موضع الجلجلة

null
Share

image_pdfimage_print
موضع الجلجلة

 

نشاهد في الجهة الشرقية لموضع إنزال الجسد المقدس عن الصليب, درج شديد الانحدار, الذي يصل الى منطقة الصليب االمحيي موضع صلب وموت السيد المسيح الذي غفر بدمه الكريم خطايا البشرية بعمل الفداء, وهو وضع الجلجلة او الجلجثة بالعبرية أو موضع الجمجمة حسب ما ذُكر في إنجيل يوحنا البشير, توجد ايضا ثلاثة من الدرج التي تصل الى هنا, احدها موجود امام مدخل الجهة الجنوبية من صحن كنيسة نصف الدنيا اي الكنيسة الرئيسية “الكاثوليكون”, الثاني من الباب المقدس للكنيسة الرئيسية “الكاثوليكون” والثالث من القسم الجنوبي الشرقي للكنيسة.

تقع الصخرة بالجهة الجنوبية الشرقية من صحن كنيسة نصف الدنيا “الكاثوليكون” وترتفع بمقدار اربعة ونصف امتار عن ارضية الكنيسة, حيث توجد بشكلها الكامل اسفل التغطية الرخامية التي يشاهدها الزائر اليوم. في التصميم الاول للمكان المقدس, الذي يعود الى عصر الامبراطور قسطنطين الكبير, كانت تلة الجلجلة تقع ضمن الركن الجنوبي للبهو الداخلي, ووفقاً للمصادر الموجودة  كان يوجد في هذا الموضع صليب كبير مرصع بالاحجار الثمينة, هبة من الامبراطور البيزنطي ثيوذوسيوس الثاني عام 420. خلال النصف الثاني من القرن السادس كانت صخرة الجلجلة مكشوفة  فتم وضع حاجز مشبك مصنوع من الذهب والفضة حول الصليب الذهبي, حيث كان المؤمنون يسجدون عنده.

عندما قام البطريرك موذيستوس بتجديد الكنيسة, صنع مضلة فوق الجلجلة, استمرت حتى القرن الحادي عشر, حيث اقيم حائط في الجهة الشرقية للجلجلة, وفي الجهة الجنوبية من هذا الحائط قام الصليبيون بفتح مدخل, أصبح اليوم بعد تعديله مجرد نافذة, في ذات العصر تم تقسيم المساحة التي تشكلت فوق قمة التلة الى قسمين مستطيلين متوازنين, ذات سقف مقوس باقبية مصلبة, فأصبحت هنالك كنيستين فرعيتين, الشمالية منهما تابعة للروم الارثوذكس والجنوبية تابعة للاتين.

في القسم الشرقي من الكنيسة الفرعية التابعة للروم الارثوذكس, اسفل المائدة المقدسة, التي ترتكز على اعمدة صغيرة ولا توجد عليها اية اغطية, حتى تترك مساحة حرة امام سجود المؤمنين, نجد نقشاً مستديراً على الصخرة,وهو المكان حيث كان موضع صليب الرب يسوع المسيح, ويوجد فوق هذه النقطة طبق مزخرف مصنوع من الفضة, مقسم سطحه الى خمسة اقسام تمثل احداث في الام السيد المسيح, بينما يحيط به حُلية زخرفية على الطراز اليوناني القديم يطلق عليها طراز “مينانذروس”.

حول رخام المائدة المقدسة, يوجد النص التالي: بدمك المقدس المسفوك ايها السيد المسيح من جنبك الطاهر وفدائك القابل للحياة, انتهت كافةً الذبائح الى الاوثان, وتسيج لفدائك كل الارض.

توجد بجوار المائدة المقدسة, في القسم الشمالي من الكنيسة الفرعية, مائدة التقديم, التي تاخذ شكل مظلة مفرغة, والتي تستند على اعمدة عليها النص التالي: 1842, يا فاعل الخلاص في وسط الارض, ربنا يسوع المسيح, عندما مددت أيديك الطاهرة على الصليب وجمعت كافة الامم التي تهتف لك, المجد لك يا رب.

يوجد خلف المائدة المقدسة, مشهد يمثل يسوع المصلوب, بالحجم الطبيعي , بينما توجد اسفل الصليب السيدة والدة الاله ويوحنا التلميذ المحبوب. ملابس هذه الوجوه مغطاه بالفضة وتوجد خلفها ايقونات صغيرة تمثل مشاهد من الام السيد المسيح, تتوسطها ايقونة كبيرة للمسيح الذي يسير الى الالام, داخل اطار ذو نهاية مقوسة. جميع هذه المشاهد مغطاه بالفضة, ويوجد على جانبيها عدد من الاسرجة الكبيرة.

يضفى المكان الى الزائر مهابة روحية حيث يقع في الموضع الحقيقي “خارج البوابة” حيث تالم المسيح. كما ويشاهد الزائر بين الكنيسة الفرعية الارثوذكسية والكنيسة الفرعية اللاتينية, على صخرة الجلجلة الشق المعروف باسم “شق الساعة التاسعة” وما هو الى الشق الذي حدث وفقا للوصف الوارد في الانجيل في اللحظة الاخيرة عندما اسلم السيد المسيح الروح على الصليب. انه عبارة عن شرخ غائر, يصل عرضه الى 12 سم في بعض نقاطه, وحصل هذا جراء هزة ارضية زلزلت المكان, يذكرها المؤرخان الرومنيان تاكيتوس وسيتونيوس, تسببت هذه الزلزلة في شق الجزء العلوي من الصخرة الى قطعتين, وفقا لما ورد في الانجيل (متى اصحاح 27).

تقع الكنيسة الفرعية التابعة للاتين, وفقا للتقليد المتوارث, في المكان الذي وضعوا فيه مسامير السيد المسيح على الصليب, هنالك عمل من الفسيفساء, يمثل هذا المشهد, ويقع في الكنيسة خلف الهيكل الرئيسي. توجد على اليسار ايقونة لوالدة الاله بينما تتلقى ضربة حربة, ترمز الى آلام السيد المسيح, وتعتمد على وصف وارد في الانجيل (لوقا 2:35)  “وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة”.

توجد مساحة خلف الجدار الجنوبي للكنيسة الفرعية للاتين, حيث ينتهي اليها سلم يصل من الساحة المقدسة, التي تقع على يمين مدخل الكنيسة, وفقا للتقليد, من هذا الدرج صعد الامبراطور ايراكليوس (هيرقل) الى الجلجلة عاري الراس وحافي القدمين, ليرفع الصليب المقدس الذي استعاده من السلب الفارسي, في عام 629, وهو الحدث الذي تحتفل به الكنيسة الارذوكسية سنويا, يوم عيد رفع الصليب المقدس (14 سيبتمبر).

من الجدير بالذكر ايضا هنا الى انه في الفترة ايار حتى اكتوبر 1988, في عهد البطريرك ذيوذوروس, تمت اعمال تتعلق بنزع البلاطات التي تغطي صخرة الجلجلة وتنظيف حشوات الجبس الموجود اسفل البلاطات. هذا العمل اقيم تحت اشراف الاستاذ الجامعي جورج لافاس والمهندس المعماري ميتروبولوس, واثناء هذه الاعمال تم اكتشاف الشق الذي سبق ذكره وقاعدة حجرية مستديرة, خلف مركز المائدة المقدسة, حيث من الواضح انها كانت موضع الصليب المقدس, او ربما تدل على المكان الاصلي للموت على الصليب, حيث كانت توضع هناك في السنوات الاولى نماذج للصليب المقدس, كذلك وجد على يسار المائدة المقدسة طلاء بلون الذهب الابيض عليه صلبان منقوشة, بالاضافة الى اجزاء من ارضيتين متعاقبتين وجزء من جدار مائل ذى اتجاه من الشمال الى الجنوب, مستمر اسفل المائدة المقدسة, جميع ذلك يتطابق مع المعلومات الواردة في المصادر الموجودة اليوم عن تصميم المكان المقدس. على مدار الزمان الذي نتحدث عنه الان, وبالربط بالشهادات التاريخية والتراث الحي لكنيسة أورشليم, لا مجال في التشكيك ان الجلجلة الموجودة داخل الكنيسة هو موضع صلب ربنا يسوع المسيح.