1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد السامرية في مدينة نابلس14-5-2017

اليوم السماء والأرض يجذلنَ مبتهجات لأن المسيح ظهرَ متجسداً كإنسانٍ لكي ما ينقذ آدم وكل ذريتهِ من اللعنة لما أقبل إلى السامرة أظهرَ عجباً من العجائب، لأن الذي يغشي السحاب بالمياه وقفَ طالباً ماءً من امرأةٍ فلذلك يا جميع المؤمنين نسجد لمن آثَرَ بتحننهِ أن يتمسكن طوعاً من أجلنا. هذا ما يصدحُ بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

إن الروح القدس عنصر الحياة، روح ربنا يسوع المسيح قد جمعنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس عند بئر يعقوب رئيس الآباء، لكي نحتفلُ من جهةٍ بعيدِ المرأة السامرية ومن جهةٍ أخرى لحدث ظهور المسيح متجسداً كإنسانٍ لكي ما ينقذ آدم(القديم) وكل ذريتهِ من اللعنة كما يقول المرنم.

حقاً إن ابن الله الذي” ظهر متجسداً كإنسانٍ” عند بئر يعقوب وخاطب المرأة السامرية التي قالت للمسيح:” أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ (يو4: 25) فقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا(مَسِيَّا)الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ (يو4 :26).

ويُفسِّرُ القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً:” لماذا اعترف المسيح امام المرأة السامرية بأنهُ المسيح؟ فيجيب القديس قائلاً، وذلك” لأن المرأة كانت غير منحازة وذات تفكير وضمير عادل … وقد سمعت وآمنت ودعت آخرين أيضًا إلى الإيمان.

وبكلامٍ آخر إن المرأة السامرية لم ترَ الربَ من قبل ولم تعُطى لها الفرصة أن تسمعَ تعاليمهَ أو أن ترى عجائبهُ والتي لو كانت قد رأتها فإنها كانت حتماً ستقنعها بأن من يتكلم معها هو المسيح. وهذا يعني أن المسيح كان قريباً جداً من المرأة السامرية عندما طلبت هي معرفتهُ كما يقول المرنم:” يارب لقد منحت مياه معرفة قدرتك للسامرية الملتمسة، لذلك لم تعطش إلى الأبد مسبحةً عزَّتك.

إن “معرفة القدرة” أي قوة المسيح قد جعلت المرأة السامرية ليست مبشرةً ومعادلةً للرسل فقط بل شهيدةً أيضاً للإيمان الحيَّ الحقيقي. لهذا أدركت المرأة السامرية بأنهُ “هُوَ الْمَسِيحُ “ (يو 4: 29) أي المَسِيَّا المنتظر، لهذا فقد أنار المسيحُ ذهنها وإدراكها لكي تفهم أن:” اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا”(يو4 :24).

وهذا يعني أن الله غير محصورٍ في مكانٍ أو زمانٍ وهذا لأنّهُ روحٌ، فالروح القدس كاَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ (يو3: 7) لهذا فإن القديس بولس الرسول يوصي قائلاً:” لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى .لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ. (عبر 12: 28) وهذا يعني بما أننا قد حصلنا من خلال إيماننا بالمسيح على الملكوت الذي لا يتزعزع أبداً بل يبقى إلى الدهر، لهذا فإن الملكوت هو ذلك الذي أسَسَهُ المسيح من خلال كنيسته لهذا فلنقدِّم لله الشكر. فبالعرفان والامتنان الذي سيظهر من خلال الشكر هذا، فلنعبد الله إذن عبادةً مرضيةً باحترامٍ وتقوى لهذا يجب بخوفٍ وورعٍ أنّ نعبدهُ لأن إلهنا نار آكلة يحرق ويبيدُ كلَّ إثمٍ ودنسٍ.

لقد حصلت المرأة السامرية على هذا الملكوت الذي لا يتزعزع وهي الآن في السماء تقدِمُ لله عبادةً مرضيةً بورعٍ وتقوى كما كانت تقدم له هنا على الأرض، لهذا فإن المرأة السامرية لم تؤمن بالمسيح فحسب بل طلبت أيضاً أن تشربَ من ماء الحياة الروحيّ والذي قال عنهُ المسيح:” مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. (يو 4 :14). إن هذا الماء المتحول ليس هو إلا المعرفة الحقيقية والكاملة لله والتي تُكرِزُ و ُبشِرُ بها دوماً كنيستنا المقدسة.

ويشيرُ القديس بولس، رسول الأمم، إلى غرور وكبرياء أولئك الذين يرفضون الإيمان بالإله الحقيقي قائلاً:” لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ .مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءً.” (رو 1 :28-29)

وبكلام آخر إن أولئك الذين رفضوا ولم يريدوا أن يحوزوا على المعرفة الكاملة للإله الحقيقي، فقد تركهم الله (بحسب إرادتهم) وأُسْلِموا إلى ذهنٍ مريضٍ غير قادر أن يميز ما هو الحقيقي والقويم فكانت النتيجة أن يصنعوا أعمالاً غير لائقة وغير أخلاقية.

أما نحن يا إخوتي الأحبة آكلين جسد ربنا يسوع المسيح وشاربين من جنبه الطاهر دمه الكريم مدعوين أن نسلك في حياة الروح القدس الجديدة كما يوصينا مرتل الكنيسة: لنطهّرَنَّ غوامض الأفكار ونضيءَ مصابيح نفوسنا لنشاهد المسيح حياتنا كيف بادر إلى الهيكل بجسامة صلاحهِ

لكي ما يفضح العدو ويخلّص جنسنا بآلامِه وصلبهِ وقيامتِه فلنضرع إليهِ صارخين أيها الرب المحتجز إدراكهُ المجد لك.

إن كنيستنا الأرثوذكسية يا إخوتي الأحبة تعرض لنا قديسيها وبالأخص من نُعيد لها اليوم القديسة المرأة السامرية والتي تَسمّت من قبل المسيح (فوتيني) والتي تسربلت إكليل الشهادة جراء توبتها وإيمانها وجهادها الروحي وانتصارها في التجارب ضد الخطيئة على عهد الإمبراطور الروماني نيرون وقد شابهها وتمثل بفضائل القديسة فوتونيه القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس الذي سار على خطى كرازتها وبشارتها الرسولية للنور إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات الذي لا يعروه مساء.

مُمجدين أيها الإخوة الأحبة المسيح إلهنا الذي ظهر إنساناً متجسداً من العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم ومع المرتل نهتف قائلين: أيها الرب بما أنك ينبوع الحياة لقد منحتَ ماءَ الصفح والحياة والمعرفة قديماً للامرأة السامرية لمّا سأَلتْك فلذلك نقدم تسبيحاً لرأفتك التي لا تُوصَف. آمين

المسيح قام