1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس ثيوذوسيوس (عطاالله) رئيس الأديار24-1-2018

لقد ماثلت المسيح الذي طأطأَ هامتهُ للسابق في الطاعة والتواضع الحميد أيها الأب ثيوذوسيوس . فارتقيت نحو برج الفضائل الراسخ. هذا ما يتفوه بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إن من كان إنساناً بالطبيعة وساكناً مع الملائكة قد جمعنا اليوم في هذا الدير الذي يحمل اسم أبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديرة ومعلم الصحراء، لكي نُعيّد في هذا المكان حيث موضع نسكه ومكان قبره، محتفلين بتذكاره المقدس.

يتميز البار ثيوذوسيوس في النسك والسيرة الرهبانية لطاعته التامة وتواضعه مقتدياً بذلك بإلهنا ومخلصنا وربنا يسوع المسيح.

إن فضائل القديس ثيوذوسيوس التي ماثل بها المسيح قد جعلت منهُ ليس فقط برجاً راسخاً بل عجائبياً أيضاً كما يؤكد بذلك كاتب سيرته الذي يصف عجائبه التي لاتحد. ومن الجدير بالذكر أن القديس البار سمعان العامودي هو الذي أشار لأبينا البار ثيوذوسيوس بأن يسلك في الحياة الملائكية في المسيح.

إن سيرة وحياة الآباء والنساك العظام في المسيح مثل أبينا البار ثيوذوسيوس تشكل استمراريةً وامتداداً للتاريخ المقدس في العالم الذي هو سر التدبير الإلهي الذي كرزَ وبشر به بالروح الأنبياء والرسل المتوشحين بالله والإنجيليين. وبكلامٍ آخر إن عدم فساد الجنس البشري في المسيح وذلك من خلال قيامة المسيح قد كان دوماً محط تَوَقٍّ وحنينٍ لجميع القديسين ولاسيما نساك الصحراء الذين يتطايرون دوماً بالعشق الإلهي وذلك من خلال التغيير في آدم الجديد الذي هو المسيح أي بالأحرى التأله كما يقول القديس ايسيذوروس.، “بأن الرب يغير ويحول الأشياء نحو سيرة وحياة السماء”

إن هذا التغيير الإلهي أي أن نسكن السماء قد فاز وحصل عليها أبينا البار ثيوذوسيوس والتي ما تزال هامته المقدسة غير البالية محفوظة إلى يومنا هذا شاهدةً صادقةً على صحة إيمان كنيستنا المقدسة في قيامة مخلصنا المسيح وهذا يؤكده ويبينه بشكل واضح لاريب فيه كاتب تسابيح البار ثيوذوسيوس الذي يصف بدقةٍ أحداث موت وقيامة باسيليوس تلميذ أبينا البار ثيوذوسيوس :إذ يقول لقد مثَّل تلميذك باسيليوس الشهير موت المسيح الطوعيّ أيها الأب ثيوذوسيوس. فدشَّن بك القبر الجديد.

إن هذا مجرد غيضٌ من فيضِ العجائب التي اجترحها القديس ثيوذوسيوس وهو يحيا في الجسد كما يؤكد بذلك كاتب السنكسار إذ يقول: فعندما وصل طالب الرهبنة إلى آوروشليم أخذ يتمرس على الحياة النسكية على يد كبار آباء الصحراء وإذ كان يواظب على الطاعة والإمساك كان يأكل مرة واحدة في الأسبوع ولم يذق الخبز طيلة ثلاثين عاماً وكان دائم التأمل بأحكام الله. حتى وصل إلى علو وسمو الفضائل في المسيح وصُنع العجائب.

إن لدى القديس ثيوذوسيوس مكانةً مميزةً بين رهبان الصحراء وذلك لأن القديس صار شهيداً وذبيحةً غير دموية لسر التقوى شاهداً صادقاً على صحة إيماننا الأرثوذكسي العظيم. وقد علم بدالة مذيعاً بجهارة بأن للمسيح مخلصنا إلهنا المتجسد مشيئتين وفعلين وهذا ما كان يرفضهُ الهراطقة أتباع نسطوريوس، ولنسمع ما يقوله المرنم بهذا الصدد إذ يقول: إننا نتذكر تعاليمك يا ثيوذوسيوس. فنكرز بالمسيح ذا جوهرين ونعتقد بمشيئتين وطبيعتين وفعلين وسلطتين مستقلتين في الإله الذي اعتمد بالجسد.

بكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن أبينا البار ثيوذوسيوس قد استبان ليس معلماً للصحراء فقط بل معلماً وراعياً للكنيسة التي من أجلها اعتمد المسيح طوعاً بالجسد في مجاري نهر الأردن من النبي الكريم السابق المجيد يوحنا المعمدان وصلب بالجسد على موضع الجلجلة.

تفرح وتبتهج كنيسة المسيح المقدسة ولاسيما أخوية القبر المقدس على هذا الاحتفال البهيج وذلك لأن أعياد الكنيسة المقدسة هي على مثال الفرح العلوي ونعني بمثال الفرح العلوي الذي للكنيسة التي في السماوات المحتفلة الآن هي بالعيد بحسب الآباء المتوشحين بالله.

إن هذا الفرح الذي يشكل تذوقاً مسبقاً للفرح الأبدي الذي في ملكوت السماوات قد صار فيه أبينا البار ثيوذوسيوس مشاركاً وهو يدعونا اليوم نحن مكرميه جميعاً في تذكاره المقدس لكي نصير نحن أيضاً مشاركين ومستحقين للمسيح الإله الذي أتى لخلاص العالم كله عند مغادرتنا للعالم.

قد صار مشاركٌ ومساهمٌ لهذا الفرح الدهري والأبدي أيضاً آبائنا الأبرار غرس الصحراء وزملاء أبينا البار ثيوذوسيوس أمثال إفثيميوس الكبير وسابا المتقدس ويوحنا وجوارجيوس الخوزيفي وثيوكتيستوس ومرتيريوس مع جراسيموس الأردني ويوحنا الخوزيفي الجديد.

إن هؤلاء الذين أصبحوا شهداء الضمير والمبشرين في المسيح إلهنا لم يخرجوا من الصحراء حيث كان يكرز يوحنا المعمدان بالتوبة بل خرجوا من أحواض معمودية الكنيسة ووُلدوا منها بالروح القدس ثم تجنسوا وأصبحوا ساكني ومستوطني الصحراء لربنا ومخلصنا يسوع المسيح يحفظون ويعملون بوصاياه.

إن هذا الميراث والكنز الروحي المقدس للقديس يوحنا المعمدان ومن اقتدى وماثله أي الآباء القديسين المتوشحين بالله مواطني الصحراء، قد حافظت عليه حتى الآن أخوية القبر المقدس الأجلاء، هذه الأخوية التي ظهر منها جماً وكماًّ غفيراً من شهداء محبة المسيح في الماضي وفي عصرنا الحالي، ولهذا فإننا نذيعُ بجهارةٍ إن كنيسة المسيح أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (متى 16: 18)

ختاماً نتضرع إلى أبينا البار ثيوذوسيوس لكي بتوسلاته وتضرعات سيدتنا المجيدة الفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم بما لهم من الدالة نحو المسيح إلهنا أن يرحم نفوسنا وأن يحلّ السلام في منطقتنا وفي العالم أجمع. وختاماً مع المرتل نهتف ونقول: لا تنسَ الآن رعيّتك يا ثيوذوسيوس الكليُّ الغبطة بل نطلب إليك أن تخلصنا بشفاعاتك إلى الرب.