1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث الكلي الطوبى والجزيل الاحترام

ان ميلاد ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح أحدث تغييراً جوهرياً وأساسياً في مسيرة التاريخ الانساني ، ذلك لان الكلمة صار جسداً وحل بيننا ، فدعي الانسان الى حياة جديدة متجددة ملؤها التقديس والنعمة والبركة ومقاومة الشر والتيارات المادية والايديولوجيات الفلسفية التي تتنكر لوجود الله وأهمية الايمان به .

وان كل الايديولوجيات الفلسفية المادية الالحادية نقضت ووجهت عندما تجسد المسيح وأصبح انسانا كاملاً منزهاً عن الفساد متخذاً طبيعة بشرية وهو الاله الذي قبل الدهور .

وفي حديثنا عن الميلاد والتجسد “تجسد الاله الكلمة” نرى بانه يجب أن نبرز الهدف الذي من أجله تم هذا التجسد والذي من أجله تأنس المسيح وولد من أجل خلاصنا ، والهدف في مفهومنا اللاهوتي المسيحي هو أن التجسد تم من أجل أن يتحرر الانسان من كل رباطات الفساد والعبودية والنفاق ، وان تحرر الانسان المنشود من كافة أشكال الخطايا والآثام يمكنه أن يكون عندما يقبل الانسان الدعوة الالهية الموجهة اليه ويشترك بملء ارادته في دعوة المسيح الكلمة الموجهة الى كافة أبناء البشر من أجل حياة جديدة متجددة معه .

ولابد لنا من التنويه أن وجود الانسان في حالة الفساد والخطيئة ليس هذا هو الوضع الطبيعي للانسان الذي يريده الله له أي بكلام آخر الانسان لم يخلق ولم تعطى له نسمة الحياة لكي يكون فاسداً وشريراً وانما أن يكون مصدر بر وقداسة وخير ، وبما أن الله هو الخالق فان مصدر الانسان هو الله ينبوع الحياة وعندما يكون مصدر الانسان الله تبارك وتعالى حينئذ تكون هذه الخليقة مباركة ومدعوة الى الكمال والتقديس .

ولكن ويا للاسف فان الانسان سقط بمحض ارادته وجعل من نفسه عرضةً للفساد والاثم والوقوع بالخطيئة وهذا يعني أن الانسان سقط بمحض ارادته وبحريته الكاملة اذ انه لم يسمع كلام الله وتصرف بانانية وعجرفة وغرور .

الى ان جاء ميلاد المسيح فتقدس الزمان والمكان ودعي الانسان الخاطئ الى النهوض من كبوته وانتشاله من ادران الخطيئة والموت وتأهيله لنيل نعم الملكوت والخلاص ، فما أعظم تدبير الله الذي اراد الا يبقى الانسان في حالة السقوط وقد جاء ميلاد المسيح من العذراء البتول النقية مريم فتاة ناصرة الجليل لكي يكون بداية عهد جديد للانسانية المعذبة .

وبعد الميلاد تأتي معمودية المسيح وهو العيد الذي نسميه بالظهور الالهي أو عيد الغطاس وقد تمت هذه المعمودية من يوحنا السابق في نهر الاردن في مكان نعرفه تاريخياً يذكرنا بهذا الحدث العظيم ، والحديث عن معمودية المسيح يقودنا الى ابراز بعدان هامان في هذا الحدث الهام الاول هو انه عندما تعمد يسوع في نهر الاردن ظهر الاله المثلث الاقانيم الاب والابن والروح القدس فالاب سمع صوته من السماء يقول : هذا هو ابني الحبيب ، والابن كان في الماء مقتبلا المعمودية من يوحنا والروح القدس كان نازلاً على هيئة حمامة ، لذلك وبحق يسمى هذا العيد بالظهور الالهي لانه ظهور لالهنا المثلث الاقانيم ، اما البعد الثاني فهو الهدف من هذه المعمودية اذ اراد المسيح وهو المنزه عن الفساد من حيث طبيعته البشرية اراد ان يقول للانسان بان نقائك من الخطيئة ومن ادرانها وامراضها يتم بواسطة المعمودية والمعمودية فيها عناصر طبيعية كالماء مثلا الذي في نهر الاردن ولكن فعالية التنقية التي للثالوث الاقدس هي تقدس الطبيعة وما فيها وتبارك الطبيعة الانسانية لان ما يتقدس في الانسان بالمعمودية هو الجسد والروح ففي العماد يتقدس الماء ويتحول بنعمة الله اداة للتطهير والتنقية .

لقد اقتبل المسيح المعمودية لكي يرسم لنا بواسطتها طريق الخلاص ولكي يوضح لنا الاساليب التي يجب ان تتبعها وتطبقها الكنيسة من أجل خلاص الانسانية هذا الخلاص الذي طريقه الاوحد يتمثل بالايمان بالرب يسوع المسيح والسير على هديه وفق تعاليمه السامية .

وكنيسة المسيح لم تخترع أشياء لكي تمارسها ولكنها استلمت الوديعة فحافظة عليها وممارستها لسر المعمودية جائت تطبيقاً للكلام الالهي اذ ان ظهور الاله المثلث الاقانيم للعالم ابرز لنا الطريقة التي بواسطتها يمكن ان يتم خلاصنا وتقديسنا والكنيسة تحافظ بكل امانة على تقاليدها المقدسة الشريفة التي مصدرها ليس البشر وانما الله المثلث الاقانيم ، والكنيسة تعتقد بان اشتراكنا وتفاعلنا في اسرارها هو الذي يؤلهنا ويرفعنا الى العلى .

ان انساننا اليوم عندما يقتبل المعمودية المقدسة والميرون المقدس انما تنسكب عليه نعم الروح القدس بغزارة والروح القدوس هو روح المسيح الرب ، ولكي نفهم معنى المعمودية في حياتنا وفي ولوجنا من مرحلة الموت والخطيئة الى مرحلة الخلاص لابد لنا ان نتأمل بايمان وخشوع عميقين ظهور الرب على المياه وهو ظهور هادف للتقديس والبركة والنعمة .

وبعد معمودية المسيح تأتي عظاته وكلماته الخالدات والتعليم المسيحي الذي ارسى قواعده وكذلك معجزاته التي تدل على حنانه ورأفته بالانسانية ويأتي بعدئذ صعوده الى السماء وبعد الصعود الالهي وتحديدا في يوم العنصرة الخمسيني انسكبت نعمة الروح القدس على التلاميذ والرسل الاطهار في يوم يوصف بانه يوم ميلاد الكنيسة وهذه النعمة التي انسكبت في اليوم الخمسين هي ختم موهبة الروح القدس الموجودة في كنيسة الرب وهي النعمة والبركة التي نأخذها عندما نتمم سر المعمودية المقدسة وبهذا السر ندخل الى عضوية الكنيسة فنكون اعضاء كاملين في جسد الكنيسة الذي هو جسد المسيح .

ان المعمودية المقدسة شرط اساسي للدخول الى احضان الكنيسة وهي البيعة المقدسة التي اختارها المسيح له والتنقية هي من ثمار الروح القدس فبالمعمودية نتنقى وتزول عنا اثار الخطيئة الجدية وتداعياها كما ان الروح القدس حاضر بغزارة في كافة الاسرار المقدسة ومنها الميرون ، الشكر الالهي ، التوبة وغيرها ، وهذه الاسرار هي ادوات للنهوض بهذا العالم من الفساد والخطيئة .

في الكنيسة الاولى كان عيد الميلاد وعيد الظهور الالهي عيداً واحداً لماذا؟ لانه في كلتا الحالتين هنالك ظهور للمسيح الاول في مذود المغارة والثاني في نهر الاردن ، وظهور المسيح في الطبيعة انما يهدف الى تقديسها وانتشالها من الموت المحدق بها .
وفي هذا الموسم الشريف الذي نمر به نرفع الدعاء الى الله طالبين بان تنسكب نعمه الالهية وبركات الثالوث القدوس في هذا العالم لان الله هو نور الحق ونور المحبة ونور الحرية وبه تستنير الخليقة باسرها وما نتمناه بنوع خاص هو ان ينير الله قلوب وعقول وضمائر كافة الحكام الذين يوجهون مصائر الشعوب والامم لكي يقودوا هذا العالم الى المحبة والعدل والسلام لان الهنا هو اله العدل والمحبة والسلام وهو محب للبشر ويريد خلاص كل ابناء البشر لان الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله .

وكل عام وأنتم بخير وأعياد مجيدة ملؤها المحبة والسلام والخير .

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون