1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مديح والدة الإله في رام الله بتاريخ 2011\3\18

إن الملاك المتقدم أرسل من السماء ليقول لوالدة الإله إفرحي.
إفرحي يا سلماً سماوية بها انحدر الإله.
إفرحي يا جسراً ناقلاً الذين في الأرض إلى السماء.

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها المسيحيون الأتقياء
” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16).
إن الله أحب عالم البشرية- التي كانت ترزح تحت نير الخطيئة- حباً جماً لا مثيل له، الأمر الذي اقتضى بابنه الوحيد أن يطيع حتى الموت ، ليعتق البشرية من الموت الأبدي، ويعطي المؤمنين به الحياة الأبدية.
السر الخفي غير المعلن، سر محبة الله للإنسان، إستعلن لنا أيها الأحباء بشخص الكلمة المتجسد يسوع المسيح من دماء العذراء الطاهرة مريم العاضدة إيانا في هذا السر الإلهي.
لهذا السبب تكرم كنيستنا المقدسة بحق وواجبٍ، وبطريقة مميزة شخص العذراء الكلية القداسة في فترة الصيام الأربعيني المبارك.
إن العذراء مريم الجديرة بكل مديح، استأهلت وبصفة خاصة وبامتياز فريد، وبصفة حقيقية واحدة ووحيدة ، والمقتصرة عليها فقط وحدها بين نساء العالم ومن خلال التاريخ البشري كله، استحقت هذا الاسم الشخصي: (ثيوتوكوس ” والدة الإله”).
القديس كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية أطلق هذا الاسم ثيوتوكوس ” والدة الإله”، رافضاً رفضاّ قاطعاً اسم والدة المسيح، لأنه أثبت من الناحية اللاهوتية أن العذراء أصبحت والدة الإله من خلال الروح القدس. ” فكل الذين يسمون القديسة العذراء والدة الإله، يقرون ويؤكدون تأكيداً حقيقياً أن واحداً يكون الابن والمسيح والرب، فهو كامل باللاهوت وكامل بالناسوت”.
وتأكيداً إضافياً لما ذكر أعلاه فإن هذا الاسم يحوي ويجمع في داخله كل الصفات والتفاصيل والأشياء اللاهوتية، فهو بالتدقيق الاسم “ثيوتوكوس” الذي يعني “والدة الإله”.
مع هذا الاسم “والدة الإله” توجه مرنم الكنيسة متضرعاً من أجلنا إلى الكلية القداسة “والدة الإله” قائلاً: يا والدة الإله أيتها الينبوع الحي الفائض بسخاء ثبتينا … لهذا فالقديس يوحنا الدمشقي يوضح أن تسمية مريم والدة الإله توضح الر بكامله فيقول : (تقرأ ببطء وتروي).
“ومن ثم فإنه لعدل وحق أن نسمي القديسة مريم والدة الإله ثيوتوكوس. لأن هذا السم يوطد سر التدبير كله، فإذا كانت الوالدة والدة الإله، فالمولود منها اله بكامله وإنسان أيضاً بكامله. وإلا كيف قد ولد من امرأة، الإله الذي له الوجود قبل الدهور، إذا لم يكن إنساناً؟ وإنه لواضح أن ابن الإنسان إنسان. وإذا كان المولود من امرأة هو نفسه إله فتتضح وحدة المولود من الله الأب بحسب الجوهر الإلهي والأزلي والمولود في آخر الأيام من البتول بحسب الجوهر الذي بدؤه في الزمن أي الناسوت . وهذا مما يدل على اقنوم واحد وطبيعتين وولادتين في ربنا يسوع المسيح”.
إن الاسم ثيوتوكوس شامل، أنه في شخص العذراء قد تمت أقوال النبي ذو البوق العظيم إشعياء. ” ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا اسمه عمانوئيل” (إشعياء 7: 14). وكذلك ” لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً… ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام”(إشعياء 9: 6).
ثيوتوكوس ” والدة الإله ” العذراء مريم بكلام آخر أيها الأخوة الأحباء: هي وعاء الروح القدس حسب الإنجيل للقديس لوقا “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لوقا 1: 35).
أما بالنسبة لابن الله: “الملاك المشير العظيم”:
من وعاء الروح القدس العذراء مريم ومن خلال هذا الوعاء أي والدة الإله استبان لنا ابن الإنسان، عمانوئيل متجسداً من دمائها النقية.
فعلاً ، أنظروا ملياً ، لماذا مريم العذراء تدعى ثيوتوكس، وأيضاً السلم السماوي الذي من خلاله نزل الله إلى الأرض ” وإذ وجد في الهيئة كإنسان”. كما يذكر الرسول بولس في رسالته إلى فيلبي (فيلبي 2 : 7_8 ).
وبالنسبة للجسر الروحي الذي تمثله العذراء، فإنه الجسر الناقل من الأرض أي الناس إلى السماء حيث مجد ملكوت الله. وإلى هذا المجد الذي تشارك فيه العذراء، مجد ابنها وإلهها.
وكما يذكر مرنم الكنيسة : ” وفي مجدك الإلهي أهلينا لأكاليل المجد والشرف”. نحن الذين نغبطك يا جديرة بكل مديح.
العذراء مريم أيها الأحباء بالرب، كسلم وجسر طبيعي وروحي بين الله والإنسان، بين العالم السماوي والعالم الأرضي، هي النموذج الأصلي لطبيعتنا الإنسانية التي تشترك فيها. التي استحقت بنعمة الروح القدس شركة المجد الإلهي.
بالنسبة للمجد الإلهي ، ما هو إلا الحرية من موت الخطيئة الناتج من عبودية وظلمة هذا الدهر الحاضر الخداع، إلى قيامة المسيح المجيدة.
مريم العذراء الكلية القداسة والدة الإله، تشارك في مجد ابنها وإلهها، وتشارك أيضاً في قيامته المجيدة. لهذا السبب فإن كنيستنا المقدسة ومن خلال مرنميها الملهمين بالروح القدس يبتهلون إلى الكلية القداسة ، طالبين شفاعاتها نحو السيد، لنستمد المعونة لتتميم أوان هذا الصيام المقدس من خلال التوبة الصادقة عسانا نستحق الاشتراك في مجد قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الظافر من بين الأموات.
وكل عام وانتم بخير