1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد حاملات الطيب ويوسف الصدّيق في مدينة الرملة 22-4-2018

فلتسبحُ الأمم والشعوب المسيح إلهنا الذي احتمل الصلب طوعاً لأجلنا ولبثَ في الجحيم ثلاثة أيام وليسجدوا لقيامتهِ من بين الأموات التي بها استنارت كل أقطار العالم. هذا ما يصرِّحُ بهِ مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

تفرحُ وتبتهجُ مدينتكم العريقة آريماثيا (أي الرملة)، هذه المدينة، التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس لمشاركتها آلام صلبِ وقيامةِ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح المجيدة. وذلك من خلال يوسف ونيقوديموس تلميذيْ المسيح الخفيَّين اللذان كانا مؤمنيْن بهِ، وأصبحوا فيما بعد مذيعينَ بقيامته الثلاثية الأيامِ من بين الأموات.

وهذا ما يؤكد عليه اليوم بوضوح هذا العيدُ الفصحيْ والذي نكرِمُ فيه، في هذا النهار ذكرى النسوةِ حاملاتِ الطيبِ ولا سيما تلميذَيْ المسيح المؤمنين يوسف ونيقوديموس اللذان صارا شاهدين صادقين لدفنهِ ولقيامته كما يشهدُ بذلكَ القديس مرقس الإنجيلي قائلاً: جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ….. فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. (مرقس 15: 43-46)

إنّ يوسف الذي من الرامةِ كانَ مشيراً تقياً متميزاً بأمرين ألا وهما أنهُ كان ينتظر ملكوت الله أي ربنا يسوع المسيح من جهةٍ ومن الجهة الأخرى هو الذي وضعَ “المسيح المصلوب” في قبره الخاص. وهذا القبرُ كانَ منحوتاً في صخرةٍ وقد كان مع يوسف نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا. (يوحنا 19: 39)

إنّ يوسف ونيقوديموس قد عرفا أن المسيح هو ابن الله الكارِزُ والمبشِرُ بملكوت السماوات كما يشهد بذلك الإنجيلي يوحنا “أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ.اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. (يو 3: 5-6)

وبإسهابٍ أكثر أي أن يسوع يقول: حقاً أقول لك يا نيقوديموس إنهُ إنّ لم يوُلدُ أحدٌ روحياً عبر المعموديةِ المقدسة والروح القدس الذي يُفعّل بشكل سريّ غير منظور ويعمل على إعادة ولادة الإنسان، لن يكون بمقدور الإنسان الدخول إلى ملكوت الله.

فكلُّ ما وُلِدَ من الجسدِ جسديٌّ هو. ولا يستطيع أن يدخلَ إلى هذه المملكة الروحية، وأما ذلك الذي يولد من الروح القدس هو ذات كيانٍ ووجودٍ وشخصيةٍ روحية وهذه هي التي ستستمتع وتتلذذ في ملكوت الله الروحي.

وبكلامٍ آخر وبحسب المرتل أيها الإخوة الأحبة، إنّ قيامة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من بين الأموات التي بها استنارت كل أقطار العالم. فالقيامة ليست سوى ملكوت الله، والمدعو أن يدخله كل إنسان. إن قيامة المسيح تعلنُ نصرَ وظفرِ موتِ المسيح على موت الخطيئةِ والفساد، وكما تنشد كنيسةَ المسيح قائلةً: المسيح قام من بين الأموات وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. وأيضاً “لأن الفصح هو فصح الرب وذلك لأن المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء نحن الناشدين له نشيد النصر والظفر” وأيضاً “أيها المسيح الفصح الأجل الأمثل يا حكمة الله وكلمته وقوته أنعم علينا أن نساهمك بأوفر حقيقة في نهار ملكك الذي لا يغرب أبداً.”

إنّ نهار ملكوت الله الذي لا يغربُ هو خلاص الإنسان، ومساهمته في قيامة طبيعة المسيح البشرية المتألهة.

إن المسيح هو الذي رفعنا معهُ بقيامتهِ وألّهَ طبيعتنا البشرية كما يقول حسناً مرتلُ الكنيسة: أيتها البتول إنّ ابنك حطّم عزة الموت كلها بقيامته، وبما أنه إلهٌ مقتدرٌ جداً رفعنا معه وألهّنا فلهذا نسبحه إلى كل الأدهار.

إن هذه الحقيقة التي هي أن المسيح رفعنا معه وألهّنا بقيامته نستطيع نحن المسيحيين أن نحياها وندركها في داخل الكنيسة التي هي جسد المسيح السري في العالم. ونقول هذا لأن ملكوت الله الذي أظهرهُ المسيح على الأرض لا يعتمد مطلقاً على ماذا يأكل الشخص أو ماذا يشرب، بل يعتمد على البر والسلام والوئام مع إخوتنا ومع الناس الذين حولنا ويعتمد على الفرح الذي يمنحهُ الروح القدس، كما يقول القديس بولس الرسول لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ مَنْ خَدَمَ الْمَسِيحَ فِي هذِهِ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ، وَمُزَكُى عِنْدَ النَّاسِ. (رومية 14: 17-18) ويقول في مكان آخر أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. (1كور 15: 50)

ويشرح القديس كيرلس الإسكندري أقوال القديس بولس الرسول هذه قائلاً: إن جسم الإنسان المكوّنِ من لحمٍ ودمٍ هو فانٍ، وقابلٌ للفساد، فلا يستطيع هذا الجسد القابل للفساد أن يرث ملكوت الله، ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم” يقصدُ باللحم والدم لا كيان الجسم بل ما هو مائتٌ وفاسدٌ وكل أثرٍ للخطية عليه بكونهِ جسدنا الفاسد العاجز أن يتمتع بالملكوت الإلهي وهو على هذه الحال “وهذا يعني أنه في داخل الكنيسة وعن طريق مشاركتنا في حياة الكنيسة الأسرارية، أي الأسرار المقدسة والليتورجيا وسر الشكر الإلهي. فقط نستطيعُ نحن أعضاء الكنيسة المؤمنين منذ الآن وفي داخل الكنيسة أن نتذوق مسبقاً وعقلياً ملكوت السماوات من جهةٍ ومن الجهةِ الأخرى نستطيعُ، منذُ الآن أنّ نلبِسَ عدم الفساد وهذا ما

يُبرهن عليه رفات وبقايا القديسين من الرجال والنساء والتي ما زالت رفات قديسي كنيستنا محفوظة وباقيةً إلى اليوم كما يقول المرتل: أيها الشهداء المجاهدون لقد تألمتم عن المسيح إلى الموت فجعلتم نفوسكم بيد الله في السماوات وأما بقاياكم فإنها تُزَيَّح في جميع العالم.

إن قيامة المسيح أيها الإخوة الأحبة هي بداية وافتتاحية ملكوت الله لهذا فنحن مدعوون اليوم من النسوة الحاملات الطيب والقديسَيْن يوسف ونيقوديموس لكي بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم نهتف مع المرنم قائلين: أيتها النفس جددي حواسك بجملتها إلى التأمل في الثاوريا لأن المسيح هكذا يشاء أن تكمل التجديدات.

المسيح قام ….حقاً قام

كل عامٍ وأنتم بألف خير