1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس نيقولاوس العجائبي 2012/12/19

“ذكر الصديق بالمدائح وبركة الرب على راسه”.
ايها الاخوة الاحباء بالمسيح
ايها المسيحيون الحسني العبادة

اليوم تعيد كنيستنا تذكار مثل هذا الصديق, هذا الصديق هو الاب القديس نيقولاوس العجائبي رئيس اساقفة ميرا في مقاطعة ليكيا في اسيا الصغرى, حيث يصفه مرنم الكنيسة: بانه: “وريث الله, مشارك المسيح بالوراثة, خادم الرب الامين”.

ايها الاخوة الاحباء, فعلا ابينا القديس نيقولاوس تقلد سمة كوريث لله, لانه طلب من الله المحبة, فاستلم هذه النعمة بجدارة, كمان يقول النبي والملك سليمان الحكيم: “انا الله احب الذين يحبونني, والذين يطلبونني يجدون نعمة”, هكذا اصبح شريكا في وراثة المسيح, لانه سكنت في قلبه النقاوة, وحل فيه نور الروح القدس, كما يقول المرنم:
“لقد باشرت اشعة الروح القدس واضحا, فاصبحت نيرا تنير اقطار العالم, وتحضر عند جميع الذين يلتجئون اليك عن ايمان وتنجيهم كلهم”.
لقد اصبح القديس نيقولاوس خادما امينا للرب, كونه كاهنا وراعيا لاسقفية ميراليكيا, فان نفسه تواضعت, مقتديا وسالكا في مشورة الانجيل, كما يذكر مرنم الكنيسة: “لقد اصبحت كاهنا في ميرة ايها البار القديس, فانك وضعت نفسك عن شعبك تتميما لما ورد في انجيل المسيح وخلصت من الموت الابرياء, ومن تقدست كخادم لنعمة الله عظيم”.
بالاضافة لذلك, فالقديس نيقولاوس اتم قانون الايمان الارثوذكسي الحقيقي والخلاصي, وهذا لانه جاهز بقوة وشجاعة منقطعة النظير ضد الفساد والغش, مقاوما تعاليم اريوس الهرطوقي الخارج من الايمان القويم.
لذلك ايها الاخوة الاحباء علينا ان ندرك تماما, والا نتجاهل هذه الاقوال الهرطوقية المميتة, لان المسيح هو الحق والحقيقة, فحقيقية المسيح لا تقتصر على الاعتراف بالايمان فقط, لكنها تسمو فوق هذا بكثير, كونها الطريق, ومنهج الحياة الحقيقية, هذا هو بالتدقيق طريق الحياة المسيحية, واسلوب تعاملها الصحيح والسليم, لان كنيستنا الارثوذكسية المقدسة تبرز وباجلى بيان هذه الحقيقة من خلال قديسيها المجاهدين الجهاد الحسن, مثل القديس نيقولاوس, التي تقيم الكنيسة تذكاروه في هذا اليوم المبارك, فانه اصبح مقتديا بالمسيح, حسب قول الرسول بولس القائل : “تمثلوا بي كما انا بالمسيح” (1 كو 1:11).
اذا القديس نيقولاوس سلك هذه الطريق في حياته بالقول والفعل, وهكذا طبق دعوة المسيح القائل: “احملوا نيري عليكم وتعلموا مني, لاني وديع ومتوضع القلب, فتجدوا راحة لنفوسكم” (متى 11:29), وفعلا امتلك فضيلتي الوداعة والاتضاع, كما يشهد بذلك مرنمه القائل: “لقد اظهرتك حقيقة الاحوال لرعيتك دستورا للايمان وتمثالا للوداعة, فاقتنيت بالتواضع الرفعة, واحرزت بالفقر الغنى”.
اجتمعنا اليوم اكليروسيا وشعبا مؤمنا, بتذكار القديس نيقولاوس في رحاب هذه الكنيسة العامرة, التي تحمل اسم شفيعها نيقولاوس في مدينتكم الابيه بيت جالا قرينة اختها بيت لحم, – فكل قرين بالمقارن يقتدي – مكرمين ومبجلين قديسها وشفيعها العظيم؛ ولكن لقائنا الروحي هذا اتى لكي يهيئ نفوسنا وذواتنا لاستقبال المخلص داخل مغارة قلوبنا. لنعاين بنقاء وصفاء ولادة يسوع المسيح ربنا والهنا, الذي تجسد من دماء النقية الطاهرة والدة الاله الدائمة البتولية مريم.
عيد الميلاد يتمتع بصفة خاصة تميزه عن باقي الاعياد السيدية الكبرى, هذا لانه بحسب القديس اثاناسيوس الكبير: “ابن الله صار انسانا لكي يصير بنو البشر ابناء لله بالنعمة” (ضد الاريوسيين 1:39). هدا يعني ان سر تجسد وتانس كلمة الله يعني المسيح, هذا السر تحقق وتم فعلا بالزمان والمكان, حيث اشرق منه, نور المعرفة, وشمس العدل, لجميع ارجاء العالم.
لا احد يستطيع ان يرفض وان يدحض ان “كلمة الله صار جسدا” (يو 14:1), فانه هو النور الاتي للعالم, كما يشهد المسيح عن نفسه قائلا: “انا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلام, بل يكون له نور الحياة”. (يو 12:8).
هذا بالتدقيق نور المسيح المعلن في كنيستنا كنيسة الله المقدسة, والذي يكرز به في كل زمان وفي كل مكان بوضوح ونقاوة خاليا من اي شائبة, وخاصة في الاعياد السيدية الكبرى, وكذلك عند تذكار ابائنا القديسين الاطهار, وشهداء كنيستنا الابرار.
كرازة الكنيسة ليست فقط كرازة معنوية تقتصر على التعليم والارشاد, انما تتمحور وتتمركز حول الكلمة الحية, حسب اعتراف الرسول بولس: “لان كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين, وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاضل والمخاخ, ومميزة افكار القلب ونياته” (عب 12:4).
بكلام اوضح: ان كلمة الله التي مكنوز فيها جميع الصفات والفضائل المقرونة بقوة التهديد والوعيد, تقودنا لان نكنن ذوي اهتمام. ومسؤولية ضابطين فكرنا, سالكين بحذر واهتمام وبتمييز, بغير فتور واستهتار وتواني لان كلمة الله ليس كلمة ميتة, بل هو حي, نشيط وفعال, حاد وقاطع اكثر من كل سيف ذي حدين, فانه يدخل في خلجات النفس, ويفحص كل طرقها وخواصها, يدرك مكنونات جميع اعضاعها ومفاصلها, يدخل عميقا داخل مفاهيم العقل والوجدان والضمير, ويستقصي كل واردة وشاردة تمر في خيال وفكر ونس الانسان.
هذه الكلمة “الكلمة الحية” ايها الاحباء, هي كلمة الله المسيح الذي ولد في بيت لحم, والذي اتى الى العالم نور وحياة للبشرية جمعاء, وخاصة للاعضاء المؤمنين في الكنيسة المقدسة, اي الاعضاء في جسد المسيح, هذا كله لنتحرر من سلطان ظلمة هذا العالم, فسلطان عالم الظلمة هذا هو الشيطان وشركائه ومعاونيه الذين يتعاطون الوان السحر والرمل, وكشف المستقبل بالاوراق, وفتح الفنجان, والتعلق بالابراج وما الى ذلك…

ايها الاحباء
هذا الشيء مرفوض وغير مقبول, خاصة لاولئك الذين يتمتعون باسم المسيح ابن الله الاب, الذي هو نور من نور, ان يسلك في طريق الشيطان اب الظلمة والديجور. بالنسبة لهذا يسال بولس الرسول نفسه مستغربا: “اية شركة للنور مع الظلمة؟ واي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ “اي الشيطان”, واي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن” (2 كورنثوس 6:14 – 15).
في هالة هذا النور الباهر تالق شركاء كنيستنا, مثل القديس نيقولاوس العجائبي الذي نقيم تذكاره اليوم.
نحن مدعوون تمام ايها الاحباء, الى هذا التالق, بان نكون شركاء في النور الالهي, نور المسيح, فكما سلك اولئك القديسين علينا ان نسلك مثلهم ايضا, اي ان نصبح شركاء في النور الالهي, نور المسيح الذي انتشلنا ودعانا في الظلمة, كما يشهد بذلك القديس بطرس الرسول: “الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب”
(1 بب 9:2).
نتضرع بحرارة وايمان ثابت وصادق, الى القديس نيقولاوس ومع المرنم نقول:
“فيما انت ماثل لدى منبر المسيح مع صافات الملائكة متوجا بالاكليل, يا نيقولاوس الكلي الحكمة والغبطة. امنحني انارة تجلو ظلام نفسي”.

وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون