1

عيد السجود للصليب في دير الصليب المُكرّم

إحتُفل في دير الصليب المُكرم التاريخي (المعروف بدير المصلبة) الواقع في القدس الغربية يوم الأحد الموافق 14 نيسان 2024 (يعادله 1 نيسان شرقي) وهو الأحد الرابع من الصوم الأربعيني المقدس وتذكار القديس يوحنا السلمي بعيد السجود للصليب الكريم المحيي. 

حسب العادة المتبعة في البطريركية الأورشليمية يتم الإحتفال بهذا العيد في هذا الدير المقدس في الأحد الرابع من الصوم أي بعد أسبوع من أحد السجود للصليب الذي يُحتفل به في كنيسة القيامة, لأنه حسب التقليد الكنسي في هذا الموضع زرع لوط الشجرة التي منها صُنع خشب الصليب الذي صُلب عليه ربنا ومخلصنا يسوع المسيح فداءً عنا.

تقدم خدمة صلاة الغروب عشية العيد قدس الأرشمندريت إيرونيموس يشاركه آباء من أخوية القبر المقدس. صباح العيد ترأس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة طابور كيريوس ميثوذيوس, المتقدم قدس الأرشمندريت متايوس, قدس الأرشمندريت إيرونيموس الرئيس الروحي في مادبا, قدس الأب يوحنا عواد, وآباء متوحدون, بحضور السيادة آنا ماديكا ممثلة القنصلية اليونانية في القدس وعدد من الرهبان وزوار الدير.

بعد القداس الإلهي أقيمت دورة السجود للصليب الكريم المحيي حسب التيبيكون, عقبها ضيافةَ اعدها الرئيس الروحي للدير الأرشمندريت خريستوذولوس في قاعة الدير.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في دير المصلبة

يكرز الرسول بولس قائلاً:” وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ. (غلاطية 6: 14)

إن قوة الصليب الكريم المحيي لإلهنا ومخلصنا المسيح، قد جمعتنا اليوم في هذا الموضع والمكان المقدس حيث الشجرة الثلاثية، غُرِست في دير الصليب الذي يحمل اسمه، لكي نعيّد بشكر وتمجيد للسجود لعود الصليب الذي به وَاللهُ مَلِكِي مُنْذُ الْقِدَمِ، فَاعِلُ الْخَلاَصِ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. (مزمور 73: 12) كما يهتف نبوياً داوود الملك.

والحقيقة أنه من خلال آلام الصليب، كما يكرز الرسول بولس وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ (عبرانيين 5 : 9) إذ أن الصليب الكريم هو أداة الفداء المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بآلام ودم المسيح وموته الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ (أفسس 1: 7-8) كما يكرز الرسول بولس.

وبحسب رؤيا الإنجيلي يوحنا فإن الصليب هو العود المحيي أي شجرة الحياة:” مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ(رؤيا 2: 7) وبتوضيح أكثر أن ذلك الذي سينتصر في جهاده على الشيطان والخطيئة سأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة وسأجعله مستحقاً أن يتمتع بالخيرات الأبدية في فردوس أبي وإلهي بحسب طبيعتي البشرية يقول الرب.

ويتعجب القديس أثناسيوس العظيم من تدبير الله الذي يقود المؤمنين بالصليب إلى الخلاص وهزيمة عمل الشيطان فيقول:” أيتها الحكمة الإلهية الحقيقية وآلة السماء، غُرِس الصليب وتحطمت عبادة الأوثان، رُفع الصليب وهُزمت جيوش الشيطان وقوته.

لقد هُزمت جيوش الشيطان من محبة الله للإنسان التي لا تحد ولا توصف كما يكرز الرسول بولس فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً.(أفسس 5: 1-2) ومن الجدير بالذكر أن تقدمة وذبيحة المسيح الحية كانت على خشبة الصليب ولهذا سمي أيضاً الصليب بالمذبح «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!(يوحنا 1: 29) إن الأعظم هو تقدمة المذبح لان تقدمة المذبح هي من تقدس.

وبكلام آخر إن المسيح هو التقدمة أو القربان الأعظم والأسمى من المذبح. لهذا فإن المذبح الذي هو عود الصليب يتقدس من التقدمة المقدمة عليه الذي هو المسيح المذبوح لهذا فإن

القديس يوحنا الدمشقي يقول إنه يجب السجود للعود الكريم حقاً والمستحق الإكرام الذي قرّب عليه المسيح ذاته مذبوحاً لأجلنا، وقد تقدس بلمسه الجسد والدم الأقدسين. ونحن نسجد أيضاً لرسم الصليب الكريم المحيي ولو كان من مادة أخرى، لأننا لا نُكرم المادة، حاشا! بل الرسم، على أنه رمز المسيح.

وفي عظة القديس صفرونيوس بطريرك آوروشليم والتي تُقال في أحد السجود للصليب الكريم في منتصف الصوم الأربعيني الكبير المقدس.افرح أيها الصليب الكريم الذي بسط ابن وكلمة الله يديه عليه واحتضننا جميعاً وقادنا إلى الآب السماوي. افرح أيها الصليب الكريم الذي عليه سفك دم ابن وكلمة الآب غير المنظور.

إن عود الحياة ذاك الذي قد غرسه الله في الفردوس كان قد سبق ورمز إلى الصليب الكريم فلما دخل الموت إلينا بالعود وجب أن تُعطى لنا بالعود الحياة والقيامة.

ولأن إلهنا ومخلصنا الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ .(1 تيم 2: 4) أَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ شَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الفردوس(تكوين 2: 9) وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، (غلاطية 4: 4) غرس شجرة الخلاص في الفردوس السري الذي هو مريم العذراء والدة الإله التي من دمائها النقية أنبت المسيح كما يهتف المرنم القديس قوزماس أسقف مايوما قائلاً: يا والدة الإله إنك فردوس سري لأنك بلا فلاحة أنبتِ المسيح الذي غرس في الأرض شجرة الصليب المثمرة الحياة فبسجودنا الآن له مرفوعاً إياكِ نعظم.

إن ثمر شجرة الصليب المثمرة الحياة أيها الإخوة الأحبة هو جسد ودم المسيح القائم من بين الأموات والذين نحن مدعوون بحسب وصيته أن نأكله وأن نشربه إذ يقول الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ.(يوحنا 6: 53) مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.(يوحنا 6: 56)

ولا ينفك القديس الرسول بولس يذكر دائماً دم المسيح الخلاصي وذلك لأنه من خلال الدم الخلاصي نتبرر ونخلص لإن فِيهِ لَنَا الْفِدَاء، (أفسس 1: 7) ونصبح “اقْتناء الله” بِدَمِهِ. (أعمال 20: 28) ويحافظ المؤمنون على وحدتهم بالاشتراك في كأس الشكر وأيضاً يُذيعون بموت الرب ويُكرزون بمجيئه فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ.(1 كور 11: 26)

فها قد اتضح لنا أيها الإخوة الأحبة لماذا يرنم القديس يوحنا الدمشقي قائلاً: نسجد بغير فتور لصليبك المحيي أيها المسيح الإله ونمجد قيامتك الثلاثية الأيام فإنك بها جددت طبيعة البشر الفاسدة أيها القدير ودللتنا على المصعد إلى السماء بما أنك وحدك الصالح والمحب البشر.

ختاماً أيها الإخوة الأحبة نتضرع إلى والدة الإله أم الله التي ولدت من ارتفع على الصليب بالجسد لكي تؤهلنا أن نصل بقوة الصليب الكريم أن نصل إلى القيامة المجيدة قيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.

آمين

مكتب السكرتارية العامة




صلاة المجدلة الكبرى بمناسبة العيد الوطني للخامس والعشرين من آذار

أقيمت يوم الإثنين الساعة العاشرة صباحاً الموافق 25 آذار 2024 آذار شرقي (12 آذار شرقي) في كنيسة الكاثوليكون في كنيسة القيامة المقدسة خدمة صلاة المجدلة الكبرى بمناسبة ذكرى ثورة الخامس والعشرين لعام 1821.  هذه الثورة التي قام بها الشعب اليوناني سنة 1821 ضد الدوله العثمانية التي حكمت البلاد لمدة تزيد عن 450 سنة لتحرير البلاد من الظلم والاستبداد.

بعد صلاة المجدلة الكبرى أقيمت الصلاة على ارواح الشهداء الأبطال وعن الكهنة الذين شاركوا ايضا في هذه الثورة واستشهدوا من أجل الوطن والايمان المسيحي الذي حافظوا عليه كل فترة الاحتلال.

ترأس خدمة الصلاة غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمشاركة آباء أخوية القبر المقدس من أساقفة وآباء متوحدين ورهبان  وبحضور والقنصل اليوناني العام السيد ذيميتريوس أنجيلوسوبولوس وأبناء الكنيسة وأبناء الجالية اليونانية.

بعد الخدمة توجه الوفد البطريركي مع الحضور الى دار البطريركية لتقبل التهاني. وألقى غبطة البطريرك كلمة تهنئة للشعب اليوناني والكنيسة الاورثوذكسية.

مكتب السكرتارية العامة




عيد القديس أبينا البار جيراسيموس الأردني

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم أحد مرفع الجبن الموافق 17 آذار 2024 (يعادله 4 آذار شرقي) بعيد القديس البار جيراسيموس الأردني في الدير المقدس المُكرس على إسمه الواقع على الضفة الغربية لنهر الأردن أمام مصبه عند البحر الميت.

في هذا اليوم تقيم الكنيسة تذكار القديس جيراسيموس الذي يرجع أصله من ميرا التي من ليكيه في آسيا الصغرى, ومنذ صغره كرس نفسه لله وللحياة الرهبانية. جاء الى الأرض المقدسة حوالى عام 451 ميلادي. تنسك في عدة أديرة  في صحراء الأردن وعاش حياة الزهد والصوم والتواضع وكرّس حياته الروحية مع القديس إفثيميوس الكبير. دعاه رهبان الصحراء ليكون مرشدهم الروحي, وأسس لهم مع القديس كيرياكوس ديراً مبني بنمط اللافرا أي مجموعة كهوف مع دير مركزي الذي فيه كان معلماً للرهبان وأباً روحياً للكثير من المسيحيين, بعدها كُرس الدير على إسمه. رقد في الرب سنة 475.

في هذه المناسبة أقيمت خدمة القداس الإلهي ترأسها صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه سيادة متروبوليت كابيتولياذا كيريوس إيسيخيوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة أنثيذون كيريوس نيكتاريوس الوكيل البطريركي في القسطنطينية, سيادة رئيس أساقفة بيلا كيريوس فيلومينوس, آباء من أخوية القبر المقدس, الأرشمندريت متايوس، والوكيل البطريركي في موسكو الأرشمندريت استيفانوس، الوكيل البطريركي في أثينا الأرشمندريت رافائيل، والأرشمندريت أمفيلوخيوس, كلاوديوس, إيرونيموس, وكيرياكوس، المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماسان المتوحدان إفلوجيوس وذوسيذيوس. قاد الترتيل سيادة رئيس أساقفة مادبا كيريوس أرستوفولوس يشاركه طلبة المدرسة البطريركية، فيما حضر القداس جمع من المؤمنين المحليين والحجاج من قبرص والقنصل العام اليوناني في القدس السيد ديمتريوس أنجيلوسوبولوس.

قدس الأرشمندريت خريسوسوتوموس الرئيس الروحي للدير إستضاف الوفد البطريركي مع الآباء والمصلين على مائدة طعام في قاعة الدير.

يذكر ان قدس الأرشمندريت خريسوستوموس هو مُرمم ومجدد الدير الحالي, وقام بتزيين الدير والكنيسة بالفسيفساء الجميلة, وبنى المبنى المجاور للكنيسة، وأنشأ مركزًا للحجاج والعمل والاجتماعي, ودار للمسنين لآباء القبر المقدس.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في عيد القديس جراسيموس الأردني 

يهتف صاحب المزمور قائلاً: عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ، وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ. (مز 33: 16 )

أي أن عينا الرب دائما منصوبةً على خائفيهِ وأذناه دائماً بانتباهٍ إلى توسلاتهم وتضرعاتهم.

أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء

إن نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس عند صحراء الأردن حيث لافرا أبينا البار المتوشح بالله جراسيموس الذي من ليكيا، لكي نكرم تذكار عيده الموقر في ديره.

لقد استبان أبينا البار جراسيموس المغبوط من الآباء العظام السوّاح الذين لمعوا في النسك في فلسطين في القرن الخامس الميلادي. وأثناء زيارته وحجه إلى الأراضي المقدسة استقر بشكل دائم في برية الأردن هذه، حيث شيّد لافرا “ديراً عظيماً” والتي أضحت منارة وفخراً بحسب شهادة كيرلس سيكثوبوليتس كاتب تاريخه إذ يقول: عندما كان القديس سابا في عمر الخمس والثلاثون توجهَ إلى الصحراء الشرقية بالقرب من القديس جراسيموس، لأن القديس جراسيموس كان آنذاك ككوكبٍ لامعٍ ينيرُ كل صحراء الأردن بالتقوى وبطريقة ما كان يبذر بذار التقوى.

حقاً قد أشرق جراسيموس العظيم ككوكب منير عظيم، يشع بنور محبة المسيح باذراً بذار التقوى أي الإيمان الأرثوذكسي الصحيح والخلاصي، وهذا الحدث يؤكد عليه بوضوح العلاقة الروحية التي كانت بين القديس جراسيموس وأفثيميوس العظيم عندما التقى فيه في صحراء الروبة خلال فترة الصوم، إذ يشهد كيرلس سيكثوبوليتس قائلاً :”في زمن الصوم المقدس، أخذ القديس جراسيموس الأنبا كيرياكوس معه إلى برية الروبة الجدباء؛ حيث عاشوا في عزلة وهدوء حتى أحد الشعانين يتناولون الأسرار الطاهرة كل يوم أحد من يدي العظيم افثيميوس. وبعد وقت قصير، عندما رقد العظيم القديس افثيميوس في المسيح، رأى القديس جراسيموس روحه تقودها الملائكة وتُصعدها إلى السماء؛ ومن ثم ّأخذ الأنبا كيرياكوس وصعد إلى عائداً إلى ديره بعد أن دفن جسده.

لقد اختار أبينا جراسيموس حياة الهدوء في الصحراء سامعاً لأقوال المزمور الداؤودية:” هائنذا قد ابتعدتُ هارباً وسكنت البرية (مزمور 54: 8) وبالأخص في صحراء الأردن حيث كان الناسك السائح الأول القديس النبي يوحنا المعمدان يكرز قائلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. (متى 3: 1-2).

في هذه الصحراء، في برية الأردن كان لدى البار جراسيموس الوقت الكافي لكي يدرس ويثابرَ في عزلتهِ وصومهِ وصلاته غير المنقطعة عن معرفة الله بحسب ما هو مكتوب في سفر المزامير “ثابروا واعلموا أني أنا هو الله” (مزمور 45: 11)

ويفسر القديس العظيم أثناسيوس أقوال المزمور هذه قائلاً: إذا لم يتركُ الإنسانٍ كلَّ الاهتمامات العالميّة لا يستطيع أن يعرف الله وأما القديس باسيليوس فيقول: إن هذه المثابرة أي “التوقف عن الانشغال بالأمور العالمية” هي مثابرة صالحةً تُعطي هدوءً للنفس وقدرةً على فهم التعاليم الخلاصية.

إن هذه المعرفة للتعاليم الخلاصية ليست هي إلا من الحكمة الإلهية والتي بحسب سليمان الحكيم: لأَنَّهَا ضِيَاءُ النُّورِ الأَزَلِيِّ، وَمِرْآةُ عَمَلِ اللهِ النَّقِيَّةُ، وَصُورَةُ جُودَتِهِ.. تَحِلُّ فِي النُّفُوسِ الْقِدِّيسَةِ؛ فَتُنْشِئْ أَحِبَّاءَ للهِ وَأَنْبِيَاءَ (حكمة سليمان 7: 26-27).

لقد كان واضحاً بالحقيقة، أن ذهن وعقل أبينا البار المتوشح بالله جراسيموس كان مرآة نقية تعكسُ أعمال الله الصالحة ،فبحسب رسالة القديس يوحنا الإنجيلي: نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.(1 يوحنا 5: 20).

إن العشق الإلهي لملكوت المسيح السماوي هي قوة الفعل الإلهي والتي تُعلِن وتُكشِف لأولئك الذين يملكونَ قلوباً طاهرةً نقيةً، نور الحياة الأبدية الساطع، وما هذا النورُ إلا المسيح ابن وكلمة الله، لهذا السبب بالذات يتميز قديسي الكنيسة بشكل خاصٍ فمنهم، الشهداء والسّواح ونساك الصحراء، لهذا فالقديس الشهيد في رؤساء الكهنة اغناطيوس المتوشح بالله يقول: لقد صُلب حبي الشهواني وما عاد في داخلي أي نار لاشتهاء الماديات، بل يتكلم في باطني الماء الحي قائلاً “تعال إلى الآب “لم أعد أتلذذ بطعام فاسد أو بلذة هذه الحياة. أريد خبز الله الذي هو جسد المسيح من نسل داود والشراب الذي أريده هو دمه، الذي هو المحبة عديمة الفساد.

وأما القديس يوحنا الذهبي الفم الذي عاش ناسكاً يقول: “أنا أحبُ جميع القديسين ولكن بالأكثر المغبوط القديس الرسول بولس، وهذا أقوله لكم لكي تحبوهُ أنتم أيضاً كما أحبهُ أنا، فمن الطبيعي أن البشر الذين يحبون بطريقةٍ جسدية يخجلون أن يعترفوا بهذا الحب، ولكن أولئك الذين يحبون بطريقة روحية لا يخجلون أبداً أن يعترفوا ويبوحوا بهذا الحب وذلك لإن الحب الجسدي هو جريمةٌ أما الحب الروحي فهو مغبوطٌ وممدوحٌ.

إنها حقيقةٌ أيها الإخوة الأحبة أن المسيحيون يشاركون ويساهمون بالقداسة الإلهية “التي للقديسين” من خلال موهبة الروح القدس فيصبحوا بذلك هياكل مقدسة وأمة مقدسة فها قد اتضح لماذا نُكرِمُ ونمتدحُ القديسين، كالقديس المغبوط جراسيموس الذي نعيد له اليوم. فهامة الرسل القديس بطرس يؤكد في رسالتهِ قائلاً:” وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. (1بطرس 2: 9).

وبكلام آخر أيها الإخوة نحن المسيحيين “جنسٌ مختار” لذلك علينا أن نقدم لله عِبَادَتَنا الروحية الْعَقْلِيَّةَ وأَنْ نُقدم ذواتنا ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ. (رومية 12: 1) كما يكرز الرسول بولس. وبذه الطريقة نكون قد امتثلنا وأطعنا لدعوة المسيح لنا :”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي.(مرقس 8: 34) ومن الجهة الأخرى نقتدي بأبينا البار جراسيموس لكي بتوسلاته وبتضرعات الفائقة البركات المجيدة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم إلى الله أن يؤهلنا أن نجتاز ميدان الصوم الأربعيني الكبير المقدس بتوبةٍ وعفة وإمساك وصبر وتواضع ومع المرتل نهتف ونقول أنك أيها البار ماثل أمام المسيح مع الأبرار والصديقين، فلا تنفك متشفعاً من أجل سلام أرضنا المعذبة والعالم أجمع. آمين

كل عام وأنتم بألف بخير

صوماً أربعينياً مباركاً

مكتب السكرتارية العامة

 




زيارة أخوية القبر المقدس للبطريكية الأرمينية

قام صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يرافقه وفد من أخوية القبر المقدس صباح يوم السبت الموافق 20 كانون الثاني 2024 (7 كانون الثاني شرقي), بزيارة محبة أخوية للبطريركية الأرمينية في القدس للتهنئة بعيد الميلاد المجيد.

كلمة صاحب الغبطة باللغة الإنجليزية:

“Your Beatitude, dear Archbishop Nourhan,
Your Eminences,
Your Graces,
Beloved Members of our Respective Brotherhoods,
Dear Fathers,

Christ is born!
Glorify him!

We greet you warmly, Your Beatitude, and the members of your Brotherhood, as you celebrate the Feast of the Nativity of the Divine Logos in the Church of the Nativity. This is a time of deep joy, and we recall the words of the hymnographer:

O Bethlehem, receive the Mother of God:
for she has come to you to give birth to the Light that never sets.
Let everything that has breath praise the Maker of all.
(From Mattins of the Forefeast of the Nativity)

As we keep the Christmas feast of joy, hope, and light in this time of darkness in our region and in our world, we must not refrain from appropriate rejoicing. For the Light that the darkness can never overcome has come into the world (cf. Jn 1:5), and this great feast renews our faith and trust in the God who comes to share our humanity in all its fullness.

Our spiritual mission that has been entrusted to us by Divine providence is to remain focussed always on this message of hope, especially when hope seems elusive. There is no doubt that at this present time in human history the human family is facing some of its greatest challenges, and our region is no exception. For we are under particular pressure here in the Holy Land, where so many innocent victims suffer and where so many are displaced from their homes and their lands. As we are fully aware, the Christian community is also confronted by the impact of the conflict, and there has never been a time when our shared commitment to our spiritual mission here has been more urgent.

Just as we are keeping the Christmas feast, which is the feast of God’s solidarity with us, we wish to take this opportunity to express our solidarity as well with you and your community in the face of the pressures you are bearing. The situation that you face is not simply an issue for the Armenian community alone; indeed it is an issue for the whole Christian community. We recall the words of Saint Paul, If one member suffers, all suffer together with it; if one member is honored, all rejoice together with it (1 Cor. 12:26). We are committed to remain united in our resolve to defend the integrity of the Christian character of Jerusalem and the Holy Land.

We assure you, Your Beatitude, of our firm support in your endeavours to protect the patrimony of the Armenian patriarchate. As Saint Paul encourages us, we are to bear one another’s burdens, and in this way…fulfill the law of Christ (Gal. 6:2). We are deeply concerned at the ongoing harassment that the Armenian community is experiencing in the matter of the Cow’s Garden, and we pray for a swift resolution to these problems and the restoration of normal life for the Armenian community.

On this occasion we would like to offer our congratulations for your newly ordained bishops, and we also wish to express once again our condolences at the recent passing away of the late Archbishop Aris, who was a faithful servant of the Armenian Church and of the Christian community of the Holy Land. Μάϊος his memory be eternal.

In this difficult season for the world and for our region, we must renew our resolve not to let anything distract us from our pastoral and spiritual mission to guard and protect the Holy Places and to serve and support the Christian presence here. Nothing is more important than this. We are to be vigilant for those who cause divisions among us and put obstacles in our way that are contrary to the Gospel (cf. Rom. 16:17). Let this be our special care so that we may always join our efforts and maintain our united front against those who wish to rend the multi-cultural, multi-ethnic, and multi-religious fabric of our society.

In this blessed season of the Prince of Peace, we renew our appeal for peace and for a humanitarian ceasefire so that the innocent victims of the present conflict may receive the essential help and care that they so desperately need. And we encourage the authorities of our region and of the world to do all in their power to bring a swift end to this conflict, prevent any escalation, and engage in a process of dialogue that will lead to lasting and robust peace and security for all our peoples.

As we keep this holy season, Your Beatitude, we pray that the Light that shines from the Holy Grotto of Bethlehem will illumine the darkness of this present time, and enlighten the hearts and minds of all to seek peace and pursue it (Ps. 34:14).

Christ is born!
Glorify him!”




رسالةُ صاحبِ الغبطةِ بطريرك المدينةِ المقدسةِ كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبةِ عيدِ الميلادِ المجيدِ في فلسطين

 

إِنَّنِي أُشاهِدُ سِرًّا غَرِيبًا بَاهِرًا،

المَغَارَةَ سَماءً وَاَلْعَذْراءَ عَرْشًا شاروبِيمْيًا

والمَذوِدَ مَحَلًّاً شَرِيفًا أُضْجِعَ فِيه

المَسيحُ الإِلَه غَيْرُ اَلْمَوْسوعِ فِي مَكانٍ، فَلْنُسبحْهُ مُعْظَمينَ.

(ارمس الأودية التاسعة من قانون الميلاد)

 

حقاً لقد رأتِ البشريةُ عندَ نهايةِ الأزمنةِ سراً غريباً باهراً كما يقولُ مرنمُ الكنيسة، في عهدِ أوكتافيوس أغسطس قيصر، إذْ عاينتْ تنازلَ اللهِ جلياً في بيتَ لحمَ، لقد حققَ اللهُ وعودَهُ للأنبياءِ إذْ “أرسلَ فداءً لشعبِه”. وهذا الفداءُ هوَ ابنُ اللهِ الوحيدِ وكلمتُهُ المساوي للآبِ في الجوهرِ. لهذا فإنَّ الآبَ سرَّ بأنْ يتجسدَ الابنُ وأنْ يأخذَ جسداً وصورةً بشريةً حيةً وعاقلةً من الروحِ القدسِ ومنَ الدائمةِ البتوليةِ مريم، كما علِمَ وشاءَ وارتضى ويقولُ الإنجيليُّ يوحنا وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا (يو 1: 14) لإجلِنا أَخلى ذَاتَهُ (في 2: 7). ولقدْ وُلِدَ في الَمغارةِ مُتنكراً واقتَبلَ الفقرَ الأقصى مولوداً في مغارةٍ مُضْجَعاً في مِذودٍ مُدْرجًا في الأقمطةِ وفي هذا الفقرِ ظَهرَ غِنى لاهوتِهِ متلالِئاً. لهذا فإنَّ السَّماءَ قدَّمتْ لهُ المجوسَ بواسِطةِ النّجمِ كبَاكورةِ الأُممِ. (وسَابقي الكنيسةِ) بحسبِ القديسِ يوحنا الذهبيِّ الفمّ. وملاكٌ من السماءِ أعلنَ مَولدَهُ للرّعاةِ السّاهرينَ وجُمهورُ الملائكةِ بشّروا بهِ منَ السماءِ بالتسبيحِ “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي الناس الْمَسَرَّةُ، معلنينَ بأنَّ مسرةَ اللهِ للبشرِ هي السَلامُ. هذا السَلامُ الإلهيُّ الذي يَفوقُ فهم العَقلِ يأتي إلى العالمِ بكلمةِ الله ِالمتجسدِ، يسوعَ المسيح؛ إنّهُ “رسولُ الرأيِ العظيمِ ورئيسُ السلامِ وشَمسُ البرِّ”. 

إنَّ الكَنيسةَ مؤسَسَةٌ على هذا الاعِلانِ الالهيِّ بشهادةِ شهودِ العيونِ والآذانِ في الكتبِ المقدسةِ، تُؤمنُ وتُبَشِّرُ أعَضاءَها في العَالمِ أَجمْع، بأنَّ المسيحَ هوَ الُمخلِصُ وفادي الجنسِ البشريّ، ِ لا كإنسانٍ مُؤَلّهٍ بلْ كَإلهٍ مُتأنّسٍ لأجلِ الخلاصِ أي تَأليهِ الإنسانِ. لقد انَحدرَ الله ُإلى الأرضِ ليرفعَ الإنسانَ إلى السماءِ حيثُ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ (في 3: 2) بحسبِ بولس الذي عبرَ إلى السّماواتِ. إنَّ آباءَ الكنيسةِ يَقولونَ دائمًا وبدونِ توقّفٍ بأنّهُ تأنَّسَ الإلهُ لكيْ يتألّهَ الإنسانُ. وأما القديسُ غريغوريوس بالاماس يُكرِزُ بأنّهُ تَمجدَ الجسدُ عِندما أَخذَهُ المسيحُ، ومَجدُ الألوهيةِ يُصِبحُ مجدَ الجَسَدِ. وبتأنُّسِهِ وصلبِهِ وقيامتِهِ منْ بينِ الأمواتِ وصعودِهِ، جَلسَ المسيحُ كإِلهٍ وإنسانٍ، عنْ يمينِ الآبِ مَع طبيعَتَهِ البشريّة التي أَخذها، أي “جسدَهُ” بحسبِ الآباءِ، وصَنعَ طريقَ التألّهِ لكلِّ المؤمنينَ بِهِ.

وبعدَ أنْ صَعِدَ المتأنسُ ربُّنا يسوعُ المسيحِ والمصلوبُ بالجَسَدِ والقائمُ من بينِ الأمواتِ إلى السّماواتِ، تَركَ على الأرْضِ الكَنيسةَ الذينَ همُ القديسونَ التلاميذُ والرسلُ وخلفاؤُهُم رؤساءُ الكهنةِ والكهنةُ والرعيةُ المسيحيةُ، لكي تُكمِلَ عملَهُ إلى الأبدِ، أي التَعليمَ والمُصالحةَ وتَقديسَ النّاسِ حتّى يعُمَّ ويسودَ على الأرضِ ما سُمِعَ في الليلةِ الأولى من ميلادِهِ: المجدُ للهِ في العلى وعلى الأرض ِالسلامُ وفي الناس المسرةُ.

 إنَّ الكَنيسةَ في كلِّ مَكانٍ في الأرضِ وبخاصةٍ كنيسةُ آوروشليم المباركةِ تُكرِزُ بهذا القولِ وتقومُ بهذا العملِ طَاعةً لمؤسِّسها، وإذْ تَخدُمُ في أمَاكِنِ ظُهورِهِ بالجسدِ، وأولُّها مَدينةُ بيتَ لحم. في كنيسةِ المهدِ القسطنطينيةِ الملوكيةِ، وفي هَذهِ الَمغارةِ البسيطةِ المتواضعةِ القَابلةِ للإلهِ سَتحتَفِلُ هَذهِ السَنةَ أيضاً أمُّ الكنائسِ مبتدئةً بآوروشليم، محافظةً على تقليدِها العريقِ منذُ أيامِ الزائرةِ الحاجةِ إيثريا وسَلَفِنا السعيدِ الذكرِ البطريرك صفرونيوس. وتَحتَفِلُ أيضاً هذهِ السَنةَ أمُّ الكنائسِ بِبَساطةٍ وتواضعٍ بدونِ مَظاهرِ الاحتفالِ، لأنَّ رَاحِيلَ أُخْرَى تَبْكي، على ضَحَايا الحربِ الُمدَمرةِ في غَزةَ وفي المنَاطِقِ الشَاسعةِ، وتُنَاشِدُ الكَنيسةُ حُكّامَ العَالمِ الذينَ لَديهِم القوّةُ والَمقدِرَةُ لِوقفِ الأعمَالِ الحربيّةِ العدائيّةِ منْ أجلِ حِمايةِ كُلِّ نَفْسٍ بَشريّةٍ؛ لأنَّها صورةُ اللهِ.

وإذ ممُتْلَئينَ بِفَرحِ ميلادِ المسيحِ نَتَقَدّمُ بِبركاتِنا وأدعيَتِنا البطريركيةِ والأبويّةِ إلى كلِّ منْ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ (1 يو 4 :2) وإلى زوارِنا الأتقياءِ وبالأخصِّ رعيتُنا التقيةِ في غزةَ ومع صلواتِنا لكيْ يبقى القديسُ بورفيريوس حَامياً للرَعيّةِ ولكلِّ منْ هُمْ في ضيقٍ ورُزءٍ شَديدٍ بِسببِ الحربِ المشْتعلةِ.

هَذِهِ الْحَرْبُ الَّتِي ارْتَقَى ضَحِيتَهَا الْآلاَفُ مِنَ الْمَدْنِيِّينَ، غَالِبِيتُهُم مِنَ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ، وَدُمِّرَتْ خِلَالَهَا أَحِيَاءُ سَكَنِيَّةٌ بِرُمْتِهَا، وَمَدَارِسُ وَمُسْتَشْفَياتٌ ودورُ عبادةٍ وَمَرَاكِزُ ثَقَافِيَّةٍ وَآثَارٌ تَارِيخِيَّةٌ، لِتَكُونَ شَاهِدًا عَلَى مَدَى الشَّرِّ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ الإِنسَانُ الظّالمُ. فَتَرَفَّعُ دَعَوَاتِنَا لِرَبِّنَا الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ المُباركِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ ملك ُ السَّلاَمِ، لِيَرْفَعَ الظُّلْمَ وَالْعَذَابَ عَنْ أَهْلِنَا فِي غَزَّةَ، وَيُمْنِحَهُمْ الأَمَانَ وَالسَّلاَمَ وَالطَّمَأْنِينَةَ، لِأَنَّنَا نَتَوَجَّعُ لِوَجْعِهِمْ، وَنَتَأَلَّمُ لآلامِهِم، وَمِنْ هَذَا الْمَنْطِقِ أَتَتْ دَعْوَتُنَا لِاقْتِصَارِ أَعِيادِ الْمِيلَادِ عَلَى الشُّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ فَقَطْ، فِي رِسَالَةِ وَحْدَةٍ وَتَكَاتُفٍ، لَيْسَتْ فَقَطْ لِأَهْلِنَا وَإِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا الْمُعَذَّبِينَ فِي غَزَّةَ بَلْ أَيْضًا رِسَالَةٌ إِلَى شعوب الْعَالَمِ، بِأَنَّنَا شَعْبٌ وَاحِدٌ يَعِيشُ نَفْسَ الأَلَامِ وَالآمَال.

تُبارِكُ كنيسةُ أوروشليمَ رَعِيَّتَهَا في الأرضِ الْمقدَّسَةِ، ونتوجهُ إلى فخَامةِ رئيسِ دولةِ فِلسطينَ الأبيةِ محمود عباس أبو مازن من خلالِ مُمَثِّلهِ معالي عضو اللجنةِ التنفيذيةِ لمنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ ورئيسِ اللجنةِ الرئاسيةِ العليا لشؤونِ الكنائسِ، معالي الدكتور رمزي خوري، وأيضاً إلى جلالةِ الملكِ عبدِ اللهِ الثاني، صاحبِ الوصايةِ الهاشميةِ على المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في الأراضي المُقدَّسةِ، من خلال مُمَثّلهِ معالي السفير عصام البدور، والى جميعِ الضيوفِ الكرام، قائلينَ: لقد شرفْتُمُونا بحضورِكُم عيدَنَا اليوم، مُتَمنيينَ لكم موفورَ الصحةِ والعافيةِ ، مُتضرعينَ إلى العليّ القديرِ أن يمنحَكَم جميعاً العمرَ المديدَ ليحصد َشعبنُا ثمرةَ نضال طويلٍ للوصولِ إلى دولةٍ فلسطينيةٍ حرةٍ مستقلة.                                                                                                     

في مدينةِ بيتَ لحمَ المقدَّسَةِ

عيدُ الميلادِ المجيدِ 2023

الدّاعي لَكُم بحرارةٍ للرَّبِّ

 

ثيوفيلوس الثالث

بطريرك أوروشليم