد رقاده وقد سجل مترجمه، الراهب كيرللس البيساني، بعضاً منها. كما بقى جسده سالماً من الانحلال. أودع اللافرا إلى أن اختلسه الصليبيون ونقلوه إلى البندقية. وقد تمت إعادته إلى ديره في تشرين الاول من السنة 1965.

في هذه اللافرا التي أسسها القديس سابا أزهر العديد من الآباء القديسين على مدى الأيام، أمثال القديس يوحنا الدمشقي وقوزما، أسقف مايوما، واستيفانوس السابائي المعروف واندراوس الكريتي وسواهم. كما بقي الدير قلعة أرثوذكسية جيلاً بعد جيل، وإليه يعود أقدم تبيكون جمع القواعد التي تضبط الخدم الليتورجية في العبادة .

اعادة جسد القديس سابا لديره بالبلاد المقدسة . 

رئيس الدير انذاك سيرافيم يقول ” ليس حب فينا ” قام البابا واللاتين بإعادة رفات القديس سابا لنا ولكن اعاده لنا لأن القديس سابا ظهر عدة مرات للبابا وكان يزعجه في الحلم طالبا منه أن يرجعه إلى بيته، ديره، إلى اولاده، إلى الرهبان التي كانت دموعهم تمطر من عيونهم عندما كانوا يعيدون له وهو ليس بجانبهم ,وعندما رقد البابا ولم يعط أي اهمية لهذه الاقوال التي كان يخبره بها القديس سابا عن العودة إلى ديره عاد وظهر للبابا الجديد المنتخب وهذه المرة أزعجه بشكل مخيف لكي يتركه يعود والا سوف يموت.

في المكان الذي كان به محفوظة رفات القديس في تابوت من زجاج ابتدأ القديس يضرب الزجاج، أزعج الحرس والرهبان اللاتين عندها قّرر إرجاعه إلى البطريركية الأورشليمية إي إلى ديره, هذه كلها كانت من شدة الفرحة بالعودة.

وكل هذه الاحداث علموها الأباء من الرهبان الذين كانوا موجودين في الكنيسة آنذاك.

وعندما رأى الاباء (الارثوذكس) الرفات المقدسة كان عندهم شك أن الاباء اللاتين بدلوا هذه الرفات بقديس او شخص آخر، الشيخ سيرافيم راح يتمعن بحذر ويدقق بالرفات باحثاً عن إية علامة للتأكد من ان هذه الرفات هي للقديس سابا (أي الرفات الأصلية). وبعد برهة من الوقت صرخ بصوت عالٍ هذه هي الرفات والذي أكد له هذا أنه في السنكسار السابائي ذكر أن القديس سابا عندما كان يحارب أصحاب بدعة الطبيعة الواحدة قاموا بقلع إحدى عينيه, وهذا ما عاينه عندما رأى الرفات. وعندما وصل النعش الزجاجي إلى ساحة القديس مرقس لكي ينقل إلى قرية أخرى وبعدها إلى المطار حصلت حادثه لا يمكن وصفها بالكلمات ولكن من عاين هذا المشهد وقف صامتاً كصنم بما رأت عيناه.

عندما ابتدأ القارب بالابحار في القناة قامت أسراب من الحمام مجتمعة وغطت السماء كموج البحر مودعة القديس وهذه شهادة أخرى تؤكد اشتراك الروح غير العقلية في هذا الاحتفال إي عودة القديس إلى ديره، والقديس سابا هو شفيع مرضى السرطان والعائلات التي لا تنجب أطفالاً .

وعندما وضع جسد القديس سابا في البطركية في القدس ليتبارك به المؤمنين كان عدد الزائرين غير متوقع لذلك طال تواجد جسده بالقدس الى ان ظهر القديس سابا لاحد الكهنة المقربين من البطريرك حينها وطلب منه ان يعيده الى ديره حالا ، وخلال مدة تواجده بالقدس ظهرا باعجوبة قوسي قزح وليس قوس قزح واحد ، بل اثنين على شكل صليب لمدة ايام الى ان عاد جسده المبارك الى الدير ، ويشهد على هذا كل سكان المنطقة وكل الرهبان بالدير .