كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد النبي إيليا المجيد 2011\8\2

” طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها . كان إيليا إنسانا ً تحت الآلام مثلنا ، وصلى صلاة أن لا تمطر ، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضا ً فأعطت السماء مطرا ً . وأخرجت الأرض ثمرها.”(يع 5: 16-18).
أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها الزوار الحسنى العبادة

إن إيلياس المجيد ، المتقدس قبل الحبل به العقل الناري ، الملاك المتجسد والإنسان السماوي ، وسابق حضور المسيح الثاني الإلهي ، قاعدة الأنبياء وركنهم قد دعا محبي الأعياد دعوة روحية لكي يعيدوا لتذكاره البهيج بصعوده إلى السماء بمركبة نارية .
إن النبي إيليا ، وفي يومه المكرم هذا إستبان لنا بالقول والفعل ، إنسانا ً بارا ً فهو نموذج ٌ يحتذى به بشكل كبير ، من خلال تضرعاته إلى الله التي تُقتدر كثيرا ً بمرامها ونتائجها المرموقة .
إن القديسين في العهدين القديم والجديد، حسبوا ” متقدسين قبل الحبل بهم”. ” قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك” (إر 1: 5) .وذلك ليس لأن قد تم اختيارهم من قبل الله لصفاتهم النبوية أو الرسولية، إنما لكونهم قد حافظوا من خلال إيمانهم على نقاوة قلوبهم وصفاء سريرتهم، وهكذا بخبرتهم المميزة وشركتهم بعمل الروح القدس فيهم نجحوا في معاينة الله . تماما ً كما يذكر الإنجيلي متى ” طوبى لأنقياء القلوب لأنهم يعاينون الله” (متى 5:8 )
لذا هلموا نرى ما يقوله لنا مرنم الكنيسة : ” لقد أصبح إيليا التسبي معاينا ً لله . فأبصر مع موسى ما لم تره عين ٌ ، ولم تسمع به أذن ٌ . ولا خطر على قلب أحد من بني البشر الأرضيين. فإنه أبصر على جبل تابور الرب الضابط الكل المتجسد” .
بكلام أخر ، الأنبياء الذين إمتلكوا في ذواتهم قوى وطاقات إلهية ، وشحنوا أنفسهم بمفاعيل وإلهام الروح القدس في مسار حياتهم ، أصبحوا مبشرين مشيئة الله للناس.
حسب هذا المنوال يتحقق ما قاله القديس يعقوب أخو الرب حول النبي إيليا : ” طلبة البار تقتدر كثيرا ً في فعلها . ”
( يع 5: 16 ). علما ً أن النبي إيليا كان إنسانا ً مثلنا ، طبيعته تساوي طبيعتنا بضعفها وركاكتها ، لكن قوة الصلاة النارية التي كان يلهج لها ، حققت طموحاته وطلباته.
فمن الناحية التحليلية لشخصية النبي إيليا – قاعدة الأنبياء وركنهم الوطيد صاحب الغيرة الإلهية المتقدة – لك يستطع هذا النبي الغيور أن يتحمل إرتداد شعبه عن مشيئة الله، الأمر الذي حذا به أن يفرض قصاصا ً وعقابا ً لهذا الشعب الضال ، كما يظهر هذا مرنم الكنيسة القائل : ” لما عاين إيليا وفرة آثام الناس وكثرة محبة الله للبشر التي لا تحد . احترم غيظا وأتى القسوة في كلامه مع الله المتحنن قائلا ً : إسخط على الذين عصوك أيها الديان العادل “.
إن تطلعات إيليا الني غير محصورة فقط في إعتقاد شعبه العاصي ، لكنه يتوق إلى توبتهم وعودتهم إلى ربه أي إلى الله .
لقد كان من الحق ومن باب المسؤولية أن هذا الشعب يوقف نشاطاته وسلوكياته الخاطئة التي بناها مع جماعة الأشرار والملحدين عباد الأصنام والآلهة المزيفة ، آلهة البعل . هذه الجماعة الداخلية والمرفوضة من الله رفضا ً تاما ً. كما يقول صاحب المزامير : ” أبغضت جماعة الأثمة ومع الأشرار لا أجلس” (مز 25: 5) .
إن محبة الله غير المحدودة للبشرية قاطبة . هي العامل المركزي والأساسي لتدخل العناية الإلهية في الأوقات العصيبة والحرجة ، كإرتداد الشعب عن الوصايا والناموس . وذلك من خلال المختارين الذين أعدهم الله مسبقا ً مثل النبي إيليا الذي وصفه يشوع بن سيراخ وصفا ً دقيقا ً : ” وقام إيليا النبي كالنار ، وتوقد كلامه كالمشعل” (إبن سيراخ 48: 1).
ومن الجدير بالذكر أن كلام النبي إيليا هذا الذي ذكره يشوع إبن سيراخ ، يتمحور بإعداد شعب الله لإستقبال سر التجسد ، تجسد كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من العذراء مريم التي هي من بيت داود.
أيها الأخوة الأحباء
إن كلمة النبي إيليا التي تشبه المشعل في حرارتها وقوتها ، لا يقتصر تأثيرها فقط في الماضي وقت كرازتها للشعب. إنما ما زال تأثيرها مستمرا ً حتى يومنا هذا الحاضر . فهي موجهة لنا نحن شعب المسيح وكنيسته، فهي نبراسٌ لحياتنا الأرضية ، وذلك لأننا نعيش في أوقات الإرتداد والفجور والإثم.
ويا للأسف ، فإن إيماننا الحقيقي والخلاصي بالمسيح إلهنا يندمج مع إيمان جميع الديانات التي تسجد وتعبد الأصنام.
عبادة الأصنام في هذه الفترة الحاضرة ، تظهر بطرق عديدة ومتنوعة ، فمن الصفات المميزة لهذه العبادة هي العبادة المغايرة في الأخلاقيات ، المخالفة للتعاليم القويمة والصحيحة للإنجيل ولكنيسة المسيح المقدسة ، كل هذا تخت اسم “الاستقلال الأخلاقي للإنسان” الذي يرفض ويقاوم الاستقلال الأصلي بالمسيح يسوع . فالقديس يوحنا الإنجيلي يكتب مجاهرا ً ما قاله المسيح عن نفسه : ” أنا هو الطريق والحق والحياة ” (يو 14 : 6). وكذلك ” أنا هو نور العالم” (يو 8 :12).
الكلمة النبوية المشتعلة والفعالة لإيليا المجيد ، والتي تقتدر كثيرا ً في فعلها بالمسيح ، والتي تتكرر من خلال وعظ ونصائح القديس بولس الرسول القائل: ” ولا تشاكلوا هذا الدهر ، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ” (رومية 12: 2).
إذا ً وفي هذا اليوم المقدس ، نتضرع إلى الملاك المتجسد إيليا المجيد الذي نحتفل بتذكاره بكل حفاوة وتكريم ومع المرنم قائلين ” إنك لا تفارق عرش الجلال أبدا ً أيها النبي كاروز المسيح . وع ذلك فأنت تحضر دائما ً عند كل واحد من المصابين بالأمراض. وفيما تخدم في العلاء تبارك كل المسكونة . ممجدا ً في كل مكان. فاستمد الغفران لنفوسنا”.
وكل عام وانتم بخير