1

كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة لسنة 2007

” تعالوا نذهب إلى بيت لحم لنرى هذا الحدث الذي أخبرنا به الرب”
(لوقا 15:2)

إن كانت خليقة العالم وجبلة الإنسان من قبل الله في القديم، تشكّل الأساس لبدء ظهور محبته للإنسان وتحديد العالم والإنسان منذ قديم الزمان بواسطة إبنه الوحيد، فهي أيضاً تُشكّل تتويجاً لهذه المحبة الإلهية.

وإذ تحّرك الله الآب في أواخر الدهور إنطلاقاً من محبته الفائقة نحو جبلة يديه وعدم تحمله رؤيته يتعذب من الشيطان، وقد ظهرت هذه المحبة ليس بالشكليات والرموز فحسب وإنما بواسطة إبنه الوحيد. فالإله ذاته يسوع المسيح يتخذ الجوهر الإنساني دون أن تتغير الطبيعتان الإلهية والإنسانية ليصير إنساناً كاملاً. وهو يتأنس ويتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. وينزل من السماء آتٍ إلى الأرض، كي يُصعد الإنسان إلى السماء.

حقاً إن هذا السر العجيب والعظيم لتأنس إلهنا الذي بشّر به الملاك في ناصرة الجليل بأنه سيتأنس من الدماء الطاهرة في أحشاء العذراء القديسة والذي تم بولادتها لإبنها البكر في بيت لحم المقدسة وقد ظهر للناس في عهد اوغسطس قيصر في بيت لحم هذه التي ليست الصغرى بين مدن يهوذا (ميخا 2:5) وفي هذه المغارة القابلة الإله وفي تلك الليلة ليلة الإكتتاب لأنه لم يكن هناك مكان في الفندق (لوقا 7:2) بعيداً عن عيون هيرودوسيّ العالم الأقوياء ولكن أمام أعين والدة الإله الطاهرة ويوسف خطيبها وأمام الطبيعة الصامتة غير الناطقة قمطّ مخلص العالم يسوع المسيح واضجع في مذود (لوقا 7:2).

وقد اضيف إلى هؤلاء الشهود أناس آخرون وهم رعاة ساهرون سمعوا الملائكة في السماء يرتلون “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” (لوقا 14-13:2) وإذ أرسلوا إلى بيت لحم ليروا هذا الحدث الذي أخبرهم به الرب (لوقا 15:2) وغير هؤلاء المجوس أيضاً الحكماء وملوك الفرس (متى 1:2) الذين أتوا يرشدهم نجم من المشرق (متى 2:2) وسجدوا للملك وقدموا له هدايا التقوى ذهباً ولباناً ومراً (متى 9:2-11) وفيما بعد عادوا إلى ديارهم(متى 12:2) غير أبهين بهيرودوس الذي غضب جداً وأمر بقتل الأطفال الأبرار، وقد تأنس المسيح وولد وكان حدثاً بالغ الأهمية وقد تلاه حدث الصليب وقيامته وصعوده وحلول الروح القدس وقد تأسست في أنحاء المسكونة كنيسة واحدة مقدسة جامعة ورسولية. وبالأخص كنيسة أم الكنائس في القدس التي حافظت على هذه الأماكن الشريفة التي ظهرت فيها محبة الله لنا وهي تعمل على المحافظة عليها. فهذه الكنيسة مع رهبانها هي التي أقامت كنيسة باسيليكي ميلاد المسيح وهي تكرز بإيمان للحقيقة التي ظهرت للإنسان وتسجد وتعبد الله باستقامة ايمان.

اليوم في هذه الأوقات الصعبة للأنسانية حيث مظاهر التعصب الديني والعرقي، والعنف، وسفك الدماء، والحرب، والإرهاب فإن كنيستنا تشهد للمسيح معلم السلام المتجسد والمتأنس والذي فيما كان ملفوفاً بالأقماط كان مضطهداً ونادى بالسلام محل العنف والمحبة محل الكراهية، وعمل الخير بدلاً من انكار الجميل مقدماً نفسه ضحيةً شافياً الإنسان من جرحه الكبير. وقد أظهر ذلك كمعالجة وحل للمشاكل البشرية، كهادم للجدار والحاجز الذي يفصل عائلات ومدناً وأمماً وشعوباً بصفته حامي الفقراء والمظلومين والمستغلين والعاطلين عن العمل. وبصفته مغذٍ للجياع وذوي الحاجات. وتتبع الكنيسة بصفتها جسده هذا المثل، تشفي جراح شعبها وجميع الجرحى بلا إستثناء في الجنس أو اللغة أو الدين.

إن رسالة الميلاد هذه نطلقها الى كافة أرجاء الدنيا وخاصةً الى أبناء رعيتنا القاطنين في كل مكان وخاصةً اولئك الذين يقيمون في اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية كما ان رسالة الميلاد هذه نوجهها الى كافة أبناء الشعب الفلسطيني هذا الشعب الذي يعيش اوقاتاً حرجة وفي ظروف معقدة وصعبة ومعروفة مع تمنياتنا وادعيتنا بان يمن الرب الإله بالصحة والعافية والتوفيق على سيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لكي يواصل جهوده الهادفة الى تحقيق طموحات شعبه الوطنية من أجل حياة فيها الحرية والإستقلال والعدل والسلام والتقدم والرفاهية، وهي أمور يريدها الله لكل شعب في هذه الأرض.

وكــــــــــــــــــل عــــــــــــــــام وانـتـــــــــــــم بـخيــــــــــــــــر.

الداعي لبنوتكم بالرب الفادي يسوع

ثيوفيلوس الثالث

بطريرك المدينة المقدسة

مدينة بيت لحم المقدسة عيد الميلاد عام 2007

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون