1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مديح والدة الإله ٦/ ٤/ ٢٠١٣.

“ان حبقوق النبي لما نظر تجسدك الالهي من البتول الذي لا يستقصى أثره أيها العلي ، صرخ قائلاً : المجد لقدرتك يا رب ” ، هكذا يصرح القديس يوحنا الدمشقي .

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح .
أيها المسيحيون الحسني العبادة .

ان كنيسة المسيح المقدسة ، تدعونا بفم النبي حبقوق لندرك بفهم عميق ( الإرادة الإلهية غير المستقصاة ) . لنعاين سر التجسد وتأنس كلمة الله ، ربنا يسوع المسيح.
لكن لا يتحقق هذا ، إلا من خلال الإيمان القويم ، وشركتنا الفعلية في حياة الكنيسة ، وذلك لان هذا السر المخفي قبل الدهور ، حسب القديس بولس. صار معروفا . “وانير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح ، لكي يعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات ، بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة ” ( أفسس ٣: ٩-١٠).

ان السيدة العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم تتمتع وباستحقاق عظيم في مركز هذا الحدث الالهي العجيب ، هذا ما أعلنه النبي أشعياء “ولكن يعطيكم السيد نفسه أية، ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل”.

هذا الابن الوحيد للعذراء مريم ، وحسب شهادة الإنجيلي يوحنا هو مخلص البشرية قاطبة من سلطان الخطيئة والموت : ” … ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم “. ( يو ٤ : ٤٢).

أعمال المسيح الخلاصية ، وطريقة ومنهج الخلاص ، تعلن لنا اليوم أيها الأخوة الأحباء ، من خلال كنيستنا المقدسة ، خاصة في زمن الصيام الاربعيني المبارك ، كما يقول مرنم الكنيسة : ” قد اقبل الصيام ، ركن العفاف مبكت الخطيئة ، ومساعد التوبة ، سيرة الملائكة ، وخلاص البشر”.في مسيرة الصوم الاربعيني المقدس ، تتجلى خدمة المديح الذي لا يجلس فيه ( الاكاثيستوس ) لسيدتنا الكلية القداسة والدة الإله العذراء مريم ، حيث تعلن الكنيسة دور العذراء مريم الفريد والمميز في سر التدبير الالهي ؛ فقد نقضت اللعنة ، وأشرق بها السرور : هذا ما ينشده مرنم الكنيسة :
افرحي يا من بها يشرق السرور
أفرحي يا من بها تضمحل اللعنة

أيها الأخوة الأحباء
والدة الإله العذراء مريم ، من خلال دورها المركزي نقضت بها اللعنة ، لعنة الموت من جراء الخطيئة ، وأشرق بدلا منها فرح الذي ينزع أبداً . ألا وهو فرح الفداء ، فداء ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكفاري على الصليب، قيامته المجيدة الظافرة من بين الأموات .

لهذا السبب المرنم يصرح قائلاً لوالدة الإله :
افرحي يا استعادة ادم الساقط
افرحي يا نجاة حواء من البكاء والنحيب .
هذا الفداء المفرح ، اي قيامة ربنا يسوع المسيح في اليوم الثالث من بين الأموات ، هو فرح روحي ممجد ، فيجب علينا تلبية هذه الدعوة الخلاصية وان نشارك في هذا الفرح الالهي . بشفاعة الكلية القداسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم ، لما لها من دالة والدية مستجابة عند ربها وابنها والهها يسوع المسيح ، والتي استحقت الطوبى من جميع الأجيال ، فهي فوق جميع الخليقة المنظورة وغير المنظورة ، الأرضية والسماوية ، فهي اكرم من الشيروبيم ، وارفع مجداً بغير قياسٍ من السرافيم .

العذراء مريم هي التي أصبحت كلية النقاوة والطهارة ، بفضل حلول الروح القدس عليها، والذي ظللها بطريقة عجائبية ، تفوق إدراك البشر : حيثُ وسع فيها غير الموسوع ، اي كلمة الله وحكمة الله .

هلموا لنرى : لماذا المرنم يصرح قائلاً:
افرحي يا سلماً سماوية بها انحدر الإله .
افرحي يا جسراً ناقلاً الذين في الأرض الى السماء.
بكلام آخر الفائقة القداسة ، هي السلم ، وأيضاً الجسر الذي يوصل ما بين الكنيسة الأرضية المجاهدة ، والكنيسة السماوية الظافرة، ومن خلال شفاعاتها وصلواتها يتم صعودنا المفرح الى الكنيسة السماوية المنتصرة . “كنيسة أبكار مكتوبين في السماوات” ( عب ١٢: ٢٣) بحسب أقوال بولس الالهي . وكما يكرز الحكيم بولس الالهي : ” اتبعوا السلام مع الجميع ، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب ” ( عب ١٢: ١٤) .

ولتحقيق السلام مع الجميع؛ عليكم باتباع منهج القداسة، لنقاوة قلوبكم من كل ضغينة وشهوة وحسد، لأنه بدون القداسة لا يستطيع أحد معاينة مجد الرب، ولن يتمتع أي شخص بملكوت السموات.
أيها الاخوة الأحباء، لنعاين زمن القداسة، وزمن التوبة؛ كما يلهج بذلك بولس العظيم: (في وقتٍ مقبولٍ سمعتك، وفي يومِ خلاصٍ أعَنتُكَ) (٢ كور ٢:٦). الوقت الآن هو وقت الجهاد في ميدان الصوم المقدّس، هذا الوقت يتضمّن الشركة في حياة الليتورجيّا، والحياة السرائريّة، في الكنيسة وكل مفاعيلها الخلاصيّة. كنيستنا المقدّسة، باعتبارها أُمّنا جميعاً، فهي دائماً في إنتظار أبنائها الأول منهم والأخير، مَن كان داخل الكنيسة، أو مَن تركها بإرادته، هذه الكنيسة ما فتئت تنتظر عودتنا من حياة العبوديّة، إلى فرح حريّة أبناء اللّه حيث يستقرّ فرحنا في أحضانها الرؤوفة.هذه الأحضان التي تنمّي فينا شجرة الفضائل اليانعة: مثل الصوم والتوبة الحقيقيّة، وأعمال الرحمة والصدقة ، والغفران، والمسامحة ، ومحبة القريب ، ومحبة الأعداء .
نتضرع أيها الأحباء الى الفائقة القداسة والدة الإله ، التي تجسد من أحشائها الطاهرة ، كلمة الله بدون تغيير ، لتغدق علينا وللعالم اجمع : السلام والقداسة، لكي نكون مستحقين معاينة فرح قيامة مخلصنا يسوع المسيح ، ومن خلاله الى قيامتنا نحن البشر . أمين .

وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون