كلمة قدس الاب الايكونموس عيسى مصلح, الناطق الاعلامي لبطريركية الروم الارثوذكس, امام الرئيس الفلسطيني ابو مازن محمود عباس

سلام من الله عليكم ،

كم يطيب لنا ويسعدنا أن نجتمع الان وعي هذا اليوم الأعز تحت رعاية قائد المسيرة وحامي القضية وحامل لوائها، حارس القدس الامين ، والفارس الجسور الذي يمتطي صهوة العاصفة للدفاع عن هذا الشعب الأبي وحقوقه ، من أجل أن نبحث في شأن لا يعلو عليه شأن ، ولنتداول في أم القضايا وأهمها ، وقطب أمانيه وأجلها ، وأمال تضحياته وأسماها ، وغاية تطلعاته وأنبلها ، عروس المدائن كلها ، قدس الأقداس ، ماسة الدنيا ولؤلؤة الله على الارض إنها القدس الشريف .

وما أشد يدمى قلوبنا أن أمتنا العربية من خليجها الى محيطها تكابد كل ضعف ووهن ، وتقاسي كل داء ووصب ، وقد عمي بصرها عما يلاقيه شعبنا من جور وقهر مثلما تتجاهل ما يواجهه من كروب وأحزان دونما مبالاة بما يقع للقدس من تعذيب وصلب لأهلها ومقدستها ومحو لتاريخها وتدمير لمعالمها وترحيل لأبنائها . إن أمتنا التي تكاد تتلاقى مع أهل الكهف في سباتها العميق ، ونومها الطويل عما يجري للقدس الاسيرة من نسيان وخذلان ، لن يثبط من عزائمنا يوما للدفاع عن أنفس ما نملكه من تراب ، وأغلى ما في قلوبنا من مقدساتٍ ! وهل في فلسطين كلها أغلى من المسجد المبارك ، وأحب من كنيسة القيامة المباركة .

إن بطريركية الروم الارثوذكس في القدس ، أم الكنائس في العالم تعيش بقلقٍ وأسى عميققين حيال ما يخترم القدس الشريف من مضائب وشدائد وأخطار تحيق بالمساجد والكنائس على أيدي إرهابيين عابثين طماعين ظالمين لا يردعهم رادع ٌ ، ولا يردهم ضمير . أن أستهداف المساجد والكنائس هو أستهداف لوجود شعينا ، واستئصال لجذوره الضاربة في أعماق التاريخ من هذه الارض المقدسة . ولا نغالي إذا قلنا أن استهداف كنائسنا من قبل مجموعاتٍ يهوديةٍ متطرفةٍ ، هو إستهداف ٌ واضحٌ ومبيتٌ للوجود المسيحي القائم منذ القدم في أرض المسيح عليه السلام ، أرض مولده وموته وقيامته. والأمر نفسه يحل على ما يجري لإخوتنا المسلمين ، من استهدافٍ لوجودهم كوننا شركاء في هذه الأرض الطيبة ويجمعنا المصير الواحد فوق ترابها المقدس.

إن من أكثر الأمور التي تقلقنا بل تهز مضاجعنا هو استهداف المسجد الأقصى المبارك وما يضمرون له من نوايا خبيثة في الظلام الدامس ، وحيال هذه المحنة الثقيلة ترى بطريركية القدس أن التضامن مع النسجد الاقصى المبارك والمساهمة في الدفاع عنه في ظل محاولات الاعتداء عليه ، يأتي واجبا ً مقدساً ووفاءً دائما ً للعهدة العمرية ، وجسيدا ً ثابتا ً للراوبط الأخوية بين المسلمين والمسيحيين في الاراضي المقدسة .

ومما لا شك فيه أن المجموعات اليهودية المتطرفة لا تدرك من حقد عنصريتها ، والجهل الذي يغشى قلوبها أن الانسان هو غاية الرسالات السماوية ، وان الله خلقنا على صورته ومثاله لنعبده ونحقق رسالته على أرضه بالمحبة والرحمة ، بل أن من هؤلاء الاشقياء من وجد له تبريراً لقتل الابرياء ، وعذراً في الإساءة إليهم ، وحقاً مشروعا ً لإلحاق الأذى بالمقدسات والممتلكات ، دون أن يدري أم من يرتكب هذه الاثام والخطايا فإنه يرتكبها بحق السماء كما يؤذي الله حين يؤذي عبادة الأبرياء ، ودل على نفسه بحقده أنه من أعداء الله وأعداء المحبة والسلام على الارض . وهل من الديانات السماوية ما يبؤؤ التعدي على المقدسات ، او يجيز قتل النفس البريئة ، وسلب حقوقها ، أو يبيح الاساءة للرسل والانبياء من خلال فيلم دنس أو صورٍ نجسة ٍ أو كتابات ٍ دنيئة ٍ ؟؟!! ألا ان ذلك قيء الحقد والضغينة ونضح الإناء الآسن ..!
أخواتي وإخوتي ،،،

وعلى رغم احتياجات القدس الضرورية التي تمليها تحديات أعداء السلام ، وخاصة في المجال الاقتصادي والتربوي والثقافي والرياضي ، فإننا مدعوون اليوم ، كأبناء لهذه المدينة المنكوبة ، أن نخرج من هنا بإفكار خلاقة ٍ و آراء ٍ سديدة لحل مشاكلنا ، ولا يكون اعتمادنا على الحلول السهلة المقصورة على استجلاب التمويل وحسب ، بل إننا نريد القدس مدينة قادرة ً على الصمود من خلال دعم أبنائها ، ومدهم بكل أسباب الثبات والبقاء وتتعدى القضية أن تكون قضية شؤون اجتماعية تمتظر دعما ً ماليا ً من هنا أو من هناك . إن النضال الحقيقي في الدفاع عن القدس يبدأ أولا بمحاسبة الذات ، ماذا فعلنا وماذا نفعل من أجب القدس ، وحالها ما هي عليه من المحن والعوادي ، وقد أزرى بها الدهر ، وهانت في أعين أمة بكاملها ، وغابت عن ضمائر أبنائها .

سيدي الرئيس : ختاما ً أقول لفخامتكم .. كأني بطيف القدس من وراءالأسوار أراه الان ماثلا أمامكم يخاطبكم ويمد يده إليكم ويشكو لكم !! وحسبكم شرفا ، وكفاكم سؤدداً أن الله جل شأنه قد اختاركم وحدكم دون غيركم لتكونوا فارس القدس المقدام وحامي ذمارها ، والكاسر لقيودها وأصفادها !!

مع دعائنا لكم من العلي بكل نجاح وتوفيق.
الناطق الاعلامي لبطريركية الروم الارثوذكس – قدس الاب الايكونموس عيسى مصلح

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون