1

إفرحوا اليوم وإبتهجوا

في هذا اليوم تفرح الأرض وتتجدد الخليقة، ويُقهر الموت، وانحلت عقالاتً الموتى الأسرى المقيدين منذ الدهر في الجحيم . في هذا اليوم تبزغ أنوار القيامة، فتبدد الظلام، وتسحق أرواح الشرّ . عيد القيامة هو عيد تجديد الحياة، وعيدً الفرح والسرور . في هذا اليوم يهتف كلّ مسيحي أمس قد دًفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك، لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض، وليعيّد العالم كلّ ما يرى وما لا يرى، لأن المسيح، السرور الأبدي قد قام .

في هذا اليوم ننزع عنّا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الخديعة، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ والقداسة . في هذا اليوم نذوق حلاوة المسيح، نأكل ونشرب دمه . “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ” . لنكون معه جميعاً واحداً، وهو في كلّ واحد منا . في هذا اليوم نشارك عصير الكرمة الجديد . نحن جماعة أفخارستية، جماعة يوحّدها سرّ الشكر . نأكل جسد المسيح، ونشرب دمه، ليثبت فينا ونحن نثبت فيه . ألم يقل المسيح : “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا أثبت فيه” .

إنّ عظة الذهبي الفم تعبّر كلّ التعبير عن معنى العيد الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكلّ يوم أحد هو عيد . يقول الذهبي الفم : أدخلوا إذن كلّكم إلى فرح ربنا . أيها الأوّلون والآخرون، تمتّعوا بالجزاء . أيها الأغنياء والفقراء، عيّدوا معاً. أيها الممسكون والمتوانون، كرّموا هذا النهار . أيها الذين صاموا والذين لم يصوموا، إفرحوا اليوم، المائدة حافلةٌ، فتنعموا كلّكم . العجل سمين، فلا يخرج أحد جائعاً، تمتّعوا كلّكم بوفرة الصلاح .

إن الموت الذي استعبد الإنسان منذ سقطة آدم, والذي حرمه من صداقة الله ونعمه، دُحر نهائياً بالقيامة . وهكذا انبلج نورٌ جديدٌ في العالم . هذا النور نفسه الذي انبلج في الميلاد والعماد والتجلي، ينبلج اليوم نورُ حقيقة المصالحة التي تمت بين الله والإنسان وأخيه الإنسان . إنما هذا النور لا يمكن للإنسان أن يدنو منه إلاّ بالإرتداد إلى الله والتوبة والبعد عن الخطيئة . لنطهرن حواسنا، فنعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه .

القيامة هي أيضاً ينبوع فرح وسلام . لتفرح السماوات بحقّ، وتبتهج الأرض . هل في العالم سلام؟ هل في العالم فرح؟ في العالم اليوم ظلم وسفك دماء، وتشريد واغتصاب أرض وبشر وأملاك . لذلك نقف اليوم برعدة وخوف، ونصلي إلى القائم من الموت بذات سلطانه، أن يُنعم على العالم بالسلام لا سيما في هذه الأرض المقدسة، أطفالٌ يعذبون ويجوعون، ونساء تغتصب، وأملاك تُدّمَر . لذا فالمسيح سيبقى معلقاً على خشبة الصليب ما دام في العالم ظلم وانتهاك حرمات . المسيح يصلب مع كلّ متألم ومطرود من أرضه، يتألم مع المبعدين من بيوتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم . ولا يقوم إلاّ متى عاد الحقّ إلى نصابه . ألا قُم يا الله، وأحكم في الأرض, وفي كلّ بقعة منها .

ألا فليشرق يا ربّ نور قيامتك علينا جميعاً، كي نستنير بنور الله وهدايته .

المسيح قام حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير

ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون