1

ألإحتفال بعيد النبي أيليا التسبيتي (مار الياس) في البطريركية

إحتفلت البطريركية الاورشليمية يوم الخميس 2 آب 2018 بعيد النبي ايليا واقيمت خدمة القداس الالهي بهذه المناسبة في دير النبي ايليا الواقع على الطريق ما بين القدس وبيت لحم.
هذه الكنيسة القديمة مبنية في المكان الذي هرب اليه النبي ايليا من وجه الملك آخاب وزوجته ايزابيل اللذان ارادا ان يقتلانه بعدما سمع الله صلاته وتحدا ايليا انباء البعل وانزل ناراً من السماء واكلت ذبيحة التقدمة التي قدمها على جبل الكرمل.

“وأخبر أخآب إيزابل بكل ما عمل إيليا، وكيف أنه قتل جميع الأنبياء بالسيف
فأرسلت إيزابل رسولا إلى إيليا تقول: هكذا تفعل الآلهة وهكذا تزيد، إن لم أجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غدا
فلما رأى ذلك قام ومضى لأجل نفسه، وأتى إلى بئر سبع التي ليهوذا وترك غلامه هناك
ثم سار في البرية مسيرة يوم، حتى أتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه، وقال: قد كفى الآن يارب. خذ نفسي لأنني لست خيرا من آبائي
واضطجع ونام تحت الرتمة. وإذا بملاك قد مسه وقال: قم وكل فتطلع وإذا كعكة رضف وكوز ماء عند رأسه، فأكل وشرب ثم رجع فاضطجع
ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسه وقال: قم وكل، لأن المسافة كثيرة عليك
فقام وأكل وشرب، وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهارا وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب .ودخل هناك المغارة وبات فيها. وكان كلام الرب إليه يقول: ما لك ههنا يا إيليا”
(سفر الملوك الاول اللاصحاح التاسع عشر)

ترأس خدمة صلاة غروب العيد سيادة رئيس أساقفة جرش ثيوفانس, وترأس خدمة القداس الالهي غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركة في الخدمة سيادة المطران  اريسترخوس السكرتير العام للبطريركية, كهنة كتدرائية يعقوب اخو الرب, رهبان وآباء ورؤساء ألاديرة من اخوية القبر المقدس وعدد من المصلين المحليين من القدس وبيت لحم بالاضافة الى الزوار من الخارج.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي إيليا التسبيتي 2-8-2018

إنّ التسبيتي (إيليا) قد حصل معايناً لله. فإنّه، مع موسى، قد أبصر الأمور التي لم ترها عينٌ، ولم تسمع بها أذُنٌ، ولم تخطر على قلب بشرٍ من الأرضيين، مشاهداً الربّ الضابط الكلّ، على طور ثابور متجسّداً. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنمُ الكنيسة.

أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إنّ نعمة الروح القدس قد جعلتنا نلتئم اليوم في هذا الهيكل الكليّ الوقار، هيكل القديس إيليا النبي اللاهجُ بالله، لكي نقدِّمُ الشكر والتسبيح ممجّدين المسيح إلهنا الذي شرَّفه ولنهتف بفرحٍ وابتهاجٍ قائلين: افرح أيها الملاك الأرضي والإنسان السماوي، يا إيليا العظيم الاسم.

يتميزُ النبي ايليا بين الانبياء ليس فقط لأنهُ سبقَ وتنبأَ عن تجسدِ كلمةِ الله بل لأنهُ عاينَ أيضاً المسيحُ مخُلصنا على جبلِ طابور في يومِ التجلي الإلهيّ مع موسى النبي وقد أبصر الأمور التي لم ترها عينٌ، ولم تَسمعُ بها أذُنٌ، ولم تخطرُ على قلب بشرٍ من الأرضيين.

 وعدا عن هذا فإن القديس الانجيليّ لوقا البشير يذكرُ النبي إيليا عند ظهور ملاك الرب لزخريا مُعلِناً لهُ عن ولادةِ ابنٌ لهُ هو النبي يوحنا السابق إذ” يَتَقَدَّمُ (يوحنا) أَمَامَهُ (أي أمام المسيح) بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ (لو 1: 17) أي بموهبة ايليا النبي الروحية وقوته.

ويُقَدِمُ لنا الرسول القديس يعقوب أخِ الرب في رسالتهِ الجامعة مثالاً عن قوةِ الصلاة مُقدِماً نموذجاً لنا يُقتدى بهِ هو القديس ايليا النبي إذ يقول:” طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا. (يع 5: 17 – 18).

 إنّ الموهبةَ والعطية الإلهية لشخصيةِ القديس إيليا النبي تظهرُ فعّالةً بقوةٍ وغيرةٍ إلهية في العهد القديم والعهد الجديد كارزةً بالتوبة والعودة إلى الله ومحاربةً ضلالة الأوثان التي انجر الشعبُ لها.

 وبكلامٍ آخر إنّ مساهمة إيليا كانت حاسمةً في الحفاظ على التاريخ الإلهي الذي تَكَشّفَ للنبي موسى على جبل سيناء أي التوحيد الأخلاقي الذي هو عبادة الله الواحد وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ الشعب فَقَالَ: «لَمْ أُكَدِّرْ الشعبُ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِ (3 مل 18 :17-18) وأنبياء الخزي (3 مل 18: 19).

ومن الجدير بالذكر أن “أنبياء الخزي” هم كهنة البعل الذينَ كانوا يصنعونَ نبوءاتٍ من شعوذتهم وسحرهم من جهةٍ ومن الجهة الأخرى كانوا يخدمون آلهة عشتروت وأفروديت بالخلاعة والفسق وأعمالٍ ماجنةٍ مخزيةٍ لهذا أُطلق عليهم بكهنة الخزي.

إنّ رسالة القديس إيليا النبوية وكرازتهِ ودعوته للتوبة لها أهميةٌ لاتزالُ باقيةً إلى الآن وعلاقةً مباشرةً لِما يحصلُ في عصرنا الحالي من الآثام والانشقاقات والبدع. فلاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ (2 تس 2: 3 -7) ويضيف القديس بولس قائلاً لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ.

وهنا لابد أن نتساءل أيها الأخوة الأحبة عن ما هو المقصود بالارتداد والآثام؟ إنهُ الضلال ابْنَ إِبْلِيسَ! عَدُوَّ كُلِّ بِرّ! الذي (أي ابليس) لاَ يزَالُ يُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ (أع 13 :10) بحسب الحكيم بولس.

” إن سُبُل الرب كلها مستقيمة” وما هي تلك السُبُل؟ إنها وَصايا الله أيّ استنارةُ الروح القدس التي تُعطى للبشر لكي تَجعلهُم يَصِلوا إلى حقيقةِ المسيح عبرَ توبتهم كما يقول النبي حزقيال” عِنْدَ رُجُوعِ الشِّرِّيرِ عَنْ شَرِّهِ وَعِنْدَ عَمَلِهِ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَإِنَّهُ يَحْيَا بِهِمَا.“(حز 33: 19) وبتوضيحٍ أكثر إنه عدلٌ عندما يتوبُ الخاطئ ويترُكُ خطيئتهُ ويصنعَ البِرَ فإنهُ يعيشُ حياةً سعيدةً بسبب حياته الفاضلة وبكلام آخر إنّ الانسان مدعوٌ للتوبة عبر حريتهِ واختيارهِ ومسؤوليتهِ الشخصية أمام الله. ونعمة الله هي تلك التي تفعلُ في التائبين. فحيثُ تَكثُر الخطيئة تُعطى النعمة بوفرةٍ كما يقول القديس بولس الرسول حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا (رو 5: 20) وفي مكانٍ آخر يقول وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ ­لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (تي 3 :4-5).

 سأل الرب النبي إيليا قائلاً لهُ مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟ (3 مل 19 :13) فأجاب إيليا بأنَّه مملوءٌ غيرةً على مجدِ الرب، لكن قد حطَّمهُ اليأس، إذ لم يعد بعد يرى أحدًا يعبدُ الرب بإخلاصٍ غيره إذ قال” غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي (3 مل 19: 14) فأراد الله لإيليا أن يريهِ علامات حضورهِ عبر أربعة ظواهر “رِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ” و” زَلْزَلَةٌ و “نَارٌوصَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيف.”(3 مل19 :11-12).  وهذا علّم النبي أنهُ في حالات القنوط واليأس ووهن الجأش وانتصار الشر يجبُ أن يُفكِرَ في محبة وطول أناة الله. لأن (الله) لا يشاءُ موت الخاطئ إلى أن يرجع ويتوب لأن الرب يقول:” لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ:”

ختاماً أيها الأخوة الأحبة فأننا نتضرعُ إلى النبي إيليا المتوشحُ بالله ووالدة الإله الفائقة القداسة العذراء مريم لكي يتشفعوا من أجلنا إلى إلهنا المحبُ البشر ومع المرنم نهتف ونقول”إنّ إيليا النبي، لمّا شاهد آثام الناس الكثيرة، ومحبّة الله للبشر التي لا تحدّ، احتدم غيظاً، وأنشأ كلام القساوة لدى المتحنّن هاتفاً: أيها القاضي العادل، أسخط على الذين عصوك. لكن تحنّن الصالح، لم يجنح بالكلية لعقوبة الذين خالفوه، لأنّه، على الدوام، يتوقّع توبة الجميع، المحبُّ البشر وحده.

آمين

بعد القداس استضاف رئيس الدير الارشمندريت باييسوس الحضور في قاعة الدير وأعد مأدبة طعام على شرف غبطة البطريرك والوفد المرافق له.

 

مكتب السكرتارية العام