1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاحتفال بعيد القديس جراسيموس

” لقد جنحت عقلك بالإيمان نحو الله. يا جراسيموس الأب المتأله اللب. فنبذت بلبال العالم واضطراباته . وحملت صليبك وتبعت رقيب كل البشر . وعبدت جماع الجسد لمشاق الإمساك عن ثبات عزمٍ بقوة الروح الإلهي”
(صلاة المساء ستيشيرات برصومية – اللحن الثامن).

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها المسيحيون الأتقياء
إن كنيسة المسيح المقدسة الحسنة العبادة تكرم اليوم وباحترامٍ كبير كما يذكر المرنم، تذكار قديسنا البار جراسيموس حامل الإله، الذي تنسك في صحراء الأردن .
القديس جراسيموس وكما يذكر مرنم الكنيسة صعد سلم الفضائل صعوداً ارتقى فيه إلى قمم الرؤيا العقلية وأسرار المسيح الإلهية. بكلام آخر لقد نجح البار جراسيموس حامل الإله لأن يتحد مع المسيح ليصبح قديساً كما يقول الرب يسوع في الكتاب المقدس من خلال رسالة بطرس الرسول الأولى ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس” (1 بطرس 1: 16).
أيها الإخوة الأحباء: إن المسيح أيضاً يدعونا لكي نكون قديسين ، أي لنشارك في النور الحقيقي .” أنا هو نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة ” (يو 8: 12) .
إن من يتبعني في ملء الثقة والرجاء والطاعة بمحبة ورغبة صادقة لكلامي هكذا يقول السيد المسيح: لم ولن يوجد في ظلمة الغش والخطيئة ، لكن ستكون في داخله ينابيع مياهٍ حية ، ونور روحي يتدفق من الحياة الحقيقية أي من الله.
إن مشكلة الإنسان العظمى هي حرية الاختيار ما بين الجهل والمعرفة الحقيقية، بين النور والظلمة . ” وهذه هي الدينونة إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة ” (يو 3: 19).
كذلك فإن السبب أيضاً للخاطئين، وغير المؤمنين، والذين يحكمون ويدينون غيرهم، رفضهم لنور الحقيقية أي المسيح ابن الله الذي أتى إلى العالم، لكن الناس فضلوا ظلمة الغش ورفضوا هذا النور . لأن إعمالهم شريرة وحياتهم في مستنقعات الرذيلة .
بالإضافة إلى ذلك فإن ربنا يسوع المسيح نفسه يأمرنا قائلاً : “إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ” (متى 16: 24). هذه هي بالتدقيق وصية المسيح التي اختارها القديس جراسيموس بحريته التامة.
لهذا يقول المرنم: ” لقد جنحت عقلك بالإيمان نحو الله. يا جراسيموس الأب المتأله اللب. فنبذت بلبال العالم واضطراباته. وحملت صليبك وتبعت رقيب كل البشر . وعبدت جماح الجسد لمشاق الإمساك عن ثبات عزمٍ بقوة الروح الإلهي”.
الصليب الذي حمله القديس البار جراسيموس ، ليس إلا سلم الفضائل الإلهية . وهذا لأنه من خلال الصليب وعلى الصليب المسيح الإله، الذي يعرف كنموذج أبدي لإنكار النفس ، وإنكار الذات، وملء التواضع. ” فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً… لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبدٍ… وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فيلبي 4: – 8). لأن الله رفع اسم المسيح وجعله فوق كل اسم ، هكذا يكرز بولس الإلهي.
من خلال صليب المسيح : ” والجالسون في كورة الموت وظلالة أشرق عليهم نور عظيم” (متى 4: 16).
من خلال الصليب أيضا نزل المسيح إلى دركات الجحيم وأصعد أنفس الساكنين في الجحيم وأنفسنا، إلى حرية نور مجد الله أبيه.
إن القديس جراسيموس أصبح مشاركاً للنور، نور المجد الإلهي، فقد حافظ على نقاوة وطهارة قلبه عبر حروبه الروحية والنسكية، ومن خلال هذه الحروب أشرقت عليه وعلى هذه البقاع نعمة الله المنيرة.
اليوم أيها الأخوة الأحباء ما زال هذا الإشراق مستمراً كما كان بدءاً، كما يذكر المرنم:
” بإشراق نعمة الصيام المبارك الذي بواسطته يتم إقصاء الظلمة والإنغماس الشهواني، نلتحف بالنور الذي يمنحنا التعفف، إذاً أن نظهر أثمار التوبة فنحيا”. هذا هو الوقت المقبول ، ويوم التوبة الخلاصية.
إن الرسل الآباء القديسين الملهمين بالروح القدس، هم قوى إنقاذ للنفوس الروحية. فحددوا هذه الفترة الصيامية، ألا وهي الصوم الأربعيني المقدس في بحر حياتنا الطبيعية والنفسية، الذي يتم عن أمواج آلام الشهوات البشرية، كسفينة إنقاذ لنجاتنا وخلاصنا.
إن الصيام الأربعيني المقدس فعلاً أيها الإخوة الأحباء ، هو وقت التوبة، وأيضاً وقت محاسبة الخلاص حسب أقوال القديس الستوديتيس.
في تعييدنا للقديس جراسيموس الذي حول هذه الصحراء إلى واحة روحية، يدعونا أن نغير منهج حياتنا، بتبديل صلابة نفوسنا وقساوتها، إلى واحة روحية.
المثل في النكبة حدثت في الكتاب المقدس أي الطوفان، كما حدث الآن في اليابان يظهر وبأجلى بيان أن الإنسان ليس بالخبز وحده يحيا. آمين
وكل عام وانتم بخير