1

غبطة البطريرك يترأس القداس الالهي في جبل الأربعين

ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يوم الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس الموافق 14 نيسان 2019 وهو أيضاً احد تذكار القديسة مريم المصرية خدمة القداس الالهي في كنيسة بشارة والدة الإله في دير جبل الأربعين. وشارك غبطة البطريرك في هذه الخدمة سيادة رئيس اساقفة قسطنطيني أريسترخوس, الرئيس الروحي لدير القديس يوحنا المعمدان في نهر الأردن الأرشمندريت بارثلماوس, الرئيس الروحي لدير القديس جيراسيموس الأرشمندريت خريسوستوموس, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس صفرونيوس. وكان في إستقبال غبطة البطريرك الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت جيراسيموس المشرف على ترميم هذا الدير وكذلك دير القديس يوحنا المعمدانفي نهر الأردن.

في إطار هذه الزيارة للدير بدأ باحثون من جامعتي أثينا وتيسالونيكي يعمل دراسة أولية لطبقات صخرة جبل الأربعين وللكنيسة الموجودة داخل هذه الصخرة.

 

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في الاحد الخامس من الصوم  الأربعينيّ الكبير   

 تعريب كلمة غبطة البطريرك 

قدس الاب الإيكونوموس يوسف الهودلي

 

 

يقول رسول الأمم العظيم القديس بولس الرسول لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (عب 9: 13-14)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح

أيها المسيحيون الأتقياء

إن نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان والموقع المقدس أي على هذا الجبل العالي حيث صام ربنا يسوع المسيح أربعين يوماً وتجرب من الشيطان لكي من جهةٍ نعبد الله الحي، ونشترك في الأسرار المقدسة الطاهرة ونتناول جسد ودم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من جهةٍ أخرى.

اليوم هو الأحد الخامس من الصوم الأربعيني الكبير وفيه تصنع كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة تذكار أمنا البارة مريم المصرية والتي عاشت حياة دَنِسة طيلة 17 عاماً، وعَمِدَت أن تُغير سيرة حياتها وتستعطف الله بالتوبة. فجازت إلى أعماق صحراء نهر الأردن وعاشت هناك في البرية مدة سبعة وأربعين سنةً عيشةً قاسية لا يحتملها إنسان. وكانت تُصلي وحدها للإله متخذة من المسيح مثالاً لها فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ! (عب 9: 14).

إن دم المسيح كما يقول بولس الرسول هو وحده القادر أن يُطهر ذواتنا من الأعمال الميتة أي من أعمال الخطيئة والتي تُشكل تلوث الضمير وتُميت الإنسان. وبكلام آخر إننا ننجح بتطهير ضمائرنا وذلك من خلال عمل دم المسيح فينا وتصبح عبادة الله الحي مستحيلة بدون شركة دم المسيح كما يؤكد بذلك القديس ثيوفيلكتوس الذي يقول:” إن من يفعل أفعال ميتة لا يعبد الله الحي الحقيقي بل يعبد الأعمال التي يشتهيها ويرغب بها يؤلهها، فالشره على سبيل المثال يؤله بطنه، والطماع يصبح عابد وثن”. وهذا ما يقوله أيضاً القديس يوحنا الذهبي الفم: إن من يعمل الأعمال الميتة لا يستطيع العمل مع الله الحي، وذلك لأن الخطيئة تُظلم الذهن وتُدنس الضمير وتُنشئ التغرب عن الله وعندما تكون أنفسنا طاهرة وضمائرنا نقية من أي دنس للخطيئة عندها فقط نستطيع أن نعبد إلهنا الحقيقي وربنا كما يقول القديس بولس الرسول لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. (عب 12: 28).

 من خلال دماء ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على الصليب قد أبطل موت الخطيئة ومنح الجميع القدرة على الخلاص أي التحرر من نير عبودية الخطيئة لهذا فإن القديس بولس الرسول يوصي قائلاً فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ. (غلا 5: 1).

إن ربنا يسوع المسيح هو جسد الكنيسة الحقيقي السري ورأسها وقد أعطى لرسله القديسين ولتلاميذه ولخلفائه السلطان قائلاً: خذوا الروح القدس مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ (يوحنا 20: 23).

والكنيسة أيضاً تعتبر هي صورة ومثال لسفينة (فُلك)نوح الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِالَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، (1بطرس 3: 20-21)

وبكلامٍ آخر لقد سبق وصور نوح سفينة الخلاص والتي كانت مثالاً لجرن المعمودية الخلاصية. وليست المعمودية هي فقط لإزالة وسخ الجسد وتطهيرهِ وتنقيتهِ بل هي أيضاً تضرعٌ حارٌ لله أن يعطينا ضميراً صالحاً معتقاً من التأنيب والتوبيخ. إن المعمودية تخلصنا بقوة يسوع المسيح القائم من بين الأموات.

إن المعمودية أيها الإخوة الأحبة ليست هي إلا من أساسيات سر التوبة بحسب كرازة ربنا الذي يقول إنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ (متى 9: 13) وأما مسيحيي آوروشليم قد مجدوا الله سامعين لكرازة القديس بطرس الذي يقول «إِنّ الله أَعْطَى الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ (أعمال 11: 18) لهذا فإن القديس بولس الرسول يَحثُ تلميذه تيموثاوس أن عبد الرب لا ينبغي أن يكون مُشاكساً، محباً للخصام لكن عليه أن يكون معتدلاً مع الجميع قادراً على التعليم وأن يكون طويل الأناة عديم الشر وأن يؤدب ويُعلّم بوداعة أولئك المقاومين والذين لديهم أفكار وتعاليم مضادة. ومن يدري فمن الممكن في كثير من المرات أن يُعطي الله أولئك توبة فيرجعوا ويسلكوا في طريق الحق عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ. (2تيم 2: 24-26)

ويقول القديس النبي حزقيال بأن الله هو إله رحمةٍ، يرغب بخلاص كل خاطىء إذا تاب، حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. (حزقيال 33: 11)

إن صلاح الله ومحبته للبشر التي لا توصف يقول عنها القديس بولس الرسول خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. (تيط3: 5-6)

إن حميم إعادة الولادة هو سر التوبة والذي يغسل الإنسان من خلاله، نفسه ويطهر فيهِ ضميره إذ أن القديس يوحنا الإنجيلي يقول في رسالته الأولى وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي نُّورِ (الله)، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. (1 يوحنا 1: 7).

إنّ من نعيد ونكرمها اليوم أمنا البارة القديسة مريم المصرية قد أصبحت مشاركة في غسل الميلاد الثاني أي سر التوبة ومشاركة أيضاً في دم المسيح فمن خلال جهادها ونسكها القاسي وبالطبع أيضاً بقوة الصليب الكريم قضت على جرائم الخطيئة ومنحتنا ثمار التوبة. لهذا نتضرع إليها مع سيدتنا الفائقة البركات والدتنا العذراء مريم أن تترأف بنا وتطهرنا من جميع أهوائنا وأدناسنا.

كل عامٍ وأنتم بألف خير.

. فصحٌ مباركٌ

مكتب السكرتارية العام