1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الرسل الاثني عشر الأطهار.

لقد أُرسلتم إلى العالم أجمع مثلَ شُهبٍ ساطعة الضياءِ بالروح القدس. يا خَدَمة الأسرار الكلّيي السعادة.تمنحون الناس مفاعيل صنع العجائب بسخاءٍ. فإنَّكم أصبحتم خُدَّاماً لأسرار المسيح. وألواحاً للنعمة الإلهية كتبها الله ونقش عليها شريعته الإلهية. هذا ما يتفوه به مرنّم الكنيسة.
أيّها الإخوة المحبون بالمسيح،
أيّها الزّوار الأتقياء،
إنّ جوق رسل المسيح الإلهيّين الكلّيّي الحكمة، قد جمعنا اليوم في المكان الذي أَلِـفوهُ والذي قابلهم فيه الرب على شاطئ بحيرة طبريا. (يو21 : 4 ) وذلك لكي نُحيي بوقارٍ هذا العيد الجامع للرسل الاثني عشر في هذا الدير المقدس المُقام على اسمهم.
احتفلت بالأمس كنيستنا المقدسة مُكَرِّمةً فخر الكنيسة أي كوكَبَيْ الكنيسة العقليين بطرس وبولس منيري المسكونة .

لقد دعا ربنا يسوع المسيح الرسل إلى الرتبة الرسولية، فكانوا حجارة أساس الكنيسة و”مشيّدي المسيحية”، وهذا لأنّ رسل المسيح وتلاميذه قد صاروا شهود عيانٍ لكلمة الله المتجسد، وآلام صليبه، وقيامتهِ المُحييه، كما أنّهم قد سمعوا وعاينوا مجد ابن الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور”جَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ، لَهُ اسْمَعُوا” (مر 9 : 7).
فصاروا خداماً لسر تدبير إلهنا يسوع المسيح، خداماً للكرازةِ الإنجيلية، ولخلاصنا نحن البشر كما يقول القديس كيرلس الإسكندري “هم بداءة وبواكير القديسين الذين خَلصَوا ” و بكلامٍ آخر شكّل الرسل جماعة المؤمنين الأولى بالمسيح، كما ينوه بذلك أيضا القديس كيرلس حيث يقول: “إنّهم (الرسل)هم الذين تكرَّسوا وتقدسوا لله أولاً بالروح القدس”.
إنّ الربّ قد فوّض الرسل القديسين ليشكّلوا المكوّن الأساسيّ لمؤسسة كنيسة الله الأرضية ودستورها، وهذا ما يشهد به القديس متى الإنجيلي قائلاً: وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِه،ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ.(متى 9: 36 – 10 : 1 ).
وكما هو معلومٌ أيّها الأحبّة فإنّ الخراف بدون راعٍ يكونون معرضين للخطرِ الشديد أو إذا أرادوا أن يجدوا لهم مرعى فهم لا يستطيعون إيجاده إن لم يكن لهم قائد أي راعٍ ، لهذا اختار الرب يسوع المسيح الرسل الاثني عشر،وأقامهم ليس رعاةً ومعلمين للكنيسة فقط بل خلفاءَ له بالروح القدس فأعطاهم السلطان على الأرواح النجسة وشفاء كل مرضٍ وكلَّ ضعفٍ(متى 10 :1 ).
إن هذا السلطان الروحيّ والخلافة الرسولية قد ختمها، وأكّدَها الرب يسوع المسيح،في يوم العنصرة المقدّس عندما أرسل روحه القدوس على التلاميذ بشكل ألسنةٍ نارية واستقر على كل واحدٍ منهم (اع 2 : 3 ) .
إن هذا الحدث، أي رسوليّة الكنيسة، قد صاغَهُ عقائدياً وحصنه قانونياً الآباء القديسون المُتوشحون بالله في المجمعين المسكونيّين الأوّل والثاني، وذلك من خلال قراراتهم المُلهَمة من الله فقد رتّبوا تعاليم الرسل القديسين المُسلَّمة من الله، وأسموها “قوانين الرسل القديسين الأطهار”.
إنّ أول رئيس كهنة بحسب الطبيعةهو المسيح ابن الله الوحيد الذي لم يأخذ هذا الشرف والكرامة خلسة واختطافاً إنّما أعطاه إياه الآب، والذي (أي المسيح) قد صار انساناً لأجلنا وقدّم هذه الذبيحة الروحية لإلهه وأبيه قبل الآلام، وقد وضع لنا نحن الرسل بأن نقوم نحن فقط بعمل الرسامات الكهنوتية على الرغم من أنه كان هناك غيرنا من الذين آمنوا بالمسيح ولكنهم لم يصبحوا كهنة ورؤساء كهنة. وبعد صعود ربنا يسوع المسيح قدّمنا نحن الرسل بحسب ،أوامره وتسليمه، الذبيحة الطاهرة غير الدمويّة وقمنا بسيامة أساقفة وكهنة وشمامسة عدد 7 (قوانين الرسل 8 XLVI).
وبكلام آخر إن الرسل القديسين هم حفظة الوديعة الصالحة وحراسهاأي التعليم الصحيح (2 تيموثيوس 1: 14). أي الكنز المحفوظ أي الكنيسة.وما نعنيه بالتعليم الصحيح هو إيماننا الأرثوذكسي الذي لا عيب فيه كما يعلن ويوضّح القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس:”اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ.(أي بالإنجيل) اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ،عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ . لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ (وهو الآن)لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ.” (2 تيموثيوس 4 : 3-4)
هذا بالضبط ما يحدث في عصرنا الحالي من “رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ(الشيطان)، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ.”(أفسس 2:2) الذي طلب سابقاً أن يفنيَ ويُغربِلَ إيمان الرسل (لوقا 22: 31). تماماً كما قال ربنا يسوع المسيح موجهاً كلامه إلى الرسل وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ.(لوقا 22 : 31-32).
نتضرع إلى ربنا وإلهنا بشفاعة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وبتضرعات القديسين الرسل المجيدين في عيدهم الجامع أن يسندنا بإيمان الكنيسة الأرثوذكسية الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية . آمين

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية