1

كلمة صاحب الغبطه بطريرك المدينه المقدسه اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة دخول المسيح الى الهيكل

لقد غطت فضيلتك السماوات ايها المسيح: فإنك برزت من تابوت قدسك الام لمنزهة عن الفساد. فشوهدت في هيكل مجدك طفلاً محمولاً في الاحضان. وامتلأ الكل من تسبحتك ( صلاة السحر: كطافاسية ٤- الارمس- القديس قزماس مايوما).
ايها الاخوه الاحباء. أيها المؤمنون، والزوار الحسنيو العباده.
ان كنيسة المسيح المقدسه ما انفكت تعلن للعالم أجمع شهادتها الاصليه بسر تجسد وتأنس كلمة الله، الأمر الذي حدا بنا لننضوي سوية في هذا المكان التاريخي والمقدس، محتفلين ببهجة وحبور بعيد دخول ربنا يسوع المسيح الى الهيكل، وحمله على ذراعي الشيخ سمعان الصديق، كما يقول المرنم: ( لقد هتف سمعان يقول: ها إن هذا هو الذي يكون الهدف للمخالفة. وهو اله وطفل معاً. فلنرنمن له عن ايمان هاتفين: باركوا الرب يا جميع اعماله وارفعوه الى كل الدهور).
إن للانجيلي لوقا شهاده دامغه إذ يقول: ( كان سمعان رجلاً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب) (لو ٢: ٢٥ -٢٦).
فتحقق هذا الامر بأعتراف البار سمعان عندما عاين المخلص في الهيكل، واحتضانه له كما ذكر المرنم: (فشوهدت في هيكل مجدك طفلاً محمولاً في الاحضان).
لقد برز مسيح الرب من الأم المنزهة عن الفساد، اي من الدماء الطاهرة النقيه لوالدة الإله الدائمة البتوليه مريم. برز كطفل ( في هيكل مجده) محمولاً بالاحضان، كما يقول القديس يوحنا الدمشقي: ( وعلى أيد بشريه حمل كطفل صغير، هو “بهاء مجد الاب وصورة جوهره (عب ٣:١ ), والذي يحفظ الكون برمته بكلمة فمه).
اشترك في هذا الحدث الروحي العظيم البار سمعان الشيخ، الذي اعتبر مثل تلميذ ورسول للمسيح، كما ذكر آنفاً بفم الانجيلي لوقا: ( كان سمعان رجلاً تقياً ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كان عليه وكان قد اوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب (لو ٢: ٢٦ -٢٥ ), أن اباء الكنيسه العظام يفسرون معنى، ( تعزية إسرائيل ) الوارده في الانجيل المقدس بما يلي: (اسم المسيح المبارك يشمل في ذاته الصفات الالهية، التي تضمن الخلاص للانسان، فالمسيح يعزي شعبه، لانه كلمة الله المتجسد القادر على تحرير الانسان من رباط الخطيئه، وإعطائه حرية ابناء الله، من خلال تعاليمه وأسراره الخلاصيه، فهو يكسب وبمحبه عظيمه الراحه لكل قلب حزين، مغدقاً عليه بالفرح والرجاء والتعزيه الالهية”.
وفي شرح معنى ، ( الروح كان عليه)، فالقديس زيغابينوس يقول: (هذا الروح كان روح النبوه)، الامر الذي جعل البار سمعان الشيخ أول نبي يعلن بأن المسيح قد جاء الى العالم، تحقيقاً لوعد الروح القدس له.
لذا استطاع بجرأة ومقدره فريده أن يجاهر بهذا الأمر رغم محدودية الفكر الانساني ومدى استيعابه لهذا الامر الفريد والوحيد. ان الشيخ سمعان البار قد سماه (صفاته الحسنه) وانتشرت في اصقاع الارض وكذلك حنة النبية بنت فانوئيل الطاعنه في السن ( لو ٣٦:٢).
فهما لنا صورة يحتذى، ومثال يقتدى، لنكون على نفس سيرة حياتهم الفاضله الحميده، التي تشع مهابة ووقاراً، فقد تحررا من قيود العالم وشهواته, فجل عملهما هو تقديم النفس باستمرار كتقدمة محرقة نقية نحو باريها, بصلوات وطلبات وتضرعات مستمرة لا تعرف الكلل ولا الملل.
فجمعا من الفضائل أسماها ومن الخصائل أعلاها, متذكرين قول الحكيم سليمان: ( اما البار فأنه وان تعجله الموت يستقر في الراحة, لأن الشيخوخة المكرمة لا تقوم على كثرة الأيام ولا تقاس بعدد السنين… بل هي الحياة المنزهة عن العيب) (حكمة 4:7- 9) .
اما القديس بولس فيقول عن الشيوخ: (صاحين , ذوي وقار, متعلقين, اصحاء في الأيمان والمحبة والصبر, أما بالنسبة للعجائز: في سيرة تليق بالقداسة, غير ثالبات, غير مستعبدات للخمر كثيرا.
معلمات الصلاح… متعلقات, عفيفات, ملازمات بيوتهن…) (تيطس ٢: ٥ -٢).
أن الشيخ سمعان البار ومن خلال انتظاره للوعد الالهي بثقة راسخة (أنه سيعاين مسيح الرب), أوحي اليه بالوقت المناسب ليستقيل المخلص عند دخوله الى هيكل سمعان, فهذا الحدث يعتبر التاج المنير لأقوال الأنبياء في العهد القديم, التي تنبأت عن سر التدبير الالهي بالمسيح, أي تأنس الهنا كلمة الله ومخلصنا يسوع المسيح, لهذا السبب ايها الأحباء, يكرز الرسول بولس قائلا: (لأنه قد ظهرت نعمة لله المخلصة لجميع الناس, معلمة ايانا ان ننكر الفجور والشهوات العالمية, ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر, منتظرين الرجاء المبارك وظهور مد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح, الذي بذل نفسه لأجلنا, لكي يفدينا من كل أثم ويطهر لنفسه شعبا خاصا غيورا في أعمال حسنة) (تيطس ٢: ١١-١٤).
أن كنيستنا المقدسة بالمسيح تنظر لهذا الحدث بكل اهتمام وغيرة, فهي تعيد لاستقبال ربنا يسوع المسيح على ذراعي الشيخ سمعان الصديق, لأن المسيح اتى لكي يتمم كل بر فهو ينفذ وصايا الناموس (التي وضعها) بحذافيرها, لكي يبقى سر التجسد بمنأى عن كل شك وريب.
لذا فالكنيسة المقدسة تؤدبنا وتقوينا من خلال الأسرار الالهية المحيية, لتقودنا الى الحياة التأله بالنعمة, وتزودنا بالخصال والفضائل الروحية لكي نستقبل (خلاص الله) (لوقا ٢: ٣٠), هذا الخلاص الذي قدمه لنا نحن الخطأة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي صلب وقبر وقام ظافرا من بين الأموات (… الآتي “عند الدينونة الأخيرة” على سحاب السماء بقوة ومجد كثير) (متى ٢٤:٣٠).
أن خلاص الله الذي تمتع به سمعان الشيخ كان بالعيان واللمس, أما نحن المخلصون بالمسيح, فأن (خلاص الله) يتحقق فينا بشكل عجيب فنحن نمتزج ونتحد مع المسيح الاله من خلال سر المناولة الالهية (الأفخارستيا), أذ نصبح شركاء في الدم والجسد الالهيين المقدسين. هذا يعني أيها الأحباء, أن علينا أن نقبل التجارب أذا ألمت بنا, ولا نستغرب جراء حدوثها, فالسيد المسيح قال: ( في العالم سيكون لكم ضيق, ولكن ثقوا : أنا قد غلبت العالم) (يو ١٦:٣٣), فالشرير ما زال يعمل في أبناء المعصية, التي نراها تتفاقم في زماننا الحاضر من خلال قوى الاضطهاد والتدمير المخيف والمريع بأنواعه العديدة.
لا نقف مذهولين من جراء ذلك, لكن لننصت الى أقوال الرسول بطرس: ( بل كما اشتركتم في الآم المسيح, افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضا مبتهجين في مجيئه الثاني المجيد ) (1 بط ٤:١٣).

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون