1

كلمة غبطة البطريرك أمام اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي

نتقدم لكم جميعاً بالشكر و التقدير لدعوتنا للمشاركة في هذا المؤتمر الهام، كما نود و باسم البطريركية أن نعبّر عن تقديرينا لكل من شارك في هذا اللقاء المتميز، كما نبارك هذا المجهود الكبير و القائمين عليه لأنه يُشكّل خطوة كبيرة في سبيل توحيد كلمة الروم الأرثوذكس في البلاد، و يُنذر بدء مرحلة جديدة من التعاون، و يُنهي قضية استغلال عنوان اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي كمنبر لتسويق الأجندات الشخصية بدون وجه حق.

فاليوم نشهد لشرعية اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي التي إنتُخِبت ديمقراطياً من قبل أبناء كنيستنا الأرثوذكسية و نأمل أن تتشكل أجسام متكاملة معها و معاونة لها في المملكة الأردنية الهاشمية و الأراضي الفلسطينية لما يمثله من انجاز كبير في ظل حملات التحريض الرافضة للديمقراطية و الشرعية. كما نؤكد أن المجلس المختلط يحتاج الى امتداد للروح الايجابية الوحدوية هذه ، فبعد الخطوات الايجابية التي اتخذناها في هذا السياق بقرار من المجمع المقدّس في ايار 2007، فإننا نرى في وحدة الصف الأرثوذكسي المخرج الأمثل لاعادة تفعيله و نعد بالمساندة لايماننا بأهمية تشكيل هذا الجسم و مشاركة الرعية في تحمل المسؤولية.

إن الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المقدسة يواجه العديد من المخاطر، وقد تَضائل عدده خلال القرن الماضي بشكل مؤسف بسبب العديد من العوامل أهمها الحروب و انعدام الاستقرار السياسي و ما تبعه من تدهور اقتصادي و اجتماعي. لكن هذه العوامل لم تُغيير قط من حقيقة أن مسيحيي الأراضي المقدسة و خاصة أصحاب الطريق القويم هم جزء لا يتجزاء من المجتمع و يشكلون عنصر أساسي من تكوين نسيجه لما يمثلوه من فاعلية اجتماعية و حضور متمييز في مختلف مشارب الحياة. وكل ذلك مسنود على تراث و حضارة و ثقافة ممتدة الجذور الى الفي عام قضت. كما أن وجود كنيسة أرثوذكسية قوية و فاعلة يزيد من هذا الزخم المسيحي الذي يتحدى النسبة العددية القليلة، ونقول لكم أن كنيستنا الأم تُطوّر مؤسساتها لدعم هذا الوجود، و الواقع يُثبت أن كنيستنا الأرثوذكسية هي عنوان لكل المسيحيين، و زهرة مدائنهم القدس. و قد أثبت الزمن أننا نمد يدنا لتعاون مع كل من يسعى للحفاظ عليها و على مقدساتها و خاصة الإسلامية و المسيحية. و اليوم نرى البطريركية ناشطةً في مجال حوار الأديان و دعم جميع المبادرات لتحقيق السلام العادل و الشامل في ديارنا المقدسة. و ستظل أبداً متراس الدفاع الأول و الأقوى عن مسيحيي المشرق.

و من بين المخاطر التي تستهدف وجودنا الأرثوذكسي في الأراضي المقدسة هو التهافت الملفت لأفكار و ايديلوجيات غريبة على مجتمعنا بحيث تتستر باسم الانتماء للمسيحية و هي في واقع الأمر غريبة عن معتقداتنا الحقة، وتدخل الى بيوت الناس لتطرح جزيئات الأمور و تحاول أن تَحرف أنظارهم وقلوبهم عمّا هو هام و أساسي في عقيدتنا. ونطلب من الرب أن يحمي أبناء كنيستنا من هؤلاء و أن يعيد من اختلطت عليه الأمور الى حضن الطريق القويم.

ومساهمة البطريركية في تعزيز الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المقدسة ينبع من جوهر رسالتنا للعالم، وهي مبنيّة من الناحية الدينية على تفعيل الحياة الروحية الأرثوذكسية، و من الناحية الدنيوية مبنيّة على فلسفتنا القائمة على ان إصلاح كل شيء في المجتمع يبدأ بالتعليم، ومن هنا كانت الأولوية المتقدمة التي احتلتها مدارس البطريركية الستة عشر في اهتماماتنا التطويرية. ففي فترة وجيزة نسبياً من استكمال بناء وافتتاح مدرسة بطريركية الروم الأرثوذكس في الزرقاء بالأردن، وافتتاح طابق جديد لمدرسة بطريركية الروم الأرثوذكس في مدينة رام الله، ووضع حجر الاساس لبناء مدرسة بطريركية الروم الأرثوذكس الجديدة في بيت جالا، والانتهاء من أعمال الترميم في مدرسة مار متري التابعة للبطريركية المقدسية في القدس، وضعنا حجر الأساس للمدرسة الأرثوذكسية الجديدة بالناصرة. و هذه الأعمال التطويرية التي تتصاحب مع دعم لمؤسسات صحية و اجتماعية عديدة يطول ذكرها. و لم تكن هذه الجهود على حساب واجبنا الرئيسي كقائمين على الأماكن المقدسة المسيحية جمعاء في الأراضي المقدسة و كذلك كمسؤولين أمام الرب على الحفاظ على العقيدة الأرثوذكسية الشرقية، فعملنا على تدشين كنيسة بئر يعقوب في نابلس و الانتهاء من بناء المريسية في مدينة الزرقاء بالأردن و ترميم الكنيسة التاريخية في برقين و استمرار أعمال الترميم في كنيسة جبل ثابور، وتطوير مجمّع كنيسة القديس جورج و بناء مأوى لحماية الفسيفساء في كنيسة الشهيد في مادبا، بالاضافة الى الأعمال المشابهة في الناصرة.

و هذه الأمور تم العمل بها و تحقيق تطورات في مجالاتها في ظل ظروف بالغة الصعوبة و التعقيد. وكان دوماً منكم و من بينكم من مَد يد العون لرفع معنويات القائمين على هذه المشاريع و ساند البطريركية في مواجهة حملات التحريض ضدها، و اختار لغة الاحترام و الحوار لخدمة مصلحة رعيتنا، و لهؤلاء جميعاً كل الشكر والتقدير و نعدكم أن نتواصل لاطلاعكم على حيثيات المراحل الهامة في جهودنا للدفاع عن عقاراتنا الأرثوذكسية لأنكم كنتم و ستبقون سنداً حقيقياً و صادقاً لبطريركيتكم خلال الأوقات الصعبة.

فبطريركية الروم الأرثوذكس و منذ تسلمنّا مسؤولية رئاستها وهي تعيش معركة طاحنة على العديد من الأصعدة. فعلى الصعيد المالي نواجه قلّة في الموارد و تضييق متعمّد على قدرتنا لتجنيد الدعم اللازم لتطوير خدماتنا لرعيتنا و مجتمعنا بشكل أكبر، وهذا التضيّق المتعمد و المحسوب يهدف في نهاية الأمر الى اضعاف كنيستنا و دفعها نحو التراجع. كما لا يِِِخفى على أحد تورط عدد من الأشخاص الذين يدعون انتماءهم للأرثوذكسية في مثل هذه الضغوطات و التضيقات على الكنيسة الأرثوذكسية. و حملة التضييق و التحريض التي تستهدف الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة بشكل عام تحمل جوانب اعلامية ايضاً و يقف خلفها في الخفاء خبراء و متنفذّون يُحركون البعض كأحجار الشطرنج من أجل تشويه صورة الكنيسة و الرعية و الكهنة بمراتبهم المختلفة بمن فيهم البطريرك.

والغريب بالأمر أن العديد من الناس يلتفتون الى الدعاية المفبركة القائمة على تفاصيل الأمور و يتناسون الشؤون الواضحة الكبيرة، فلا يذكر الكثيرون سر تزامن حملات الجهات المعادية للبطريركية و خاصة مجموعات المستوطنين الذين يختبؤون خلف اسماء شركات و مؤسسات مختلفة، مع حملات اعلامية يقودها بعض الذين يدعون انتماءهم للارثوذكسية!!! فحين كان البعض يصدر البيانات للضغط على الحكومتين الفلسطينية و الأردنية لسحب اعترافهما بنا بطريركاً و يشكك في شرعية انتخابنا، كان قادة المستوطنين يجتمعون مع قيادات الحكومة الاسرائيلية و يضغطون عليها لعدم الاعتراف بنا لنفس الأسباب!!! ألم يتسأل أحد عن سبب هذا التوافق؟؟؟ و حين كان البعض يُصدر البيانات الاعلامية لتشويه موقفنا من صفقات باب الخليل و لدفعنا للسقوط في مطبات قانونية يعلمون كل العلم أنها ستؤدي الى ضياع هذه العقارات، كانت الشركات الاستيطانية تُرسل لمستأجري عقارات باب الخليل رسائل استفزازية عبر محامين لزيادة الضغط بالاتجاه الذي يسوق له بعص من يدعي الانتماء للأرثوذكسية. ألم يلاحظ أحد هذا التنسيق التكاملي في المهام!!! و في آخر حلقة من مسلسل التوافق و التزامن: يطالب نفس الاشخاص الذين يدعون الانتماء للكنيسة و الرعية، بل احياناً تمثيلهم بدون وجه حق، أن تقوم البطريركية بالغاء عقد مشروع تل بيوت في نفس الوقت الذي ترفع فيه ثلاث جهات استيطانية دعاوى في المحاكم الاسرائيلية تطلب الشيء نفسه. هل يوجد مثال أوضح من هذا لتروا أن أعداء الكنيسة و قادة التحريض ضدها يتقمصون أوجها” مختلفة و يتحدثون لغات مختلفة، و ينسبون أنفسهم الى مجموعات مختلفة لكن في حقيقة الأمر هم يخدمون الهدف نفسه. ولكل هؤلاء نقول أننا لن نتراجع، و لن يكون لنا سوى مصلحة كنيستنا و رعيتنا هدفا”، و لن نتخلى عن واجباتنا الدينية و الدنيوية التي عاهدنا الله عليها.

و من هنا نبعث برسالة واضحة وهي أننا سنستمر في الدفاع عن كنيستنا و بالتالي الوجود المسيحي في هذه البلاد المقدسة، وأننا لن ندخر جهداً أو مالاً في الدفاع عن أملاكنا الأرثوذكسية، ولن يستطيع مروجو الغوغائية و الضبابية و خَدَمَةُ انفسِهم و اسيادِهم من أعداء الكنيسة عن ايقاف سلسلة النجاحات التي نحققها في مجال انقاذ العقارات، و نعد هؤلاء جميعاً بأن الانتصارات التي حققناها في قضية عقارات باب الخليل في القدس و كان آخرها حماية المستأجريين من ملاحقة المستوطنيين لهم، ستتكرر في جميع المعارك القانونية التي نخوضها ضد من يريد أن يسلبنا و أبناء كنيستنا حقوقنا.

و ليشهد العالم أجمع أنني ولدت فقيراً و سألقى ربي كذلك و أني سأتحمّل التحريض و التأويل و الاشاعات و المؤامرات في سبيل خدمة ربي و حماية كنيستي و رعيتي.

بارككم الله و أبقاكم سنداً للرعية و الكنيسة