1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الفصح المجيد 8-4-2018

ثيوفيلوسُ الثالثُ

برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ

وسائرِ أعمالِ فلسطينَ

إلى أبناء الكنيسةِ أجمعين، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ

قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ.

لقد قامَ المسيحُ منْ بينِ الأمواتِ، وحلّنا منْ قيودِ الموت، فاستبشِري يا أرضُ بالفرحِ العظيمِ وسبّحي يا سماءُ مجدَ الله. (اينوس القيامة اللحن السابع)
إنَّ يسوعَ المسيح الناصريّ، كلمةُ الله، الابنُ الوحيد، والذي تجسدَ منَ الروحِ القدس، ووُلِدَ منَ العذراءِ مريم بالجسدِ في بيتَ لحم، على عهدِ أُغسطس قيصرُ،خالطَ الناسَ و أحسنَ إليهِم و كرّزَ بالتوبةِ و بمجيءِ ملكوت اللهِ على الأرضِ وصنعَ المحبةَ ناموساً للحياة، محبةً تشملُ الأعداءَ، وأيضاً شفى يسوعُ المسيح المرضى وأقامَ الأمواتَ وارتضى الصلبَ طوعاً على عهدِ بيلاطسَ البنطيِّ في أوروشليم، وأهرقَ دَمَهُ الطاهرِ منْ أجلِ غفرانِ خطايانا، وماتَ على الصليبِ كإنسانٍ ودُفن َفي موضعٍ قريبٍ منَ الجلجلةِ فِي قَبْرٍ جَدِيدٍ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ.(يو19 :41 ) وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ (متى 27 :66 ) وأما “أولاد الذين نجوا” فقد كانوا يعتقدون أن هذه هي نهايتُهُ.

ولكنْ كانتْ مشيئةُ اللهِ غيرَ ذلك تماماً بوساطةِ ابنهِ لأجلِ خلاصِ جنسِ البشرِ ،فبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، أتت النسوة حاملات الطيب إلى القبر مع حَنُوطٍ أْتَينَ ليَدْهَنَّ جسد الرب (مر 16: 1) فرأينَ مشهداً بهيّاً عجائبياً. حيث وجدن الحجر مدحرجاً عن باب القبر، ورأين ملاكاً داخل القبر القابل الحياة هاتفاً نحوهن: أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فيه”(مر 16: 6).

لقد كانت قيامةُ ابنهِ بتدبيرٍ منَ اللهِ المحبِّ البشرِ للإنسان، فقد تألمَ المسيحُ المنزهُ عنِ الآلامِ طوعاًوماتَ على الصليبِ من أجلِنا كإنسانٍ، وقامَ منَ القبرِ كإلهٍ متأنِّسٍ إذ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ (لو24: 26). إن مجدَه هوَ في تواضعِهِ بصليبهِ. لأنه بالصليبِ قد أتى الفرحُ لكلِّ العالم. على صليبِ المسيحِ هُزِمت مملكةُ الشيطانِ قاتلِ الإنسان، إذ ليس له سلطانٌ على المسيح، فالمسيح داسَ الموتَ بالموت. وابتلعَ الموتَ إلى النهايةِ. إذ انحدرَ المسيحُ بالصليبِ إلى الجحيمِ وقامَ وأقامَ معه المجبولَيْنَ الأولَيْنَ أي آدمَ وحواء ونسلَهم وأخذَهُم معه إلى الفردوس، هذا الفردوس الذي استحقَ اللصُّ المعترفُ المتكلمُ باللاهوتِ أن يدخُلَهُ عبرَ توبتِهِ في نفسِ اليوم.

إنَّ إعلانَ القيامةِ الملائكيِّ المبهجِ قد أكّده الربُّ القائمُ من بين الأمواتِ عبرَ ظهوراتٍ كثيرةٍ، فقد تراءى للنسوةِ حاملاتِ الطيبِ ثم ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ.وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، بَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ (1 كو 15: 6-7) وخاطبَهُم بجسدِهِ الطاهرِ الذي أصبحَ بعدَ الصلبِ بهيّاً وممجداً وأَرَاهُمْ يَدَيهِ وَرِجْلَيّهِ مؤكداً لهم أنه ليس روحاً لأن الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا له هو. وأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ (لو 24: 39 _43) ومنحَهُم سلامَهُ ونفَخَ فيهم وأعطاهُم سلطانَ مغفرةِ الخطايا بقوةِ الروحِ القدس.
بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ أَرَاهُمْ (للرسل) أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا (اع 1: 3) لمدةِ أربعين يوماً بعد قيامته، ثم صعدَ إلى السماواتِ وجلسَ عن يمينِ أبيهِ بجسدِهِ الذي تأنسَ بهِ والذي منْ خلالِ صليبِهِ مَجِّد وأَلِّه طبيعتَنَا البشرية. وكما وعدهم عندما حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ (أعمال 2: 1) أرسلَ للرسلِ من الآبِ معزياً آخرَ روحَ الحقِّ الذي أظهر الرسلَ غزيري الحكمةِ وقد اقتنصَ المسكونةَ بهم.

حقاً لقد اقتنصوا المسكونةَ من جميع أقاصي الأرضِ عبر كرازةِ الرسلِ وتعاليمِهِم المُنارَةِ من الروحِ القدسِ حولَ العملِ الخلاصيِّ ليسوعَ المسيح المتأنِّسِ المصلوبِ والقائمِ من بينِ الأمواتِ وشخصِهِ وتعليمِهِ.

على صخرةِ اعترافِ الرسلِ كما سبق وقال الربُّ، بأنَّهُ سيبني كنيستَهُ عليها (متى 16: 18) إذ ختمَها وثبتَها في العالمِ عبرَ روحِهِ القدوس. ومنذ ذلك فإن الكنيسةَ التي هي جسدُ المسيحِ السريِّ تشكلُ عبرَ العصورِ وإلى جميعِ أقاصي الأرضِ عملَ مصالحةٍ وسلامٍ ملطفةً ومهذبةً أخلاقَ الناسِ وطبائعِهِم ومخلصةً نفوسَهُم وأجسادَهُم.

إن هذا العمل، هو عملُ كنيسةِ المسيحِ الواحدةِ الجامعةِ المقدسةِ الرسوليةِ التي هي أمُّ الكنائسِ التي اقتبلتْ أولاً غفرانَ الخطايا منْ جهةِ القيامةِ في أرضِ النعمةِ هنا. في هذه الأرضِ التي التحفَ فيها مخلصُنا المسيحِ جسداً، ففي ليلةِ عيدِ القيامةِ المجيدِ تصلي الكنيسةُ منَ القبرِ المقدسِ القابلِ للحياةِ من أجلِ سلامِ المسكونةِ والشرقِ الأوسطِ والأرضِ المقدسةِ وتتمنى لرعيتِها في الأرضِ المقدسةِ وفي كل الأرضِ ولكلِّ الذين يكرِّمونَها من الزوارِ الأتقياءِ الصحةَ والقوةَ وكلَّ بركةٍ منَ المسيحِ القائمِ.

المسيح قام

في مدينة أوروشليم المقدسة فصح 2018

مع أدعيتنا وبركاتنا الأبوية

الداعي لكم بحرارةٍ من أعماقِ القلب

ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة أوروشليم