1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الشهيد جاورجيوس اللابس الظفر مدينة عكا 6/5/2006

“أما الأتقياء فيحيون إلى الأبد . يجازيهم الرب خيراً ، وبهم يهتم العلي .”

أيها الأباء الأجلاء
أيها الأبناء الروحيون الأحباء بالرب

إننا بنعمة الله نجتمع اليوم هنا في هذه الكنيسة المقدسة كي نكرم شهيدنا العظيم المجترح العجائب القديس جاورجيوس ونقيم ذكراه العطرة في إحتفالنا الكنسي الكبير هذا وهو احتفال شعبي في نفس الوقت ، وإن بطولة قديسنا العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر وانتصاراته لم تكن حربيةً وإنما كانت انتصاراتٌٍ روحية بإمتياز ، إذ أنه ظهر شجاعاً من بين تلاميذ الرب ، وسيرته العطرة أصبحت نوراً بهياً ينير هذه الأرض المقدسة، فهو معروف في كل مكان وهو عونٌ للجميع وعزاءٌ للمهشمين والفقراء ومحررٌ للمأسورين وطبيبٌ للمرضى ومكافحٌ ومجاهدٌ في المصائب والمصاعب .

لقد كان قديسنا جاورجيوس العظيم قائداً من قادة الامبراطور ذيوكلتيانوس تميز ببطولته وبسالته التي بفضلها كرّمه هذا الامبراطور الذي كان وثنياً ، وقد أعطى القديس جاورجيوس مثالاً متميزاً في التفاني والتضحية والعطاء والطاعة ، وإنه لمن الأهمية بمكان وبنوع خاص في يومنا الحاضر أن نسعى لكي يكون قديسنا جاورجيوس مثالاً حياً بالنسبة إلينا في حياتنا في هذا العصر الذي فيه الكثير من الحروب والعنف وسفك الدماء البريئة ، وإن الكنيسة كونها جسد المسيح الموجه من قبل الروح القدس “روح المسيح” إذ أنار هذا الروح الالهي القدوس عقول وقلوب المدافعين عن الايمان المسيحي مثل القديس جاورجيوس وقد كان هذا بمساعدة الروح القدس روح سلام المسيح وقيامته الذي غلب بواسطته القديسون قوة الظلام والفساد والموت . ولذلك فإن كنيستنا تعتبر أن سلاح الشهداء هو السلاح الروحي حسب الرسول بولس ، والقديس جاورجيوس الذي نكرمه اليوم والذي ولد من أم من هذه الأرض المقدسة ، نكرمه لأنه تميز بإستعماله السلاح الروحي بالمسيح ، وبشجاعته في ميدان الدفاع عن الحقيقة الإيمانية بالمسيح ، وتمسكه الصلب بقيم العدل ، إن القديس جاورجيوس تميز بأنه جندي شجاع ضد أعداءه ، فإنه يخضع الان للموت بالسيف ولكن موت القديس جاورجيوس بالسيف هو موت بالمسيح ، وموت المسيح هو الذي جرى من أجل خلاص الجنس البشري ، وهو الموت الذي تجسد بتضحية والآم المسيح على الصليب فاتحاً لنا مناهج الحرية ومرشداً إيانا الى طريق الخلاص .

لقد تعرض قديسنا العظيم جاورجيوس لحرب واضطهاد شرسين عندما طلب منه ان يتنكر للمسيح وامره الامبراطور أن يسجد للاوثان فهذه الحرب وهذا الاضطهاد الذي تعرض له قديسنا جاورجيوس انما هو صورة واضحة على أن هذه الحرب هي حرب روحية من أجل ازالة الظلم وحلول العدالة المنشودة ، وهذه الحرب الروحية لا تطلب مهارة طبيعية بل ارادة صلبة وهي أن نحب الله حتى الموت ومن أحب الله أحب أخيه الانسان وهذا عمل بطولي يحتاج الى نكران للذات ومقاومة للانا والغرور والعجرفة ومقاومة النزوات والشهوات الخبيثة . فهؤلاء هم أبطال الإيمان الذين انتصروا على قوة الشر وعلى الكذب والنفاق والشهوات البشرية الدنيوية ، ولذلك فقد رفعتهم الكنيسة الى مصاف الشهداء القديسين وبشكل خاص ومميز القديس جاورجيوس ، ذلك لان نعمة الله التي تقوي من يجاهدون من أجل المسيح هي التي قوت القديس جاورجيوس أيضاَ فجعلته يجتاز ببطولة عذابات رهيبة بصبر وثبات ولعلنا نجد في سيرة القديس جاورجيوس والشهداء الباقين استمراراً لشهادة اولائك الذين هم شهداء العهد القديم المكابيين الذين جاهدوا دفاعاً عن الحقيقة ومقاومة للوثنية وتعدد الالهة ، وهكذا بواسطة دماء القديسين الزكية تمكنت الكنيسة من مواجهة الوثنية الغاشمة ، وقد حافظت الكنيسة هنا في فينيقية على مراكز هامة كثيرة وكان أحد هذه المراكز الهامة مدينة بتوليماييس التاريخية المعروفة اليوم بمدينة عكا وهكذا فان الشعوب التي سكنتها عبر الازمنة وجدت هذا المكان خالياً ونقياً من بدعة عبادة الاوثان الكاذبة ، وبالاضافة الى ذلك فان جهاد القديس جاورجيوس لم يكن صراعاً عاماً ونظرياً ضد الوثنية فحسب ولكنه كان وبوضوح من أجل محبة المسيح.

فبعد عودته وبطريقة عجائبية الى وضعه الصحي الطبيعي بعد كل ما لاقاه من عذابات واضطهادات عمل على ارشاد الناس أجمعين الى المسيح حتى أن الارواح الشيطانية الشريرة العاملة بواسطة الاوثان كانت تعترف حسبما هو مدون في سيرة حياته بأن “الله وحده هو المسيح” .
إن سيرة قديسنا العظيم جاورجيوس تشع هنا منذ سبعة عشر قرناً وسيبقى هذا الاشعاع الروحي دائماً ومستمراً لأن سيرته الطاهرة كانت سيرةً مليئةً بنور الله وبره وكما يقول الكتاب المقدس : “ذكر الصديق الى الأبد” فإن قداسة القديسين كما تعتقد كنيستنا الارثوذكسية المقدسة لا ترتكز فقط على الاعمال الحسنة بل على شركة الروح القدس وعلى اشتراكهم بنور الله الذي لا ينطفىء على الاطلاق لانه في ملكوت الله “لن يكون ليلٌ هناك” (رؤيا يوحنا اللاهوتي 5:22) وكما يقول كاتب التسابيح الكنسية “إن القديس جاورجيوس يشع بكل نور الثالوث ومن نور الثالوث الاقدس هذا ينشر القديس عجائبه حتى يفرح معه جميع محبيه” ، وإن القديس جاورجيوس أصبح شريكاً لملكوت الله وهذا ما تشهد به له ذخائره الطاهرة المحفوظة التي تنشر عطر محبة الله ورائحة قيامة المسيح الزكية والتي تشكل كنزاً وإرثاً بأن ملكوت الله وقيامة المسيح هما الحقيقة التي نترجاها ونتوق اليها جميعاً ، إنها النصر والغلبة ضد موتنا وخطيئتنا وقد منحنا القديس جاورجيوس فرحاً عظيماً إذ أصبحت حياته تجسيداً للمحبة .

إذاً فلنطلب شفاعة قديسنا المكرم اليوم وهو قديس الله الحامي ومجترح العجائب من أجل حماية هذه المدينة وسكانها جميعاً ومن أجل السلاح والعدل والوئام والسعادة لكل العالم وخاصةً هذه البقعة المقدسة سائلينه تعالى الرحمة لكل التائقين للخلاص والعائشين بايمان وخوف الله ولتكن نعمة الله معكم وشفاعات قديسنا جاورجيوس مرافقة اياكم أجمعين ، أمين .

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون