كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس جوارجيوس في بلدة الخضر – 2012/05/06
” اليوم يوم القيامة فسبيلنا أن نتلألأ أيها الشعوب ، لأن الفصح هو فصح الرب ، وذلك فإن المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة . ومن الأرض إلى السماء، نحن الناشدين نشيد النصر والظفر” . هكذا ترنم كنيستنا نشيد القيامة المجيدة .
أيها الاخوة الأحباء بالمسيح
أيها المسيحيون الحسنى العبادة
لتذكار القديس في الشهداء جوارجيوس اللابس الظفر، إجتمعنا اليوم في مدينتكم الأصلية في مدن وقرى الفلسطينية ، لنحتفل للسر العظيم ، والفائق التكريم ، قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح .
” لأنه أجازنا من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء إلهنا يسوع ” . هكذا يكرز بطريقة ترنيمية القديس يوحنا الدمشقي. وهذا بالتدقيق معنى العبور من الموت إلى الحياة ، ومن الأرض إلى السماء لطبيعتنا البشرية بالمسيح المصلوب والمقام ، لذلك تعتبر وبالتمام جوهر إيماننا المسيحي ، فهي هدف كنيستنا المقدسة الأساسي ، بهذا الواقع الحقيقي نحن نبشر ونهتف إحتفاليا ً من خلال عيد قيامة ربنا يسوع المسيح المجيدة ، كما يقول يسوع: ” أنا هو الطريق والحق ” ( يو 14: 6) ، ” والقيامة والحياة ، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيا ً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد ” ( يو 11 : 25- 26).
القديس كيرللس الأسكندري يفسر كلام ربنا يسوع المسيح إذ يقول : ” إن الأيمان بالمسيح وتبجيله بوقار وإجلال ، يمن علينا بثمار الحياة الأبدية … لكن هذه الثمار الحقيقية سوف تكون فقط من نصيب أولئك الذين سلكوا في طريق التوبة الصادقة والثابتة ، فالموت للمؤمن التائب هو جسر للعبور من الحياة الزائلة إلة الحيلة الأبدية “.
فعلا ً أيها الأحباء ، إن ثمر الإيمان بالمسيح هو الحياة الأبدية التي وهبها لنا هو نفسه المسيح ربنا وإلهنا ، من خلال قيامته الظافرة .
لذلك فإن شهداء محبة المسيح قد إمتلئوا غيرة وحماسا ً لتوقهم أن يجنوا من ثمر الأيمان بالمسيح هذا ، أي التمتع بالحياة الأبدية ، وخاصة القديس العظيم في الشهداء جوارجيوس الذي نكرمه اليوم، حيث تألق بمحبته ، كما يقول مرنمه : ” لقد سلكت على ما يستلزمه إسمك يا جوارجيوس الجندي الباسل ، فإنك حملت صليب المسيح على منكبيك . وحرثت الأرض التي بارت بالضلالة الشيطانية . واستأصلت منها أشواك عبادة الأوثان . وغرست فيها كرمة الإيمان القويم . وأصبحت فلاحا ً للثالوث القدوس بارزا ً . تفيض الأشفية لجميع المؤمنين المنبثين في أقطار المسكونة كلها . فنطلب إليك أن تتشفع في سلام العالم وخلاص نفوسنا”.
إن غش دين الأصنام قد فضحه بطريقة نبوية أشعياء القائل : “إجتمعوا يا كل الأمم معا ً ولتلتئم القبائل . من منهم يخبر بهذا ويعلمنا بالأوليات ليقدموا شهودهم ويتبرروا. أو ليسمعوا فيقولوا صدق ٌ “. ( أشعياء 43 : 10). فأي من آلهة الأصنام تنبأ قط ، أو من من هذه الآلهة تفوه بأقوال نبوية في الماضي !؟ دعهم يحضرون شهودهم بثوابت نبوية ، وليأكدوا صدق أقوالهم التي يدعونها ؟! وهكذا يظهر أن آالهة الأصنام ، آلهة كذبة لا يمتون إلى الحقيقة بصلة ٍ .
القديس كيرللس الأسكندري الذي يفسر نبوءة أشعياء الملهمة بالروح القدس يقول : ” لكن لا أحد ٌ من أنبياء الأصنام قدم شهادة حقيقية صادقة، ولا أحد تنبأ عما سيحصل في المستقبل ، لكنهم تكلموا بالزور ظانين أنهم آلهة بالفعل ، فإنهم غشاشون ، وأنبياء كذبة ودنسين ، ومجدفين ، منتهكين كل الحرمات .
لهذا الغش والكذب لعباد الأصنام ، قاوم ببسالة القول والفعل ، القديس جوارجيوس من خلال إستشهادة بالدم ، عربون محبته للمسيح الأله . وهكذا أصبح مشاركا ً للنور غير المدرك للمسيح الأله ، الذي يقول : ” أنا هو مور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة ” ( يو 8: 12).
لنلاحظ تفسير الأب آمونيوس إذ يقول : ” أن يسوع يظهر أنه هو من أجله ، صرخ أشعياء سابقا ً : هلموا لأني وضعتكم لنور الأمم وليس كأحد الأنبياء ” . وهذا ما يؤكده أشعياء : ” أنا الرب قد دعوتك بالبر… وأجعلك للشعب ونورا ً للأمم ليس كأحد الأنبياء ، لكن ضابطا ً للكل ” ( المخاطب هو المسيح الأله ).
القديس جوارجيوس أيها الاخوة الأحباء يعتبر شهيدا ً لمحبة المسيح عظيما ً، لانه كما يقول مرنمه : ” لنمتدحن يا إخوة مدحا ً روحيا ً جلادة حجر الماس العقلي . جاورجيوس الشهيد الذائع الصيت . الذي لما اضطرم بمحبة المسيح تصلب متجلدا ً بالخطوب . وتحدد مشحوذا ً بالعذابات جسده . الذي إذ كان فانيا ً بحسب الطبيعة أذابته العقوبات المتنوعة . فإن المحبة تغلبت على الطبيعة فأقنعت العاشق بأن يصل الموت إلى معشوقة المسيح الأله مخلص نفوسنا”.
بكلام آخر ، الغيرة الألهية التي غلب فيها الطبيعة البشرية لأصدقاء المسيح تحققت من خلال الموت ، لتعبر بهم إلى الحياة الأبدية ، أي المسيح ، هذا مرهون بقمة المحبة الكاملة للمسيح ، كما يلاحظ ذلك القديس إكليمس الأسكندري : ” إن شهادة الدم ليست هي هدفا ً بحد ذاته ، وليست هي نهاية الحياة البشرية المعاشة ، لكنها سمت الكاملة والصادقة للمسيح الإله”.
أما حسب القديس يوحنا ذهبي الفم : ” شهادة الدم بدون إمتلاكها محبة المسيح ، لا جدوى منها ، فهي لا تؤهل الشهيد لأن يكون تلميذا ً للمسيح ، فهذا الشهيد هو الخاسر الواحد والوحيد إذا ما إقتصرت عنده الشهادة على الموت دون المحبة الباذلة للمسيح الأله “.
آلام صلب المسيح هي قيمة الله للإنسان ، قيامة المسيح تؤكد أن الإنسان خلق على صورة الله ومثاله ، هذا يعني أن الإنسان ، إنسان الفساد أي الخطيئة يلبس مع المسيح المقام لباس عدم الفساد، والجسد الفاني يلبس لباس عدم الموت ( الخلود) ، كما يذكر الحكيم بولس : ” لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد ٍ وهذا المائت يلبس عدم موت ٍ . ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ٍ ولبس هذا المائت عدم موت ٍ” ( 1 كورنثوس 15 : 53-54).
الشهداء الصادقين غير الكاذبين ، لكرازة بولس هذه ، تظهر أن الشهداء القديسين الذين غلبوا وتكللوا بإكليل الشهادة ، ومنهم المتميز بين جميعهم القديس جوارجيوس ، فخر الأرض الفلسطنية العريقة المقدسة .
هذا هو الشهيد العظيم جوارجيوس الذي شارك المنزه عن التألم في آلامه وقيامته ، أي المسيح الإله ، وأيضا ً شارك في ملكوته، فكان يستلهم الشجاعة والمروءة من الرسول بولس القائل : ” فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضا ً ننتظر مخلصا ً هو الرب يسوع المسيح ، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ، ليكون على صورة جسد مجده ” ( فيلبي 4 : 20-21 ) . فلا يقول بتغيير إلى صورة أخرى ، حاشا ! بل بالأحرى بتحويل من فساد إلى عدم الفساد . كما يقول القديس يوحنا الدمشقي .
أيها الأخوة الأحباء
لقد صبا الجندي العظيم جاورجيوس إلى المسيح الملك الذي بذل نفسه عم حياة العالم . فأسرع مبادرا ً إلى الموت من أجله . فإن الغيرة الألهية تملكت قلبه فقرب نفسه برضاه ذبيحة ً . فلنمتدحه نحن الآن عن إيمان ٍ . كشفيع فينا حار، وعبد للمسيح مجيد ٍ حقاً.
قد اقتدى بسيده وهو يسأله أن يمنح الجميع غفران الزلات .
فبقوة الصليب الكريم المحيي أيها الثالوث الفدوس إحفظنا وارحمنا، بشفاعة القديسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم . آمين
المسيح قام . حقا ً قام
مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون