1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسة بشارة العذراء مريم في مدينة الناصرة 7/4/2011

” اليوم بدت بشائر الفرح. اليوم اقبل موسم العذراء فتتحد السفليات بالعلويات. ويتجدد ادم . وتنعتق حواء من الحزن القديم. فان الخباء الذي في جوهر طبيعتنا صار هيكلا لله بتاليه العجنه التي اخذت منه. فيا للسر العظيم. ان طريقة الاخلاء لا تعرف وكذلك طريقة الحبل لا تدرك. ان ملاكا يخدم المعجزة. والبطن البتولي يقبل الابن. والروح القدس يرسل. والاب من العلاء يرتضي. والمصالحة تتم عن ارادة ارادة عامة. ولما نحن قد خلصنا بها وفيها. فلنهتفن مع جبرائيل نحو العذراء قائلين: افرحي يا ممتلئة نعمة. الرب معك. يا من اتخذ المسيح الهنا طبيعتنا منها فاستردها اليه. فتضرعي طالبة ان يخلص انفسنا” (ذكصاكانين – من نظم اندراوس الاورشيلمي).
ايها الاخوة الاحباء بالمسيح يسوع
ايها المسيحيون الاتقياء
بهذا الكلام تكرم كنيسة المسيح المقدسة, وبفم القديس اندراوس الاورشيلمي – العسجدي اللسان ذي البوق الاهوتي, بترانيمه الاخاذه وتسابيحه الورحية – الفائقة القداسة بين البشر جمعاء, ابنة الناصرة مريم العذراء, والتي منها وفيها تم بدء خلاصنا باشتراكها في هذا السر غير المعلن منذ الدهور.
يتمحور هذا السر في التدبير الالهي بالمسيح, وكذلك في شخص العذراء ودورها الخلاصي, كما يوضحه مرنم الكنيسة.
“لقد انحدر كلمة الله الان الا الارض. وحضر الملاك الى العذراء يقول لها: افرحي يا مباركة. يا من تفردت بحفظ الختم. وقد قبلت في حشاها الرب الكلمة الذي قبل الدهور. متجسدا لكي يخلص جنس البشر بقوة لاهوتية من الضلالة” (كاثسما اللحن الثامن – سحرية البشارة).
ان الله في محبته غير المدركة ومن نبع صلاحه الفياض, صنع الانسان بيديه على صورته كمثاله.
لكن هذا الانسان سقط بارادته, وبغواية الشيطان, فنفي اثر ذلك من فردوس النعيم, وابعد عن الصلاح الالهي.
نتيجة لهذا السقوط سلك الانسان من خلال مشورته الذاتية, متمحورا حول ذاته, فبات يرى مكنونات العالم وعلاقته بها من منظاره الشخصي, رافضا كل الرفض الطاعة والانصياع الى مشيئة الله الضابط الكل الصانع والمبدع الانسان المعتني به, الامر الذي حذا به الى حالة من الضياع والارتباك لفقدانه الحقيقة من معرفة الله من خلال ورح المسيح اي الروح القدس, هذه المعرفة الضرورية والاساسية لتحريرالانسان من افكار الضلال المتشبثه في فكره, والتي جعلته يعبد المخلوق دون الخالق, فكثرت من جراءها عبادة الاصنام في العالم كله.
ان الله الخالق المبدع, بولوج روحه القدوس لاحشاء البريئة من كل عيب, يبدع الجمال الاصلي – مثل ختم طبيعته , وعلى صورته كخالق- متمما اياه ومن خلال نفس الحياه هذا, اي روح القدس الساكنه فيه.
هدا هو بتدقيق الختم لطبيعة الخالق الالهية , اي الروح القدس الذي حافظ على العذراء الدائمة البتولية وظللها فاصبحت اكرم من الشيروبيم, وارفع مجدا بغير قياس من السيرافيم.
ان العذراء والدة الاله الدائمة البتولية مريم الفائقة القداسة, تعتبر بحق, العظيمة والاكثر عجبا لهذا السر الخاص للبشرية قاطبة في جميع ارجاء العالم. ذلك لان مريم ابنة الناصرة هي الشخص الوحيد في التاريخ كله وبدون ادنى شك, فهي تشارك بطريقة غير مدركة في سر افراغ الله الاب لذاته, لآشكل مماثل, وبطريقة غير معبر عنها في حملها لكلمة الله في احشائها.
وكما يذكر لنا القديس يوحنا الدمشقي كيف تم التجسد على اثر التبشير: ” اذا بعد ان قبلت العذراء القديسة, حل الروح القدس عليها, على حساب كلام الرب الذي قاله الملاك. فطهرها ومنحها ايضا قوة استيعاب لاهوت الكلمة مع ولادته. وللحال. ظللتها حكمة الله العلي وقوته , ابن الله المساوي للاب في الجوهر بمثابة زرع الهي, فاستخلص لذاته من دمائها النقية الجزيلة الطاهرة جسدا حيا, نفسه ناطقة عاقلة, هو بكر عجنتنا, ليس مزروعا بل معمولا بفعل الروح القدس”.
هكذا بحلول الروح القدس على العذراء مريم, فان الطبيعة البشرية يتم جبلها حسب جمالها الاصلي القديم. وحسب الارادة الحرة.. “قالت مريم هوذا انا امة الرب. ليكن لي كقولك” (لوقا 1:38).
الجمال القديم الاصلي : ليس الا البهاء المصنوع قديما, الذي اضاعة ادم القديم, وكما يقول المرنم القديس اندراوس الاورشيلمي : “توشح ادم سربال الخزي كورقة التين توبيخا للالام ذات السلطة الذاتية”.
في شركة البهاء الاول الالهي هذا, اراد الله اعادة الانسان الساقط وتجديده, كما يذكر بولس الحكيم : “ارسل الله ابنه مولودا من امراه… لننال التبني” (غلاطية 4:4-5).
ان القديس يوسف المرنم وكاتب التسابيح, ينشد الى العذراء مريم ويقول:
“ان الاله كلمة الله لما شاء ان يؤله الانسان , وتجسد منك يا نقية وشوهد بشرا. فتوسلي اليه بغير فتور ان نصادف رحمة في اوان الاعتذار”.
ان التاله, او خلاص الانسان, لا يدركولا يتحقق بدون تجسد كلمة الله, تماما كما يعلن القديس يوحنا الالهوتي: “والكلمة صار جسدا وحل بيننا” (يو 14:1). لكن التاله, او خلاص الانسان لهو اكثر اعجازا, واصعب ادراكا بدون العذراء والدة الاله مريم. لانه في شخص العذراء تقوضت واندثرت افكار الضلال حول الله, بما فيها جميع الافكار الفلسفيه الايديولوجية, وبطريقة اوضح: كل الافكار الميتافيزيقية. الامر الذي حذا ببطريرك المدينة المقدسة صفرونيوس ليناجي العذراء بتهليل قائلا:
افرحي يا من اظهرت الفلاسفة عادمي الحكمة.
افرحي يا من اوضحت معلمي الكلام, لا كلام لهم.
افرحي لان الاشداء في المحاورات بك حصلوا حمقى.
افرحي لان بك ذبل مخترعوا الخرافات.
افرحي لانك مزقت حبائك الاثينائيين – (الفلاسفة).
افرحي لانك افعمت شباك الصيادين – (الرسل).

ايها الاخوة الاحباء:
في هذا اليوم, الذي نحتفل فيه بعيد البشارة العذراء مريم, اصبحنا شركاء في هذه الاخبار المبهجة الالهية, وفي افخارستية جسدك ايها المسيح, هذا الجسد الكريم الذي منحته لنا لتعيد به جبلتنا ودمك الطاهرالذي به ترحضنا, لذلك وبفرح عظيم نصرخ قائلين: افرحي يا عذراء مريم الممتلئه نعمة, الرب معك مباركة انت في النساء, ومبارك ثمر بطنك لانك ولدت لنا مخلص نفوسنا.
وكل عام وانتم بخير