1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيرويس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس جاورجيوس في مدينة اللد 16.11.2011

وقال الرب لتلاميذه : ” ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب ، روح الحق ، الي من عند الآب ينبثق . فهو يشهد لي . وتشهدون أنتم أيضا ً لأنكم معي من الإبتداء”. (يو 15: 26-27).

أيها الأخوة الأحباء بالرب
أيها المسيحيون الورعون ، والزوار الحسني العبادة

إن القديس جوارجيوس العظيم في الشهداء ، قد جمعنا اليوم بهذا المزار المكرم حيث رفاته مسجاة بوقار ، في باحة هذه الكنيسة التي تحمل إسمه المغبوط ، وفي مدينته العريقة والأصيلة ، مدينة اللد .

إحتشدنا اليوم لنكرم تذكار القديس جوارجيوس ، فهذا التكريم الحاصل في هذا اليوم المبارك يوضحه لنا بأجلى بيان القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول : ” إن موت الشهداء هو تعزية للمؤمنين، وباب للمجاهرة في الكنائس ، إتحاد المسيحية ، تحطيم للموت ، تأكيد القيامة ، سخرية للشياطين ، إتهام لإبليس ، تعليم الفلسفة … وجذور لجميع الصالحات ” .

أيها الأحباء ، إن موت الشهادة المليء بمحبة المسيح هو فعلا ً إتحاد المسيحية ، وتحطيم موت الخطيئة ، وتأكيد القيامة . ذلك لأن المسيحية كونها كنيسة المسيح قائمة ومرتكزة على دم مخلصنا يسوع المسيح الذي سفك على غود الصليب ، هذا الدم المحيي قد حطم وللأبد الموت الدخيل إلى العالم من خلال خطيئة ومعصية آدم الأول والقديم .

بكلام آخر ، إن موت المسيح آ دم الجديد ، قد أنهى موت الخطيئة ، والدليل لهذا الأمر هو قيامة الربيسوع المسيح من بين الأموات : أما دليل قيامة المسيح فهو موت المسيح الإستشهادي بإراقة دمائه الزكية والمحيية من أجل خلاص البشرية .

القديس يوحنا الذهبي الفم يوضح المعنى في موت شهداء محبة المسيح فيقول : ” هذا ليس موتا ً، لكنه بداية لحياة أفضل … لا تمعن النظر مليا ً متأملا ً في الشهيد الملقى أمامك فاقد النسمة ، ساكنا ً ، عريانا ً من طاقة الروح ، لكن إنتبه إن في هذا الجسد تقطن قوة أعظم بكثير ، ألا وهي نعمة الروح القدس … التي منها تتم العجائب والمعجزات “.

هلم لنرى ما يقوله مرنم الكنيسة بخصوص القديس جوارجيوس المظفر: ” لقد إقتديت بآلامك بالمسيح في آلامه المحيية يا جوارجيوس المجاهد الظافر المجيد ، فاتخذت عنه صنع العجائب, فإنك تخلص الذين يلتجئون إليك وتنقذهم من شدائد كثيرة ، بما لك من الدالة وحسن القبول عند المسيح . وأنت الآن ماثل لديه ممتلئا ً من المجد ” .

تكرم كنيستنا وبشكل خاص قديسيها الشهداء ، لأنهم أراقوا دمائهم الطاهرة لأجل الحق ، هذا الحق هو المسيح : ” أنا هو الطريق والحق والحياة ” ( يو 14: 6 ) . بالنسبة للمسيح الحق، الشهيد ، الكارز ، والمبشر ما هي إلا مؤسسة الكنيسة ، هذه المؤسسة يضبطها ويحافظ عليها الروح القدس روح المسيح روح الحق الذي من الآب ينبثق .

الدم المسفوك لأجل المسيح الحق ، هو دم الشهداء المسفوك للمحبة الخلاصية للمسيح ، هذا الدم دم الشهداء ثبت تعاليم الرسل القديسين في كل مواقع المسكونة . رسول الأمم العظيم بولس يوصي تلميذه تيموثاوس قائلا ً : ” أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات ، من نسل داود بحسب إنجيلي ، الذي فيه إحتمل المشقات حتى القيود كمذنب . لكن كلمة الله لا تقيد. لأجل ذلك أنا أصبر على كل شيء لأجل المختارين ، لكي يحصلوا هم أيضا ً على الخلاص الذي في المسيح يسوع من مجد أبدي ” (2 تيمو 2: 8-10 ).

القديس جوارجيوس قد أعلن مسيحيته وأعلن عن سر العبادة القويم أمام الإمبراطور ذوكليتيانوس ومجلس الشيوخ في مدينة روما قائلا ً : أنا مسيحي وجاهر بأن المسيح هو الله وإبن الله ، كما يذكر سنكسار القديس ، لهذا إستشهد لأجل الخلاص بالمسيح يسوع أمام الإمبراطور ومجلس الشيوخ .

لقد أظهر القديس العظيم والشهيد جوارجيوس ليس فقط الشهادة لمحبة المسيح ، لكن الشهادة لأعمال محبة المسيح أيضا ً فأصبح صانعا ًللعجائب العظام ، كما يقول مرنم الكنيسة : ” بما أنك للمأسورين محرر ومعتق ، للفقراء والمساكين عاضد وناصر، للمرضى طبيب وشاف ، عن الملوك محامي ومحارب ، أيها العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر تشفع إلى المسيح الإله في خلاص نفوسنا “.

إن جنسية الشهيد العظيم جوارجيوس اللابس الظفر ( من جهة أبيه من كباذوكيا في آسيا الصغرى ومن جهة امه من مدينة اللد في فلسطين ) ، قد أظهر محبته للمسيح كما ذكرنا سالفا ً ، ذلك لأنه كان راسخا ً ومقتديا ً في إيمانه القويم من خلال أسلافه وأجداده ، بالاقوال والأعمال ، وبالآلام أيضا ً كما الام الرب يسوع المسيح .

وهذا لأن القديس أصبح مقتديا ً بآلام المسيح الطوعية . بكلام آخر القديس جوارجيوس قد نزع ثوب ولباس آدم القديم ، وإرتدى لباس آدم الجديد ، تاركا ً ورافضا ً خلجات بشريته ، لهذا فالقديس الذي نكرمه اليوم بتذكار نقل رفاته إلى هذا المكان المميز في مدينة اللد ، وخاصة في هذه الكنيسة التي تحمل إسمه ، قد تعربن ملكوت السموات .

ونقول ( المحبة بالمسيح ) لأنه كما يكرز القديس يوحنا الذهبي الفم : ” لا توجد أي مساواة مع المحبة ، حتى الإستشهاد الذي هو رأس جميع الصالحات ، ليس باعظم منها “.

أيها الاخوة الاحباء

إذ نريد أن نظهر مستحقين لتكريم القديسين وخاصة القديس جوارجيوس ، علينا بضبط ذواتنا ، وإضرام نار الشوق الإلهي فينا ، مقتدين به بإعماله ، بعمل الفضائل والصالحات التي تنبع من محبة امسيح . وكما يذكر الآباء القديسين : ” إستشهاد القديسين لا يكتمل فقط من خلال الآلام الإستشهادية ، لكن من خلال كلمة النعمة . لأن كل كارز للحقيقة هو شهيد لله” .

إن القديس جوارجيوس يدعونا لأن نكون شهداء المحبة للمسيح ، محبة الحقيقة الخلاصية بالمسيح، فبتضرعاته المقبولة والمستجابة ، وبشفاعات والدة الإله الدائمة البتولية مريم أيها الرب يسوع المسيح أهلنا لملكوتك السماوي أمين .

كل عام وانتم بخير

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر على يد شادي خشيبون