1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة الرينة 8-10-2017

وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فتَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِح كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. (2كور 9: 8-9) هذا ما يكرز به الحكيم الرسول بولس.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون والزوار الأتقياء،

رفعنا المجد والشكر لإلهنا الواحد المثلث الأقانيم الذي قاد خطانا اليوم إلى مدينتكم التاريخية لكي نصبح مساهمين ومشاركين في مائدة جسد ودم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح المقدسة شاكرينَ إياه في هذا القداس الإلهي الاحتفالي في كنيسة القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس.

يحث القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس الإخوة المسيحيين هناك أن يكون لديهم دوماً الرغبة والاستعداد لتقديم الإحسانات بنخوةٍ وحماسة لكي يكون لديهم من جهة نعمة الله ومن جهة ثانية أن يفعلوا ويزدادوا في كل عمل صالحٍ وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ (2كور 9:8) لكي يَبْقَى بِرُّهُ إِلَى الأَبَدِ (2كور 9:9)

حقاً إن بر الله يبقى إلى الأبد لأننا نحن الذين نحمل اسم المسيح قد لبسنا المسيح عند المعمودية المقدسة فالتحف بنا نور المسيحِ كرداءٍ إذ يقول الرب “أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاة”ِ. (يوحنا 8: 12)

وبحسب القديس يوحنا الذهبي الفم فإن القديس بولس الرسول يعني بالبر فضيلة عمل الخير ومحبة الناس، فيُسمي البرّ “محبة الناس” وحسناً يقول وذلك لأن “محبة الناس” تحرق كالنار الخطايا ومن الجدير بالذكر بأن البر الذي نحن مدعوون أن نتممه وننجزه خلال حياتنا الأرضية هو الحياة في المسيح أي أن نحفظ وصايا إنجيل المسيح كما يكرز بولس الحكيم قائلاً: فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. (أفسس 6: 14-15)

وبتوضيح أكثر: اثبتوا في الجهاد بما أنكم شددتم وسطكم بمنطقةٍ على أحقاءكم وهذه المنطقة هي الحق وذلك لكي ينبع النور من الحق ويعطيكم قوةً روحية ورشاقةً. وأن تلبسوا درعاً آخراً وهو البر حتى تكونوا محَصنين من كل السهام القاتلة ومن رماح الظلم. وألا ترتكبوا أي عمل ظلمٍ تجاه القريب وأن تحذوا في أرجلكم الروحية الاستعداد والرغبة التي تعطي النفس حفظ الإنجيل وتمنح السلام.
وأما بحسب النبي داود فإن بر الله ورحمته ستبقى إلى جيل الأجيال لأولئك الذين يحفظون شريعته ويتذكرون وصاياه لكي يصيروا على شبهه “أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ، لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا”. (مزمور 103: 17-18)

وعدى عن هذا فإن قديسي الكنيسة يشكلوّن منارتنا الروحية الذين يُرشدوننا في الصعوبات وضغوطات الحياة ومشقاتها في بحر هذا الدهر الحاضر. إذ أن كنيستنا التي هي جسد المسيح السري تشكل الميناء الآمن لخلاص نفوسنا إذ يقول الرب” مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟”. (متى 16: 26)

لهذا فإن الرسل القديسين الذين اختارهم المسيح من أجل البشارة لخلاص نفوس البشر كما ذٌكر بوضوحٍ لنا اليوم في فصل الإنجيل لوقا البشير “فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لاَ تَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ صَائِدَاً للنَّاسَ!» (لوقا 5: 10) أي لا تخف من الآن فصاعداً، إني أدعوك لكي تكون رسولاً لي. ستلبثُ صياداً ليس للسمك بل للبشر عبرَ كرازتك وبشارتك ستقودهم لخلاص نفوسهم وهذا يعني أن رسالة الكنيسة هي من أجل تغيير الناس والعالم تَغيرُاً ليس ظاهرياً أو شكلياً بل تَغيرُاً داخلياً وجوهرياً في المسيح يسوع الذي انتصر بصلبه وقيامته على الموت والفساد والخطيئة. قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ. (يوحنا 16: 33)

ولا يُخفي القديس بولس الرسول ألمه وخوفه على أبنائه الروحيين الذين أعاد ولادتهم بالروح حتى يتصور المسيح في داخلهم “يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ”. (غلا 4: 19)

وعلى العكس تماماً إن الذين يدّعون بأن كنيسة المسيح عليها أن تتغير وتتماشى مع إرادة هذا العالم والبشر هم ليسوا إلا أولئك الذين سبقَ فأنبأ عنهم بولس الحكيم قائلاً:” وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ. (2تيم 3: 1-5)

وتعرض لنا كنيستنا المقدسة أيها الإخوة الأحبة مثالاً للذين تغيروا في المسيح وهي من نُعيّد لها اليوم وهي أمُنا البارة إفروسيني التي ازدرت بمباهج هذا العالم فتبتهج الآن في السماوات مع القديسين تتشفع من أجلنا عند رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. (عب 12: 2) الذي له كل مجدٍ وإكرامٍ وسجود إلى دهر الداهرين.

آمين
كل عام وأنتم بألف خير