1

البطريركية الأورشليمية تحتفل بعيد القديس يعقوب أخي الرب أول أساقفة أورشليم

إحتفلت البطريركية الاورشليمية وأخوية القبر المقدس يوم الإثنين 5 نوفمبر 2018 بعيد القديس يعقوب اخي الرب أول اساقفة أورشليم في الكنيسة المسماة على إسمه في البطريركية, وهو شفيع الكنيسة الأورشليمية وأخوية القبر المقدس.

ينحدر القديس يعقوب اخو الرب من اليهودية، وقد استحق أن يدعى “أخا الرب” بسبب قرابته للرب يسوع بالجسد والروح. فالقديس يعقوب، بحسب رأي البعض، كان ابن يوسف الخطيب مولوداً له من امرأته التي كانت معه قبل أن يخطب مريم الدائمة البتولية. ويرى آخرون انه كان ابن أخي يوسف، أي ابناً لأخيه كلاوبا من مريم امرأته، والتي كانت ابنة خالة والدة الإله.
فلهذه النسبة كان يدعى أخا ارب (متى:55:13) ويلقبه الإنجيليون بالصغير(مرقس 40:15) تمييزاً له عن يعقوب بن زبدي الذي يلقب بالكبير. وكان يلقب أيضاً “بالصديق” أو “البار” لعظم بره وعدله.
أقيم الرسول يعقوب أسقفاً على أورشليم سنة 34 م. وكانت له مكانة خاصة عند جماعة الرسل، ولكلامه عندها منزلة القانون، كما يتبين من كتاب أعمال الرسل.

وقد‭ ‬قيل‭ ‬إنّه‭ ‬جاء‭ ‬بالكثيرين،‭ ‬يهودًا‭ ‬وأمميين‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بالمسيح،‭ ‬فحقد‭ ‬عليه‭ ‬اليهود‭ ‬وقرّروا‭ ‬التخلّص‭ ‬منه‭. ‬وقد‭ ‬وعظ‭ ‬الشعب‭ ‬مرّةً‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬أحد‭ ‬البيوت،‭ ‬أو‭ ‬ربّما‭ ‬من‭ ‬جناح‭ ‬الهيكل،‭ ‬فجاءه‭ ‬الكتبة‭ ‬والفريسيون‭ ‬وألقوه‭ ‬من‭ ‬علوٍ‭ ‬فسقط‭ ‬أرضًا‭ ‬وأصيب‭ ‬ولكنّه‭ ‬لم‭ ‬يمت‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مهووسًا‭ ‬عاجله‭ ‬بضربةٍ‭ ‬عصا‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬فقضت‭ ‬عليه،‭ ‬فرقد‭ ‬في‭ ‬الربّ‭ ‬شهيدًا‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬العمر.
وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬62‭ ‬للميلاد‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬يهود‭ ‬أتقياء‭ ‬أشاعوا،‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬أن‭ ‬محاصرة‭ ‬أورشليم‭ ‬وهدمها‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬السبعين‭ ‬كان‭ ‬عقابًا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬قتله.

ترأس خدمة صلاة الغروب والقداس الاحتفالي بعيد هذا الرسول العظيم وأسقف كنيسة أورشليم, غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه أساقفة وكهنة أخوية القبر المقدس. 

ورُتلت صلاة القداس باللغة اليونانية والعربية, وحضر عدد كبير من الطائفة الاورثوذكسية من كنيسة القديس يعقوب اخو الرب في القدس وايضاً عدد من الزوار من اليونان, رومانيا وروسيا.
والقى غبطة البطريرك كلمة بهذه المناسبة :

الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ (مز 36 :29) هذا ما يتفوهُ به صاحبُ المزمور

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

لقد أتينا اليوم بفرحٍ وحبور إلى هذه الكنيسة المقدسة لكي نُكرم تذكار القديس الشهيد في رؤساء الكهنة الرسول يعقوب أخِ الرب أول رئيس أساقفةٍ على كنيسةِ آوروشليم.

إنّ القديس يعقوب الصدِّيق، قد صار وريثاً لأرضِ فلسطين المقدسة وساكنٌ فيها إلى الأبد، وذلك عبرَ خلفاءهِ أي رؤساء الكهنة أساقفة وبطاركة كنيسة آوروشليم.

وعدا عن خدمتهِ الرسولية كأول رئيس كهنةٍ على كنيسة آوروشليم ومقيمٌ دائمٌ إلى الأبد في الأرض المقدسة، فَقد ختم القديس يعقوب خدمتهِ الرسولية بدم استشهاده من أجل محبة المسيح. وأما كرازته وتعليمهِ الخلاصيّ حول الإيمان بالمسيح يسوع كلمة الله المتأنس والتي تشهدُ عليها رسالتهِ الجامعة الموحى بها من الله والذي قام القديس بكتابتها فإن محتوى تعليمُها يرتَكِزُ حول الإيمان والتجارب والصبر.

يقول القديس يعقوب في مُسْتَهلِ رسالتهِ:” اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا (يع 1 :2 -3). وبتوضيحٍ أكثر أنهُ عليكم أن تفرحوا في التجارب والأحزان عندما تعلمون بأن اختبار إيمانكم عبر التجارب والأحزان سيكونُ حصيلتهُ الصبر التام غير المتزعزع.

ويُفسِر القديس إيكومينيوس أقوال القديس يعقوب هذه قائلاً: لا يوجد طريقة أخرى لكي نربح فيها الجوائز والأكاليل العالمية أو الإلهية إلا عن طريق النسك. ويستشهِدُ القديس إيكومينيوس بأقوال حكمة سيراخ التي تقول:” يَا بُنَيَّ، إِنْ أَقْبَلْتَ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ الإِلهِ، فَاثْبُتْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَعْدِدْ نَفْسَكَ لِلتَّجْرِبَةِ (حكمة سيراخ 2: 1) وأيضاً بأقوال الرب: “فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 16: 33) وأيضاً مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ (مت 7 :14)

وبحسب القديس يعقوب إنّ الإيمان لا يجبُ أن يكون محصوراً فقط في “التجربة” المرتبطة بالأحزان والصبر بل بإتمام الأعمال الخيرية والتي تُرضي الله فيتساءَل القديس يعقوب قائلاً: مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ (يع 2: 14)

ويعلقُ القديس يوحنا الذهبي الفم على أقوال القديس يعقوب قائلاً: لقد دعا القديس يعقوب الإيمان بأنه عملٌ لأنك إن آمنت فأنت تُزين حينها إيمانك بالأعمال وهذا لا يعني أن الإيمان يفتقر إلى الأعمال بل أن الإيمان الكامل يجب أن يؤدي تلقائياً إلى الأعمال الصالحة. إن الأعمال يعملها الناس وغايتها الناس كما أن الإيمان يبدأ من الناس لأجل الله. فالإيمان يحتاج إلى الأعمال لكي يتغذى الإيمان وأيضاً لكي نقوم بالأعمال علينا أن نلبس مسبقاً الإيمان.  

وبكلام آخرٍ أيها الإخوة الأحبة إن الأعمال هي تلك التي تُحيي الإيمان وهذا يعني أن الجسد بدون النفس هو جسدٌ ميتٌ، وهكذا فإن الإيمان بدون أعمال الفضيلة ليس إيمانٌ حي بل إيمانٌ ميت كما يؤكِدُ القديس يعقوب قائلاً: لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ. (يعقوب 2: 26)

ويتكلم القديس يعقوب في رسالته الجامعة بسلطانٍ واستقامةٍ إذ إنهُ يُعتبر أحد أَعْمِدَةٌ الكنيسة، بشهادة القديس بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية. (غلاطية 2: 9)

وبدون شك ما زال القديس يعقوب أخِ الرب “عمود كنيسة” آوروشليم وسندها وذلك لأنه أصبح مشاركاً في موت صليب المسيح، أي في دمهِ الخلاصيّ إذ أن دم المخلص هو أساس الكنيسة.

وبكلامٍ آخر إن القديس يعقوب يُشكل حجر الأساس لمؤسسة الخلافة الرسولية المقدسة والتي تشكلت من قبل ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يشهد القديس بولس الرسول فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً. (1 كور 12: 28) والذين يتكون من الخلفاء المباشرين أي الرؤساء المحليين لكنيستنا الأرثوذكسية.

وهذا يعني بأن مؤسسة (الخلافة الرسولية) تشكل الضمان للحفاظ على الحدود الروحية والطبيعية في المكان الذي يحيا ويوجد فيه جسدُ المسيح السريّ أي كنيستهُ. والذي هو أي (المسيح) وَهُوَ رَأْسُ جَسَد الْكَنِيسَةِ (كول 1: 18) كما يُكرزُ القديس بولس الرسول.

 “لنكن مسيحيين حقيقيين” هذا ما يقولهُ القديس المعاصر بورفيريوس فعندما نشعر حقيقةً في أعماق نفوسنا بأننا حقاً أعضاء جسد المسيح السريّ أي الكنيسة بعلاقة محبة مستمرة، وعندما نعيش مُتحدين في المسيح أي أن نحيا بوحدةٍ داخل كنيستهِ بمشاعر حقيقيةٍ بأننا حقاً واحد. إذ إن المسيح صلى لأبيه قائلاً لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. (يوحنا 17: 11-12) فهذا هو أكبر عمق وأكبر معنى تملكهُ الكنيسة لأنه هناك يوجد السر. والسر هو أن يتوحد الجميع كإنسانٍ واحد في الله.

إن مؤسسة الخلافة الرسولية تحيا وتنشط من الروح القدس الفاعل في عبادة الكنيسة العقلية أي سر الشكر الإلهي. لهذا فإن القديس يعقوب يحثُ المؤمنين أن يصلوا اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. (يعقوب 5: 16) وذلك لإثبات قوة وفعالية الصلاة فإن القديس يعقوب يعرض لنا القديس النبي إيليا مثالاً ونموذجاً عن قوة الصلاة كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ (يعقوب5: 17)

لهذا فإننا نحنُ الذين نكرِمُ اليوم تذكار القديس يعقوب ومُصغيينَ إلى قولهِ: “إنّ طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. (يعقوب 5: 16) فنتضرعُ إليه ومع المرتل نهتف قائلين: لقد وضعت شريحة الحياة لكنيسة الله. مشترعاً بالكتابة والكلام بقوة الروح المحيي فتشفع إلى المسيح الإله. طالباً أن يهب غفران الزلات للمعيّدين بلهفةٍ لتذكارك المقدس.

كل عام وأنتم بألف خير

 

بعد القداس الالهي وكما هي العادة سلّم أعضاء اللجنة الكنسية في كنيسة القديس يعقوب أخو الرب مفاتيح الكنيسة لغبطة البطريرك برهاناً على الطاعة الكنسية وانتماء هذه الكنيسة للبطريركية الاورشليمية, بدوره بعد استلامه للمفاتيح قام غبطة البطريرك بإرجاعها للجنة الكنسية مع مباركته وتهانيه للجميع بمناسبة هذا العيد الذي يخص اخوية القبر المقدس والكنيسة ألاورشليمية.

مكتب السكرتارية العام