1

الإحتفال بعيد القديس البار أونوفريوس في البطريركية

فوق تلة صخرية قبالة سلوان في القدس يقع دير القديس اونوفريوس التاريخي الذي يعود بناءه الى القرن الخامس للميلاد ، حيث عاش القديس اونوفريوس المصري الناسك والكهف الذي عاش فيه تحول بعدئذ الى كنيسة وبني فوقها دير تعيش فيه اليوم راهبات ناسكات

 

صباح يوم الإثنين 25 حزيران 2018 أُقيم قداس إحتفالي في هذا الدير التاريخي ترأسه سيادة المطران إيسيخيوس بمناسبة عيد القديس اونوفريوس وهو العيد السنوي للدير يشاركه آباء من أخوية القبر المقدس من كهنة وشمامسة وآباء من مطرانية باترا من الكنيسة اليونانية, بحضور حشد من المصلين من الخارج ومن أبناء الطائفة العربية الأورثوذكسية في القدس.

 

بعد القداس القى سيادة المطران  كلمة غبطة البطريرك في هذه المناسبة, وبعد الانتها ء من الاحتفال أُقيمت صلاة النياحة عن روح مُؤسس الدير الراهب كيرلس وبانية الدير الحديث الراقدة الراهبة سيرافيما, وأعدت رئيسة الدير الراهبة باييسيا مائدة محبة بمناسبة عيد الدير السنوي.

 

القديس اونوفريوس

هو ابن ملك الفرس. إثر ولادته التي حصلت بعد سنين طويلة من الصلاة, تلقّى والده إعلاناً إلهياً أن يعمّده باسم أونوفريوس وإن يقتاده, على الأثر, إلى دير في مصر مكرّساً لخدمة الله. في الطريق, أرضعته ظبية واستمرّت تُرضعه إلى سنّ الثالثة. في هذه الشركة المثالية نشأ الولد على مخافة الله ومحبّة الوصايا كُلَّها. كان يحلم بالاقتداء بإيليا النبي ويوحنا المعمدان. أرشده ملاكه الحارس إلى مغارة كان يعيش فيها ناسك من أصل يهودي اسمه هرمياس. هذا أطلعه, خلال أيّام, على طريقة عيش النساك ثمّ أخذه إلى موضع جهاده, بقرب نخلة وينبوع ماء صافية. مذ ذاك جعل يفتقده مرّة في السنة إلى أن رقد.

 

في هذا المكان خاض القدّيس أونوفوريوس, على امتداد سبعين سنة, حرباً لا هوادة فيها ضدّ الطبيعة وضعف الجسد والشياطين. كابد الحرّ اللاهب وصقيع الليل والشتاء والجوع والأمراض ليحظى بالخيرات الموعود بها من الله للذين يحبّونه.

 

بعد هذه الحياة الملائكية التي عاشها قديس الله, رقد بالرّب بسلام, بعد أن صلّى وتمدّد على الأرض حيث منّ الله عليه بمعرفة ساعة انتقاله. فقد أضاء وجهه وفاح الطيب في المكان. إثر انتقاله, جاء أسدان وحفرا خندقاً لجسده, حيث وضعه فيه كاتب سيرته القدّيس البار بفنوتيوس الذي كان وحيداً مع القدّيس أونوفريوس وعاين ساعة رُقادهِ المهيبة.

 

 

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس 25-6-2018

لقد اقتديت بإيليا بالروح أيها الأب المغبوط أُونوفريوس المتأله اللُّب. فهجرت بلبال العالم. وأنكرت شهوات الجسد، وتوطنت البرّيَّة مسروراً، فارتقيت بنفسك نحو السماء واتخَّذتها وطناً لا محالة. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

 أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إن نعمة الروح القدس التي سكنت في أبينا البار أونوفريوس قد جمعتنا اليوم في حقل الفخاري في هذا المكان والمزار المقدس حيث الدير الذي يحمل اسم أبينا البار أونوفريوس الذي نُعيّدُ له اليوم حيث أتممنا ههنا سر الشكرِ الإلهي أي الذبيحة غير الدموية للإله الواحد المثلث الأقانيم.

إن أبينا البار أونوفريوس الذي ينحدرُ أصله من مصر قد أصبحَ مواطناً لملكوت السماوات ومناجياً للملائكة القديسين. وقد نجح في هذا لأنه كان يسمع عن حياة النساك والقديسين الأنبياء ولاسيما القديس إيليا النبي الغيور والقديس يوحنا المعمدان فأصبح أبينا البار أونوفريوس مقتدياً بهم. فغاص إلى أعماق الصحراء حيثُ نسك ستينَ عاماً لم يرَ ولم يخاطب فيها إنساناً.

من خلال مغادرة أبينا البار أونوفريوس إلى أعماق الصحراء قد فصل نفسهُ عن بلبال العالم من جهةٍ ومن الجهة الأخرى تنّكر لكل ملذات وشهوات الجسد. سامعاً لما قاله القديس بولس الرسول:”إنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ. (رو 8 :6)

لقد كان جهاد أبينا البار أونوفريوس كبيراً ومُضنياً في الصحراء المقفرة لهذا فقد ارتقى بنفسه نحو السماء واتخَّذها وطناً لا محالة كما يقول المرنم. وقد أحرز أبينا البار أونوفريوس هذا لأنه مُصغياً ومُلْهَماً من أقوال القديس بولس الرسول والنبي داود. فإن القديس بولس الرسول يقول:” فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. (رو 8: 18) وبتوضيحٍ أكثر أنه لا ينبغي أن يكون لدينا أي انطباع سيء عندما نتحمل الأحزان والاضطهادات لأنه لو فكرنا منطقياً ولو قليلاً لوجدنا أنه لا قيمة لما نعاني ونتحمل في هذا الزمان من التجارب والاضطهادات والأحزان مقارنةً مع المجد الذي سيعلن لنا ويُعطى إلينا. ويرنم النبي داوود قائلاً:” الإنْسَانُ مِثْلُ الْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهَرِ الْحَقْلِ كَذلِكَ يُزْهِرُ. لأَنَّ رِيحًا تَعْبُرُ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَوْضِعُهُ بَعْدُ. (مز 102 15-16). إن النبي داوود يقول بأن أيام الإنسان هي مثل العشب سريعُ الزوال كعشب الحقل يُزهِرُ قليلاً. وإذا هبت عليه الرياح القوية فإنها تفنيهِ ويختفي الزهر ولا يكون له أثر ولا يُعرف لهُ موضعٌ من بعد، كذلك الانسان يذهبُ ويغادر ولا يعود ويُنْسى.

 أيها الإخوة الأحبة إن كنيستنا المقدسة أي أعضاءُ جسدها المؤمنين يفرحون اليوم ويبتهجون في تذكار عيد أبينا البار أونوفريوس وهذا لأن أبينا البار قد اقتبل من السماء المواهب التي تسمو على طور العقل فمنح الراغبين من مناقب نسكه عن حسن عبادةٍ”

وربما يتساءل أحدٌ ما هي مناقب نسك أبينا البار أونوفريوس؟ وهو أن البار قد صار إناءً لنعمة الروح القدس، وأصبح ابن الله كما يكرز الحكيم القديس بولس الرسول قائلاً: لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ (رو 8: 14). أي أن أولئك الذين يحكمهم روح الله هم أبناء الله.

 

وبكلام آخر إن روح الله هو الذي يجب أن يوجّه أعمالنا وحياتنا كما يقول القديس إيكومينيوس إذ أن روح الله يجب أن يكون مرشداً وقائداً لحياتنا كما يؤكد هذا أيضاً أب الكنيسة القديس ثيوذوريتوس كيرو إذ يقول أن الروح الرئاسيّ هو الروح، الذهن أو العقل الذي يرأس ويقود ويتزعم ويساعد الانسان لكي يتخلص من أهوائهِ ومن ضعفاتهِ ويرشده إلى حيثُ روح الله اي روح الرب حيث الحرية كما يعلم القديس بولس الرسول وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ (2كو3 :17).وهذه الحرية حيث روح الرب أي روح الهنا ومخلصنا يسوع المسيح قد أصبح مساهماً ومشاركاً فيها أبينا البار أونوفريوس.

إن شخصية ناسك البرية أبينا البار أونوفريوس المصري هي شخصية متميزة بين قديسي وأبرار كنيستنا فهي لا تُشكل فقط نموذجاً يُحتذى به بل هي شخصية تحثنا جميعنا نحن المؤمنون ولاسيما الذين يكرمونه أن يحترزوا من رُوحَ الضَّلاَلِ (1يوحنا 4: 6) والذي للأسف هذا الروح يُسيطر على عقول وقلوب الكثيرين من إخوتنا المسيحيين كما يُكرز القديس يهوذا قائلاً: فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: «إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ». هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ.وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. (يهوذا 18-21)

ختاماً نتضرع إلى أبينا البار أونوفريوس والقديس البار بطرس الآثوسي الذي يٌعيد معه اليوم ووالدة الإله الكلمة الدائمة البتولية مريم لكي بشفاعاتهم يشفي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أهوائنا ونفوسنا.    

آمين