1

بسم الآب والإبن والروح القدس

الإصحاح السادس من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس تقول: “أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم؟… فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي الله”.

والصيام هو تمجيد الله في الجسد، وهو أيضاً جزء من العبادة تنمو فيه الروح. والصيام ليس فقط الإمتناع عن الطعام والشراب، فالصيام بمفهومنا الأرثوذكسي هو الإمتناع عن ما هو دنيوي وتكريس حياتنا لما هو لله.

وفي الصيام نعمةٌ من الله، ويقول القديس نيقولا “عندما يكتشف المرء النعمة التي تأتيه عبر الصيام، فإنه سيسعى لأن يصوم أكثر وأكثر، والنعمُ التي تأتي عبر الصيام لا حصر لها”.

واليوم وعلى مأدُبة الإفطار هذه في شهر الصيام لدى إخوتنا وأخواتنا المسلمين نؤكد على ضرورة تكريس حياتنا لله وعلى تحقيق مشيئته وشكره وتمجيده على نعمه الكثيرة. وما أفضل من مدينة القدس لإطلاق رسالتنا هذه. مدينة الأنبياء، ومنبع الحضارات، ورمز التعايش المسيحي – الإسلامي بجميع بني البشر. فعلاقاتنا الأخوية، التي أسّسها الخليفة عمر بن الخطاب والبطريرك الأرثوذكسي صفرونيوس من خلال العهدة العمرية تتجسد يومياً بوحدة همومنا، ووحدة آلآمنا، ووحدة طريقنا نحو مستقبل أفضل لأجيال قادمة تنعم بزمن خيرٌ من زمننا، زمنٌ يحل فيه السلام والخير على جميع أبناء البشر في هذه البقعة المقدسة من الأرض التي إختارها الله مدينةً لأنبيائه.

إنه من هذه المدينة فقط ينبعث السلام الدائم، فمتى نعمت القدس بالسلام، نعم العالم به، ومتى إضظربت القدس، إضطرب العالم. كيف لا وهي مهد الديانات؟ يؤلمنا ما تعاني منه القدس اليوم، ويؤلمنا ونحن نرى أن البعض يعاملها وكأنها ورقة مفاوضات أو مساومات، ويؤلمنا ونحن نراها تتمزق أمام أعيننا تحت أقدام الفاسقين. وليس هناك إلا طريق واحد لإنقاذ القدس من معاناتها وخلاصنا من آلآمنا وهو طريق الله. وطريق الله يكون بتكريس حياتنا له وبتحقيق مشيئته بالمحبة والتآخي ونبذ الفتن ووأدُها وتعاملنا مع بعضنا البعض كإخوة أتوا من رحم واحد، كل قلبه على الآخر، وكلٌ يعمل لما فيه خير الآخر وحينها فقط ننقذ القدس من آلآمها وننقذ أنفسنا من شر أنفسنا، وفي هذا الشهر الفضيل ومن قلب المدينة المقدسة، نطلق صرحة المحبة والسلام. لعلنا نحتفل العام القادم وقد زالت آلآمنا بفضل الله الكريم.

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون