1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار القديس جوارجيوس المظفر – 16.11.2012

قال الرب لتلاميذه : ” وقد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا ، سيخرجونكم من المجامع ، بل تأتي ساعة ، فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله ” ( يوحنا 16: 1-2).
نا قلت لكم هذا – يقول ربنا يسوع المسيح لتلاميذه – لكي لا تعثروا من البغضة والكراهية التي ينفثها العالم ضدي ، ولكي لا يتزعزع إيمانكم بي ، فأولئك يريدون حرمانكم من الكنيسة معتبرين إياكم من الهراطقة ، لا بل فقد تأتي ساعة سيظن فيها كل من يقتلكم أنه لا يقوم بجريمة نكراء، من خلال القتل وسفك الدماء ، بل يظنها عبادة مرضية لله .


أيها الأخوة الأحباء بالمسيح
أيحها المسيحيون الحسنى العبادة

تلاميذ المسيح ورسله الأطهار أصبحوا شهود عيان ، كونهم شاهدوا ولمسوا كلمة الله المتجسد – ابن الله وابن الانسان – ( ابن الانسان أي ابن مريم الدائمة البتولية ).

شهادة الرسل والانجيليين الاطهار ، ختمت بواسطة الدم الاستشهادي فانهم إستشهدوا بأيدي أولئك القتلة الذين
أبغضوهم ونبذوهم كم أجل أسم المسيح .

ضحايا الكراهية والبغضاء هي ضد هذا الاسم ” وأعطاه اسما ً فوق كل اسم ” ( اي المسيح ) ، فقد كانوا شهداء محبة المسيح ، حسب ما قاله المسيح السيد : ” وتكونون مبغضين من الجميع . من أجل اسمي ” (متى 10 : 22).
هكذا ضحية الكراهية من أجل إسم المسيح كان القديس الشهيد العظيم جوارجيوس ، الذي نقيم تذكار تجديد الهيكل الذي يحمل إسمه الكريم في هذه المدينة المقدسة اللد . فعلاً تم تدشين هذا الهيكل الكلي الوقار، من خلال نقل رفاته الكريمة ووضعها باحترام بالغ في قبره الذي أعد مسبقا ً ، وهو لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا .
القديس جوارجيوس المظفر كما يذكر كاتب سيرة حياته : ” كان يتمتع بموهبه إلهية صالحة ، فكان ذا تربية وخلق كريم ، يتحلى بالصفات الطيبة والانسانية ، هكذا كانت سيرة حياة أجداده ، التي انتلقت من السلف الى الخلف ، حتى أن والديه كان يتمتعان باللياقة والاتزان ، وحسن العبادة وهي عطية الهية من السماء ، ضمن هذا الوسط الفريد ، برز القديس جوارجيوس جندياً ثم قائدا ً مغوارا ً .
لذلك سمح له من قبل الإمبراطور الجاحد ذيوكليتيانوس ، ليتبوأ منصب تريبونس ، وبعدها ارتقى في سلك الجندية ليصبح قائدا ً ، ثم مسؤلا ً كبيرا ً في إدارة الجيش ، كل ذلك من أجل شجاعته وشدة بأسه ، وقوته الخارقة ، علما ُ أن الامبراطور لم يكن على دراية بأن قائد العظيم جوارجيوس يعتنق الايمان المسيحي القويم .
لكم عندما اتت الساعة ، إنتصب بعزم أمام الإمبراطور ذيوكليتيانوس وحاشيته وعرف مقدار الكراهية والبغض التي ينفث بها الامبراطور تجاه المسيحيين ، عندها اعلن جهارا ً أن المسيح هو الله وابن الله ، كارزا ً أمام الحضور الملكي بسر التدبير الالهي ، لذا كان ثمن هذا الايمان ، موت الشهادة ليصبح شهيدا ً عظيما ً من خلال سفكه لدمه ، كما المسيح السيد إفتدانا بدمه الثمين الطاهر على خشبة الصليب .
شهادة القديس جوارجيوس من أجل نور حقيقة المسيح ، وأيضا كرازته ، يدونها لنا بوضوح مرنم الكنيسة قائلا ً : ” لقد سلكت سلوكا ً ينطبق على معنى اسمك يا جوارجيوس الجندي العظيم . فإنك حملت صليب المسيح على منكبيك . وحرثت الارض التي بارت بالضلالة الشيطانية ، واستأصلت عبادة الاوثان المشوكة . وغرست كرمة الايمان القويم . فأصبحت حراثاً للثالوث القدوس بارا ً تبسط فروع الاشفية لكل من المسكونة من المؤمنين “.
فعلاً ايها الاخوة الاحباء
شهادة القديس جوارجيوس ، ساهمت بشكل فعال بابعاد غش الدين الشيطاني ، وضلالة الاصنام ، وكذلك تحرير الناس من هذه العبودية ، ثم تنويرهم بزاد المعرفة بإنجيل المسيح – الدين الحقيقي .
ان الرسول بولس أيها الاحباء ، وفيما يتعلق بالنتائج الإيجابية للأحزان ، فهو يدعونا لإتباع منهج ومسلك الحياة المسيحية عند الشهداء إذ يقول : ” لذلك نحن أيضا ً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه المحيطة بنا بسهولة ، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ، ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع ، الذي من اجل السرور الموضوع أمامه ـ احتمل الصليب مستهينا ً بالخزى ، فجلس في يمين عرش الله ”
(عب 12: 1-2).

الشهداء القديسون الذين يذكرهم الرسول بولس هم بشر تحت الالام مثلنا ، هكذا وبشكل تام كان قديسنا العظيم جوارجيوس ، فهؤلاء الشهداء لم يكونوا أبطالاً خياليين ، ولم يكونوا بشراً مثاليين . لكنهم كانوا يحملون الروح القدس ، روح المسيح في ذواتهم .
أن المسيح المصلوب والمقام ، يعتبر بوصلة الانتماء والاتصال ، لذلك الرسول الالهي يحدثنا قائلا ً : ” ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا . ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع ” (عب 12: 1-2).
ليتنا نسرع بجهادٍ وصبرٍ للجعالة الموضوعة أمامنا ـ، غير ناظرين الى الوراء لكن فقط نحو يسوع المسيح أساس الايمان ورئيسه ، فهو الذي يقودنا الى تتميم إيمانه .
نحن ندين ونقر : بأن المعنى العميق للشهيد ، هو في درجة ومقدار المحبة التي يكنها نحو المسيح الاله ، من خلال جهاده حتى الدم ليتحقق بذالك تتميم الايمان ، كما ربنا يسوع المسيح قام بتتميم الأعمال الخلاصية من خلال سفك دمه الطاهر الثمين على الصليب تامحي ، أي الموت الصليبي .
وكما يقول الفديس كليمنضوس الاسكندري في هذا المضمار : ” نحن ندعو الشهادة انها تامة وكاملة ، ليس لانها نهاية حياة الانسان الارضية كما يحدث مع باقي البشر ، لكن من مقياس عمل المحبة الكاملة والتامة ” .
هلموا بنا لنشاهد كنيستنا التي تكرم بغيرة متقدة شهداء الايمان المسيح، هلموا بنا لنشاهد القديس جوارجيوس يتألق بمنزله سامية في سحابة شهود الكنيسة ، وايضا ً كسحابة أخرى في يوم تكريمه ، هذا يثلج صدور الذين يكرمون تذكاره بفرح وشوق وغبطة ، معزيا ً إياهم من نار الشهوات والاحزان والضيقات التي يواجهونها في حياتهم اليومية ، الى السعادة والبر والسلام .
نتضرع الى القديس العظيم جوارجيوس ، ومع مرنم الكنيسة نقول : ” صني واقيا يا كلي الغبطة جاورجيوس . فيما أسافر في البحر او اسير في الطريق أو انام في الليل ، واحفظني من يقظتي . واهدني الى العمل بارادة الرب . حتى أجد أنا الملجىء الى ستر وقايتك العفو في يوم الدينونة عما اقترفته من الاعمال “.


وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون