1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد رفع الصليب الكريم المحيي في دير المصلبة 1-10-2017

لقد أشرق اليوم صليبك الكريم أيها المسيح منصوباً في مكان الجلجلة المجيد. يسطعُ لامعاً مثل الشمس النيّرة. وبارتفاعه على جبلك المقدس يدلُّ دلالةً واضحة على أنَّك بهِ قد رفعت طبيعتنا إلى السماوات لمحبّتك للبشر أيها المخلص القدير. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

قمنا في هذا المكان والموضع المقدس اليوم بتتميم سر الشكر بمناسبة رفع الصليب الكريم في هذه الكنيسة المقدسة والتي بحسب التقليد: أن لوط ابن أخ رئيس الآباء إبراهيم قد قام بزرع ثلاثة أغصان مشتعلة وتلك الأغصان هي: الصنوبر، السرو والأرز زُرعت في هذا الموقع وسُقيت من لوط من مياه نهر الأردن ومن هذه الشجرات الثلاث صارت شجرة واحدة اقتطع منها غُصنٌ واحد لخشبة الصليب المقدس الذي صلب عليها مخلصنا المسيح على الجلجلة.

وفي هذا الدير التاريخي الذي يحمل اسم الصليب قد تممنا التذكار السنوي والذي يشكل امتداداً للعيد العظيم والذي حدث قبل أيامٍ في المكان الكلي الوقار حيث موضع الجمجمة أي مكان الصلب حيث الجلجلة الرهيبة.

إن كنيسة آوروشليم المقدسة هي شاهدة أمينة وصادقة على الأماكن المقدسة وتمجد دوماً الله الواحد المثلث الأقانيم وذلك من خلال الصليب لأن السماويين قد أنبأوا للبشر بهذا المجد كما يقول مرنم الكنيسة: لقد سبقت أصوات الأنبياء فأنبأتَ بالعود المقدَّس. الذي به أُعتق آدم من لعنة الموت القديمة. أما الخليقة فبرفعِه اليوم ترفع أصواتها مستمدةً من لدن الله الرحمة الغنية. فيا أيها السيد يا من وحدهُ لا تُحدُّ مراحمه كُن عطوفاً علينا وخلّص نفوسنا.

بكلام آخر ليس فقط آدم القديم قد تحرر من بلى الموت والفساد بل إن المسكونة قاطبةً مدعوة لأن تأخذ الحرية الممجدة التي لأبناء الله كما يعلم القديس بولس الرسول قائلاً: لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. (رومية 8: 21)

إن إيجاد الصليب الكريم من القديسة المغبوطة هيلانة ورفعه على يد بطريرك آوروشليم مكاريوس يشكلان حدثان تاريخيان عالميان وذلك لأن هذا الحدث يختص في طبيعة البشر عامة مسيحيين أو غير مسيحيين مؤمنين أو غير مؤمنين.

إن صليب المسيح هو رمز التضحية الكبرى للبار أي ابن الإنسان وذلك لأنه يجسد التواضع الأقصى من جهة ولقوة التوبة والمغفرة من جهة أخرى وذلك لأنه عندما كان المسيح على الصليب صرخ قائلاً: يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ. (لوقا 23: 34)

وبكلام آخر إن سر الصليب يؤكد ويختم على سر التدبير الإلهي الذي لا يوصف والذي هو خلاص العالم أجمع في المسيح. وعلاوة على ذلك فإن رفع الصليب يُظهر انتصار تضحية ومحبة المسيح الحقيقية وتُظهر جسد المسيح السري أي الكنيسة.

فها إن القديس بولس الرسول الذي اختُطفَ إلى الفردوس إلى السماء الثالثة في الفردوس وسمع الأقوال الإلهية التي لا توصف ورأى ما لم تراه عينٌ يكتب في رسالته إلى أهل غلاطية: وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ (غلاطية 14:6)

وبتوضيح أكثر أي إن القديس بولس الرسول يقول: إن افتخاري هو بإيماني بموت الرب على الصليب والذي به أمات الموت وأفقد العالم قوته لي وأنا أيضاً قد مات العالم بالنسبة لي.

ويقول القديس يوحنا الدمشقي إن كل عجيبة قد صنعها المسيح وكل عملٍ قد فعله هو عظيم وجدير بكل مديح ولكن ما هو أعجب من الكل هو صليب الرب الكريم وذلك لأنه فقط بالصليب قد أُلغي الموت وحُلت رباطات الخطيئة الجديّة. بالصليب فقط قد مُنحت القيامة وفُتحت أبواب الفردوس بصليب ربنا يسوع المسيح. فيقول بولس الرسول: أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ. (رومية 6: 3) لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلاطية 3: 27) وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ. (1كور 1: 24)

لهذا أيها الإخوة الأحبة إننا نكرم ونسجد لصليب المسيح بشكل خاص ونمجد في نفس الوقت قيامته المجيدة في الموضع الذي قامت فيه قدماه كما يقول داود النبي لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ. (مزمور 131: 7) فإن داود يذكر الصليب مُظهراً ما سيلحق الصليب والتي هي قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ (مزمور 131: 8) لأن بعد الصليب قد أتت القيامة كما يفسر القديس يوحنا الدمشقي.

فنحن اليوم لدى معاينتنا خشبة الصليب مرفوعةً لنقدمنّ التعظيم للإله الذي صُلب عليها بالجسد لفرط صلاحه. ونهتف مع المرتل قائلين: لقد تمّ يا الله ما فاه به نبيُّك موسى قائلاً ستعاينون حياتكم معلَّقةً تجاه أعينكم. فإن الصليب اليوم يُرفع فيُعتَق العالم من الضلالة. اليوم تتجدد قيامة المسيح فتبتهج أقطار الأرض متهللةً. وتسبحك بصنوجٍ داودية قائلةً لقد صنعت يا الله خلاصاً في وسط الأرض. هو الصليب والقيامة اللذان خلّصتنا بهما أيها الصالح المحبُّ البشر فيا أيها الرب القدير المجد لك.