1

كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد البشارة في الناصرة

“اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي منذ الدهور”

أبناءنا الاحباء بالرب …

اليوم تحتفي كنيستنا ببدء “رأس خلاصنا” . فقد بدأ سر خلاصنا بكامله بواسطة بشارة كلية القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم . ففي بشارة والدة الاله حبل بكلمة الله الكلي القدرة الذي لا يوصف بواسطة الروح القدس في بطن والدة الاله ، كانسان تام بنفس عقلية ومنطقية وجسم تام بجسد وعظام . وصار أعظم سر من أسرار كل الدهور : فالخالق والجابل للكل ، ابن الله وكلمته اتخذ الطبيعة الانسانية المريضة للانسان لكي يخلصها من الخطيئة من جهة ، أي فساد النفس ، والموت من جهة اخرى أعني فساد الجسم . وقد اكتمل عمل خلاصنا بعد صعود المسيح واليوم الخمسيني .

وفي ذلك الحين ، وبفضل التنازل الالهي الاقدس من أن يذكر ومحبة الله التي لا توصف ، توجد طبيعتنا البشرية بكاملها – في شخص يسوع المسيح ، بعد صعوده – على عرش ألوهية الثالوث الاقدس ، ومن هنا انتشرت بالروح القدس كل نعم الثالوث الاقدس المفيدة للمسيحيين بواسطة الاسرار المقدسة، عندما يكون هؤلاء مستعدين لممارسة الفضائل المقدسة . لكن ، لما كان ذلك غير ممكن بدون تأنس كلمة الله ، الذي تجسد من الروح القدس في أحشاء والدة الاله الكلية الطهارة ، حتى اليوم . لانه كما أن الانسان الاول ، آدم ، خلق من الارض وكان ترابياً ، هكذا وجب أن يولد آدم الجديد، يسوع المسيح بواسطة الروح القدس ، حتى لا يرث الوصمة ، نتائج خطيئة الآباء الاجداد .

إن هذا السر هو “السر الذي منذ الدهور” وما قبل الدهور ، لان الثالوث الاقدس سبق وعرف منذ الدهور ، بأن الانسان سيسقط من الفردوس الى الخطيئة ، ولذلك سبق وخطط وعرف منذ الدهور تأنس كلمة الله . لذلك ابتهج الثالوث الاقدس منذ الدهور من أجل الكلية القداسة والدة الاله ، التي بما أنه لديها كمال الارادة وخاصة التواضع، فقد أسبغ الله عليها نعماً كثبرة ، لدرجة فريدة من قبل الله ، كما يظهر من أقوال رئيس الملائكة جبرائيل : “افرحي أيتها المنعم عليها ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء” . إن خلاصنا ليس ببساطة معرفة مشيئة الله بواسطة الكتب المقدسة ، ولا تبريراً خارجياً من قاض ما ، الله – لانه حينئذ لا يلزم ان يصبح الكلمة انساناً – بل هو معمودية طبيعتنا في نعمة الله ، التي تطهر النفس والجسم من رجس الخطيئة والفساد ، كالنار التي تنقي قطعة حديد تحرق من الصدى . هذا ما فعله المسيح بذاته ناشراً نعمة الله المفيدة للطبيعة البشرية من أجل ذاته. لذلك يقول الكتاب المقدس بأنه وجب أن يصير المسيح انساناً في كل شيء مماثلاً للبشر بدون خطايا حتى بذاته يقوم كرئيس كهنة بتضحيته دافعاً طبيعتنا الى الالوهية .

لم يحبل بالعذراء من والديها بلا دنس ، ولم يعلم بذلك أي قديس من قديسي الكنيسة . فان اعترفنا بذلك فاننا نكون بذلك قد قللنا من قداسة الكلية القداسة ، لانه هكذا ستكون قديسة بدون جهادها الشخصي نحو الفضيلة ، فقط بسبب الحبل بلا دنس . لكن نعمة الله نجت والدة الاله من الدنس ما قبل الابوي ، فقط يوم البشارة ، وليس اثناء حبلها . عاشت والدة الله قبل البشارة داخل هيكل سليمان لمدة اثنتي عشرة سنة كناسكة ونالت بعون الله فضائل نادرة . تعلم الكنيسة الارثوذكسية ان جهاد والدة الاله كان هاماً ، حتى انها لم تخطىء أبداً ، وان قداستها هي الان عظيمة ، حتى ولو انتهى الناس الى الهلاك ، لكن قداسة والدة الاله كافية لان تبرهن بان خلق الانسان من الله لم يصر عبثاً .

إن الكنيسة تكرم ، بشكل خاص والدة الاله ، لانه بدونها لكان من غير الممكن تأنس المخلص وخلاصنا وإفتقادنا ، وخاصة تواضعها وطاعتها المطلقة وثقتها بالله ، حسب قولها : “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي بحسب قولك” ، فقد جذبت نعمة الله إليها ووازنت عدم طاعة حواء وكبريائها .

فلنكرم ، اليوم ، والدة الاله كلية الطهارة ، كما هي نبؤة ووصية الكتاب المقدس “لانه منذ الان تطوبني سائر الاجيال” . لو حل النبي موسى حذاءه وسجد للعليقة المشتعلة ، لانه اقتبل لهب الالوهية ، كم بالاحرى سنسجد نحن لوالدة الاله ، طالما اقتبلت هذه في داخلها الاله نفسه ؟ فلنطلب شفاعاتها المقدسة ، التي تقنع الله ، لانه لو كان الرب قد استثنى مشيئته من صلاة النبي موسى ، كم بالاحرى أن يستثنيها من أمه القديسة ، التي هي “مباركة في النساء” ، اعني فوق كل النساء .

ان مدينة الناصرة التي كانت بالاحرى غير هامة كلياً بدون ربطها بالبشارة ، فبفضل والدة الاله اتخذت مكانة خاصة في مشروع العناية الالهية قبل الدهور وبعد ذلك في التاريخ البشري واصبحت للاخلاق شاهداً لحدث البشارة وكل سر التدبير . هذا يمكن ان يمنح أهل الناصرة الاتقياء الامل بان والدة الاله التي وجدت في الناصرة ملجأ من أعداء ابنها يسوع . سترد هذه النعمه الى الرعية المسيحية في الناصرة . فبشفاعاتها المقدسة ايها المسيح الاله ارحمنا وخلصنا ، آمين .