1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاحتفال بعيد القديسة فوتيني 22/5/2011

“ان السامرية الشائعة الذكر اتت مقبلة بأمانة الى البئر, فشاهدتك يا ماء الحكمة التي لما سقيت منك باتراع ورثت الملكوت العلوي أبديا” (قنداق العيد).
أيها الاخوة الاحباء بالمسيح يسوع
أيها الزوار الحسني العبادة

إن معنى العيد في هذا اليوم الخاص بالمرأة السامرية, وكما وصف بوضوح في انجيل القديس يوحنا الانجيلي : اذ يقول الرب يسوع المسيح للمرأة السامرية “ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه انا فلن يعطش الى الأبد, بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية” (يو 4:14).
إن الذي سيشرب من الماء الذي انا اعطيه لن يعطش الى الأبد, لكن هذا الماء الذي سوف أعطيه اياه سيتحول داخله الى ينبوع ماء لا ينضب, انما سيتفجر ويطفر جاريا باستمرار, مخولا اياة الحياة الابدية.
ما هو الماء الذي وعد به المسيح المرأة السامرية ؟؟
انه ماء الحكمة , اي (الحكمة الالهية). الحكمة الالهية هي تماما المسيا, فالنبي اشعياء البوق الإلهي العظيم تنبا قائلا: “ويحل عليه روح الرب, روح الحكمة والفهم, روح المشورة والقوة, روح المعرفة ومخالفة الرب” (اش 2:11). وحسب شهادة الرسول بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس يقول جهارا: “ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا… فالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1 كو 1 23:24).
بالنسبة لقوة الله وحكمة الله ايها الأحباء بالرب, هي ليست الا الروح القدس الذي ينبثق من الاب ويستقر مستريحا بالابن. هذا هو روح ابن الله الذي يغدقه المسيح كماء الى المراه السامرية, ولكن نفس عطشى ولكل الفصول, كما يقول مرنم الكنيسة:
“ان الكلمة المساوي للاله الاب في الازلية الصانع الكل والرازق الحياة قد اتخذ جسدا من البتول وصار إنسانا باختياره وبما انه صالح افاض للكل تعاليم الحكمة التي لا توصف. من كان عطشانا فليفد الي ويشرب. والذي يؤمن بي يجري من بطنه انهار ماء حياة الروح الالهي”.
هذا الماء يصير للذي يشربه ينبوع ماء (يو 4:14), يختلف من الماء العادي الطبيعي من بئر يعقوب البطريرك, بسبب قول – مفسر كلمة الرب – اعطى ماء للسامريين عامة, فالذين يرتشفونه سوف يعطشون ثانية. ولكن في المقابل الماء الروحي المتدفق من المسيح… “قادر (للشارب منه) ان يصير ينبوع ماء لا ينضب, معطيا مياه خلاصية”.
فعلا أيها الاخوة الأحباء: هبة المسيح لا تقدر بثمن, فعندما نقارن حكمة المسيح مع حكمة العالم واموره, يظهر لنا باجلى بيان ان حكمة المسيح الاصلية تعلو علوا كبيرا, فوق حكمة العالم, فلا مجال للمقارنة بينهما إطلاقا.
بكلام اخر: المسيح اروى واراح روح النفس العطشى, فلم يطرد العطاش للروح انما يدفعهم الى حد الكمال, اي يهب روحه القدوس الينبوع الداخلي الذي لا ينضب مرويا هؤلاء العطاش للروح بشكل مستمر وتلقائي. نرى ما يقوله القديس اغناطيوس الحامل الاله بهذا الرباط في رسالته الى رومية:
“ان رغبتي الارضية قد صلبت ولم يتبق في اي نار لاحب المادة, لا يوجد في غير “ماء حي” يدمدم في اعماقي ويقول تعال الى الله الاب, لم يعد يروقني غذاء الفساد ولا تغريني ملذات الحياة, اني اريد خبز الله, الخبز السماوي, خبز الحياة الذي هو بشر يسوع المسيح ابن الله الذي اتى في ملء الزمان من نسل داود وابراهيم, اني اريد شرابي دمه الذي هو المحبة غير الفاسدة والحياة الابدية”.
هذه بالتدقيق المحبة غير الفاسدة التي كانت تطلبها بالحاح وبشكل مختلف – من الرجال الخمسة – المرأه (المتحرره ) في عصرها كما ذكر اي المرأه السامرية. فهؤلاء الرجال لم يحققوا لها رغبتها.
اما المسيح في المقابل, فقد قطر في قلبها الحب الالهي مقدرا لها المحبة غير الفاسدة.
وجدت السامرية في شخص المسيح ينبوع الحياه, وجدت ينبوع المحبة الحقيقية التي حسب الحكيم بولس “لا تطلب ما لنفسها … ولا تظن السوء… المحبة لا تسقط ابدا” (1 كو 13 8-5).
حققت السامرية محبة غير فاسدة للمسيح من خلال موتها الاستشهادي, هكذا اصبحت جسما واحدا ودما واحدا مع ربنا يسوع المسيح المصلوب والمقام.
ايها الاخوة الاحباء
ان الشيء المميز بلقاء المسيح مع السامرية في هذا المكان المقدس بئر يعقوب, هو الحدث بان المسيح يكرز قائلا: الله روح والساجدين له ينبغي ان يسجدوا بالروح والحق, كذلك يكشف انه المسيا الاتي والمنتظر.
القديسة الشهيدة العظيمة فوتيني التي نكرمها اليوم اي المراه السامرية تدعونا وبنفس الوقت تحضنا لكي نقتدي بها, ليس فقط من خلال الاعتراف بالمسيح, لكن بالطريقة الخاصة والمميزة التي اعلن المسيح فيها انه بالروح والحق يجب ان نسجد لله, وهذا لان الحقيقة بالمسيح هي ليست السيطرة على القوى الفكرية للانسان, لكن هو استعلان الله لها.
هذا هو كلمة الله المتجسد, هو بالحقيقة المسيح المصلوب والمقام. هذا هو نور وحياة العالم.

المسيح قام