1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاربعين لانتقال الأب يوسف خوري في سخنين

“أنت وحدك غير ماثت يا من صنعت الإنسان وجبلته, فنحن البشر إذا خلقنا من الأرض سنذهب كما أمرت يا جابلي, وقلت لي انك ارض أنت والى الأرض تعود حيث نذهب نحن جميع الأنام صانعين مراثي التجنيز بتسبحه الليلويا” (البيت – سبت الأموات).

في اقوال مرنم الكنيسة, نلاحظ بوضوح معنى حياة الانسان, فان الله قد جبل وصنع الانسان من الارض من خلال نسمة الحياة التي نفخها فيه. فلذلك فان الضابط والمسيطر على الموت والفساد, والحياة والخلود هو الله ضابط كل شيء.

فكون الانسان هو من التراب فلا محالة فانه سيذهب ثانية الى التراب. فكما تكوين الجنين ونموه في الرحم حتى يخرج الى الحياه انسانا جديدا هو سر عظيم, كذلك الموت هو ايضا سر عظيم. فالفرق فيما بين هذين السرين هو: انه في الولادة يعم الفرح, وفي الموت يستولي الاسى والترح.

لقد حاول الإنسان عبر تاريخ البشرية أن يعطي تفسيراً للموت، ربما تفسيراً منطقياً يستطيع من خلاله الكشف ولو بشيء بسيط عما يجول ما تفسيراً منطقياً يستطيع ن خلاله الكشف ولو بشيء بسيط عما يجول ما وراء هذا السر غير المدرك…. – فالموت ا هو إلا حالة الفساد-

إن لرب يسوع المسيح ومن خلال تعاليمه السماوية وطرقه الخلاصية ، سلمنا معرفة وجودنا ، وحقيقة حياتنا، بأجلى بيان. فهو القائل : ” أنا هو الطريق والحق والحياة ، فكل من آمن بي وإن مات فسيحيا”.

كون الانسان مخلوقاً على صورة الله ومثاله، لا يقتصر وجوده على الجانب الحي البيولوجي، إنما يتمتع بشكل فريد ومميز بعطية الروح أو عطية النفس، فحتى العلم المتطور في أيامنا هذه لا يرفضها أو يشكك في صحتها وبحقيقة وجودها.

إن الروح في الإنسان غير منظور وغير ملموس ولا يمكن إدراكه، إلا من خلال الإيمان بالمسيح وبتعاليم الكنيسة المقدسة. فحسب تعاليم الكنيسة ، وأقوال المسيح . فإن سبب الموت هو الخطيئة وسقوط الإنسان، ولكن بالمسيح يسوع يلبس الموت معنى آخر ، لأن المسيح بموته أمات الموت ، وحرر الإنسان من سلطان إبليس. فكل من مات مع المسيح فقد إنتقل إلى الحياة الأبدية السعيدة.

وكما يؤكد القديس بولس الحكيم: ” أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموتة.

فدفنا معه بالمعمودية للموت حي كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب هكذا نسلك في جدة الحياة . لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته… عالمين أن المسيح بعد ما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً . لا يسود علية الموت بعد” (رومية 6: 3-10).

اليوم نحن نقوم بتذكار الأربعين لنفس أخينا المنتقل الأب يوسف خوري الذي إعتمد بموت المسيح، والذي قد خدم المسيح من خلال سر الكهنوت. فكما أن للإنسان حياة أرضية ملموسة ومنظورة، كذلك حياة روحية غير منظورة وغير ملموسة، هكذا توجد حياة محدودة زمنياً في هذه الأرض ونهايتها الفساد، وأيضاً أبدية في ملكوت السموات نهايتها الخلود.

وكما يقول مرنم الكنيسة عن هذه الأبدية: ” حيث لا حزن ولا تنهد بل حياة لا نهاية لها”.

ولكن وبكل تدقيق : الموت هو المعبر الذي يقودنا إلى الحياة بعد الموت ، لهذا السبب فإننا نطلب من الله أن يتعطف علينا بمراحمه الكثيرة غفران زلات المنتقل، لأن هو الحق والنور والعدل، فالعدل الإلهي يختلق عن العدل البشري، لا بل لا مجال للمقارنة بينهما.

لذا سيخضع الإنسان لدينونة الله العادلة، هذه الدينونة تعتبر الدليل القاطع على مدى عمق عناية الله لما بعد الموت، وكذلك تأكيداً على وجود وإستمرار الحياة الأبدية.

فبعد مراسيم دفن المنتقل، تقوم الكنيسة بخدمة صلاة النياحة بعد ثلاثة أيام من الرقاد وبعد تسعة أيام وبعد أربعين يوماً بالأضافة إلى التذكار السنوي. وكذلك تقوم الكنيسة بصلوات خاصة لراحة نفوس المنتقلين كافة في كل قداس إلهي. وهذا ما يؤكده سنكسار الكنيسة : فالقديس مكاريوس الكبير الذي بينا كان عابراً في الطريق وجد جمجمة يابسة لرجلٍ يوناني ملحد. فسألها قائلاً: أيشعر من في الجحيم بعزاء وسلوة ما؟ فأجابت قائلة: نعم يحصلون على نياحٍ عظيم عندما تصلي أيها الأب عن الراقدين.

لماذا تقوم الكنيسة بهذه الخدم وخاصة الثلاثة أيام والتسعة أيام والاربعين يوماً ؟ لأنه وكما يقول أباء الكنيسة، وخاصة القديس غريغوريوس اللاهوتي: أننا نعمل للميت ثالثاً لأن في اليوم الثالث يستحيل منظر وجهه ثم تاسعاً لأن في اليوم التاسع تتمرق الجبلة كلها في القبر ويبقى القلب وحده سالماً. ثم أربعين إذ حينئذ يفنى والقلب ذاته لأن التكوين أيضاً يصير على هذه الصورة بحيث أنه في اليوم الثالث يتصور القلب وفي اليوم التاسع يتجمد الجسد وفي الأربعين يرتسم إلى منظر كامل.

إننا في هذا المراسيم الجنائزية،إجتمعنا في هذه الخدمة الليتورجية متضرعين إلى الثالوث القدوس حيث نقيم في إحتفالنا هذا خدمة عيد العنصرة أي حلول الروح ا لقدس على التلاميذ الأطهار، وهذا هو الروح الحقيقي الذي تكلم عنه السيد المسيح مع المرأة السامرية: إن الله روح

والساجدين له ينبغي لهم أن يسجدوا بالروح والحق.

هذا هو الروح المعزي روح المسيح الذي نطلب منه في هذا اليوم الخاص أن يريح نفس أخينا المنتقل الأب يوسف خوري حيث يسكن الصديقون والأطهار والأبرار يستريحون. ومع المرنم نقول:

“أيها الإله الرأوف المخلص يا من أبدعت جسد الإنسان من الأرض وأحييته بالروح . نيح عبدك الأب يوسف خوري في فردوس النعيم حيث الحياة التي لا تشيخ . أمين”