1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد هامتي الرسل بطرس و بولس في مدينة كفرناحوم.

لقد أشرق اليوم في الآفاق عيدٌ بهيجٌ. عيد تذكار الرسولين والهامتين بطرس وبولس الكليّي الحكمة الشريف.فلنعيَّدنَّ فيه يا اخوة هاتفين نحوهما وقائلين:السلام عليك يا بطرس الرسول الصديق المخلص لمعلّمك المسيح إلهنا.السلام عليك يا بولس المحبوب جداً.يا كاروز الايمان ومعلّم المسكونة.والآن فبما لكما من الدَّالَّة لدى الإله.أيها الزوج المقدَّس المُصطفى.ابتهلا إليه في خلاص نفوسنا.هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.
أيها الأخوة المحبوبون بالمسيح،
أيها الزوار المسيحيون الأتقياء
إن الذكرى الكلية الوقار لهامتيّ الرسل ومعلّمَي المسكونة بطرس وبولس قد جمعتنا اليوم في هذا الموضع المقدس في مدينة كفرناحوم لكي بالأناشيد والتسابيح نعيَّد لتذكارهما المقدس.
حقاً قد ظهر هذان الرسلان كوكبي الكنيسة العظيمين،وهذا ما يؤكده مرنم الكنيسة إذ يقول: “لأنهما أشرقا في جلَد الأيمان يتلألأَن أبهى من الشمس نوراً.واقتادا بكرازتهما الأُمم من الجهالة إلى معرفة الله”.

وربما يتساءل أحدٌ ما، ما هي هذه معرفة الله ؟؟ هي تأنس كلمة الله ربنا يسوع المسيح وتجسدُه،والذي يقول عنه بولس الرسول:”شُكْرًا للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ للهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ.(2كور2 :14 -16 ).
إنّ المشاركة والمساهمة الخاصة لهامتّي الرسل ومعلمي المسكونة في الكرازة الرسولية يعود إلى حدث ظهور رائحة معرفة المسيح لهم في كلّ مكان.
وبكلامٍ آخر فإنّ هؤلاء الرسل قد عرفوا شخص المسيح الإله الحقيقي،ليس بجوهره ولكن كما يشرح القديس يوحنا الذهبي الفم قول الرسول بولس قائلاً:”لم يقل بولس الرسول معرفةً ولكن رائحة المعرفة،ولكن هذه المعرفة التي لدينا ليست معرفة كاملة جلية،ولاهي أيضاً سريّة…، فعلى سبيل المثال يستطيع شخصٌ ما أن يشعر برائحة عطرٍ ما، ولكن لا يستطيع فهم وإدراك تركيبة هذا العطر و مكوناته…، فهكذا نحن نشعر ونعلم بوجود الله ولكن لانستطيع الآن وفي هذه الحياة فهم جوهر الله وإدراكه.
فالقديس بطرس الرسول في رسالته للمسيحيين يرجوهم ويحثهم على التقدم في المعرفة الروحية في هذه الحياة “لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا.كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ. ( 2 بط 1: 2 – 3 )
و بكلامٍ آخر أيّها الأخوة المحبوبون إنّ كرازة هامتّي الرسل لا تقتصر فقط على الإيمان بوجود الله ولكنها تذهب إلى أعمق من ذلك وهي بالأخص معرفة الإله الحقيقي في شخص المسيح إذ يقول الإنجيلي يوحنا: “تَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ”.(يو8 : 32 )، وأيضاً “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ”.(يو 14: 6 ) وهذا بحسب القديس كيرلس الإسكندري “بأنّ المسيح قد جاء لكي يمنحنا الحرية الحقيقية ويخلصنا ولهذا جاء المسيح للعالم لكي يقول لنا الحقيقة، “لِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ”.(يو18 :37 )، ويطردُ ويدحضُ كذِب العالم وخداعه ويسحق الشيطان وضلاله الذي يؤلمنا ويعذبنا ويجعل الحقيقة ملكة الجميع،ملكةً في مكانها الطبيعيّ والشرعيّ.
لهذا عينهِ دحضَ هامتا الرسل الضلال والخداع وحارباهما من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى حاربا الشياطين وعبادة الأوثان،مؤكداً هذا مرتل الكنيسة إذ يقول:”لنمتدحنَّ كلنا بطرس وبولس الإلهيّين.هامتي الرسل وكوكبي المسكونة.وكاروزي الايمان والبوقين الصادحين بالإلهيات. ومظهري العقائد وعمودي الكنيسة.وداحضي الضلالة”.
لقد أظهر الروح القدس لهامتي الرسل بطرس وبولس كرازة الخلاص لحقيقة المسيح،فأوضحهما كوكبين نيّرين للمسكونة وعمودين للكنيسة ضاحدين الضلالة.
لهذا خاطب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بطرس الرسول مُطوباً إياه قائلاً له:”أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا”.(متى16 :18)
وأمّا بولس الإناء المختار فقد دعاه بطريقة عجائبية:”فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي”.(أعمال 9 :15-16).
مما سبق نفهم أن شهادة ربنا لهامتي الرسل المختارين يُظهر بشكلٍ واضح بأن كنيستنا لا يجب أن تُعْتَبر أوتُفهم بأنها منظمة دينية أو مؤسسة اجتماعية أو نشاط خيري ولكن مكان وموضع مقدّس لمجد الله.
لهذا فنحن مدعوون لكي نصيرَ مُشاركينَ ومساهمينَ في تجلي إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور، فإننا في كنيستنا التي على الأرض ومن خلال سر الشكر الإلهيّ (أي في القداس الإلهيّ) نَنظُرُ ونَلمسُ جسدَ إلهنا المسيح إذن فالكنيسة هي مكان القداسة الذي يقول عنه القديس بولس الرسول: “اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ” (عبرا 12: 14).
وبشكل توضيحي أكثر علينا أن نسعى لكي نكون مسالمين ومتسامحين مع الجميع، ونسعى للقداسة، وطهارة القلب من كلّ هوى لأنّه بدون القداسة لا يستطيع أحدٌ أن يرى الرب .
نتضرع إلى مُخلصنا المسيح الذي وهب الكنيسة هؤلاء الرسل العِظام،هاتفين مع المرتل وقائلين: “السلام عليكما يا بطرس وبولس يا قاعدتي العقائد الإلهيّة الراسختين.فيا صديقيّ المسيح الإناءَين الكريمَين احضرا بيننا حضوراً غير منظور.وامنحا المواهب غير الهيوليّة للذين يمتدحون عيدكما بالأناشيد. آمين

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية