1

رسالة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة ثيوفيلوس الثالث بمناسبة اعياد الميلاد لسنة 2011

“هلموا ايها المؤمنون لنرى اين ولد المسيح ولنتبع اذن اين يسير النجم”
تعيد اليوم كنيسة المسيح الارثوذكسية الرسولية, الواحدة, المقدسة, الجامعة في اقاصي المسكونية حدثا شهيرا, عجيبا وخلاصيا, تعيد وتحتفل بحدث محبة الله للبشر التي لا تحصى.
ما هو هذا الحدث الذي تفرح له الكنيسة وتبتهج به. اذن انه الحدث الذي زار فيه الله في قديم الازمان جبلته, اي في عهد الامبراطور اوكتافيانوس اغسطوس القيصر بطريقة ظاهرة وغير مسبوقة وغير مكررة. انه راى عذاب الانسان من الشيطان والخطيئة, واذ شفق عليه ليس كما في القدم بالانبياء بل بالابن (عبرانيين 1 :1-2), بابنه الوحيد الذي “كان قبل الدهور في احضانه” (يوحنا:1-18) الذي كان مساويا لله (فليبي 6:2) ارسل الله الى العالم مولودا من امراه مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني” (غلاطية 5:4).
كان هذا بلا بدء, ولا زمن, ولا جسد. اخذ بداية زمنية وتجسد من الروح القدس ومن دماء الكلية القداسة والدة الاله الدائمة البتولية مريم, عندما اقتبلت البشرى الملائكية على فم رئيس الملائكة جبرائيل في الناصرة (لوقا 38:1). “هكذا عرف, هكذا اراد, وهكذا سر” ليخلص الانسان بتانس ابنه. هكذا هي الديناميكية, وليس التدخل التسلطي لله في حياة الانسان وتاريخه, انه ما يقال من قبل اب الكنيسة المتشح بالله كيرللس الاسكندري ان “المسيح ندركه كاله, وقد دخل في المسكونة وكانسان ظهر جزءا من العالم وان الله يختلط بغير استحالة بالطبيعة البشرية, كي يجلب الانسان الى علوه”.
ان ما بشر به سريا للعذراء في الناصرة, ظهر بوضوح في بيت لحم, في هذه المدينة وهذه المغارة القابلة الاله.” العذراء عندما تمت الايام لتلد, ولدت ابنها البكر وقنتطه واضجعته في مذود” (لوقا 7:2).
في هذه الولادة بغير فساد, وبظهور الله بالجسد على الارض وامتزاجه بالبشر. دعا الله شهودا ” مجوسا حكماء من المشرق” (متى 2: 1-2) عبدة النجوم سابقا والذين اقتادهم الان نجم ليسجدوا لشمس العدل. وكذلك دعا اناسا بسطاء” دعا رعاة ساهرين على رعيتهم” (لوقا 8:2), دعا هؤلاء بواسطة الملائكة وقد ملاوا السماء بالتسبحة الشجية” المجد للف في العلى, وعلى الارض السلام وبالناس المسرة” (لوقا 14:2).
بهذه التسبحة الملائكية السماوية اعلنت زيارة ابن الله الوحيد بالجسد الى العالم “كرئيس للسلام” وكمصالحة الله والناس (كورنتوس الثانية 18:5).
على هذه الصخرة الاساس لشخص المتانس وعمله فيما بعد, وتعليمه السلامي, والعلامات المحبة للبشر, والتضحية, والفداء, والقيامة المحيية وصعودة المجيد, ارتكز جسده اي الكنيسة, اوذ اتخذت هذه قوة الروح القدس للمسيح في العلى, كرزت من العلية مغفوة الخطايا لكل الامم, وسلاما للقريبين والبعيدين. ونقلت الناس من الظلام والجهل وعبادة الاصنام الى نور المعرفة الحقيقية والعبادة بالروح, لقد زينت الكنيسة اخلاق البشر,
تتابع الكنيسة خدمة الانسان هذه في اقاضي المسكونة مؤمنة بالحقيقية المعطاه لها حتى هذا اليوم. تشترك الكنيسة فاعلة وبلا ضجة كمؤسسها في الحياة الانسانية. وتستمع بعناية واهتمام كبيرين الى صراخ الانسان الصادرة عن قلقه, وعدم تاكده, وفقدان عمله, واسه. وتتالم مع الانسان المتالم وتقف الى جانبه كام حنون, وتشكل عملا تقديسيا باسرارها الى اعضاءها, وعملا تصالحيا بين الامم المتصارعة ويضا عملا محبا للبشر واجتماعيا للمحتاجين الذين هم ضحايا الطمع والفساد الاقتصادي وترفع صوت الاحتجاج لانه يوجد لغاية اليوم في القرن الحادي والعشرين اناس هم ضحايا للعنف الحربي والارهابي, انس ينقلون كالبضائع ويصابون باستغلال متنوع محرومين من الخيرات الالهية للحياة, كالماء, والخبز وحق الحرية الدينية والقومية والدخول الى بيوت ابائهم واجدادهم.
ان هذا العمل التقديسي, المحب للبشر, والسلامي والحضاري تقوم به بافتخار كنيسة القدس في الاماكن التي ظهر فيها الله المتجسد, التي هي من صلاحيتها, اي المزارات المقدسة, والكنائس الشريفة والمؤسسات الخيرية التي هي مراكز تزويد روحي وواحات استجمام روحية. ان بطاركة هذه الكنيسة ومنهم خاصة القديس صفرونيوس ظهورا كعاملين للسلام يمسكون غصن الزيتون ويمدونه. واصدق شاهد على ذلك باسيليكا قسطنطين التي تفوق بالقوة الالهية ارتجاجات التاريخ والتي تجمع فيها شعوبا واجناس الارض بلا استثناء من حيث الدين واللون التي تشكل اليوم قلب ارض فلسطين.
من الباسيليكا هذه ومن هذه المغارة قابلة الاله نوجه تحية سلام ودعاء ابوي وبركة بطريركية بالمسيح الذي ولد من العذراء بطريقة غير مدركة الى سائر شعبنا القريب والبعيد, وخاصة الذين يقطنون في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بسلام وحرية دينية تحت الرئاسة والقيادة الحكيمة والعادلة لفخامة رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس ابو مازن الذي يكرم بحضورة هذا الاحتفال للروم الارثوذكس متنين له وللشعب الفلسطيني التقدم الازدهار وتحقيق اهدافهم وباقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

في المدينة المقدسة بيت لحم
اعياد الميلاد سنة 2011


الداعي بالرب
ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون