كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد بشارة والدة الإله البتولية مريم ٧/ ٤/ ٢٠١٣ (في الكنيسة)

” وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة ، واسم العذراء مريم . فدخل إليها الملاك وقال: ” سلام لك أيتها المنعم عليها ، الرب معك مباركة أنت في النساء”. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع”.
هكذا يشهد الإنجيلي لوقا البشير ( لوقا ١: ٢١- ٣١).
أيها الأخوة الأحباء بالمسيح .
أيها المسيحيون الحسني العبادة ، والزوار الأنقياء .
مدينة الناصرة ، في جليل الأمم وفي هذا المكان المقدس- وهو بيت العذراء مريم – دخل الملاك جبرائيل حاملاً معه البشرى الخلاصة ليودعها بوجل في أذني العذراء المباركة ، قائلاً لها : السلام عليك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك مباركة أنت في النساء . لأنك قد وجدت نعمةً عند الله.
في هذا الحدث الفريد والوحيد اجتمعنا اليوم القريب منا والبعيد ، بالمعونة الفائقة على الإدراك والتفنيد ، معونة الروح القدس المعزي لكل مريد ، وبركة وقوة الصليب الكريم ، المحيي المقيم ، العليل والسقيم ، من دركات الجحيم .

لنكرم باحتفال وإجلال شكرين معظمين بالتراتيل ، والأناشيد والتسابيح ما خطه الكتاب المقدس من قول ومديح . في الاسم الأعظم للدائمة البتولية مريم.
والقديس يوحنا الدمشقي يوضح سر اسم العذراء فيقول :
” لان هذا الاسم يوطد سر التدبير كله ، فإذا كانت الوالدة والدة الإله، فالمولود منها اله بكامله وإنسان أيضاً بكامله. وإلا كيف قد ولد من امرأة الإله الذي له الوجود قبل الدهور، إذا لم يكن إنساناً ؟ وانه لواضح أن ابن الإنسان إنسان . وإذا كان المولود من امرأة هو نفسه اله فتتضح وحدة المولود من الله الأب بحسب الجوهر الإلهي والأزلي والمولود في آخر الأيام من البتول بحسب الجوهر الذي بدؤه في الزمن أي الناسوت. وهذا مما يدل عل أقنوم واحد بطبيعيتين ووالدتين في ربنا يسوع المسيح.
إن كنيسة المسيح المقدسة تفرح وتبتهج بهذا الحدث العظيم ، والمقدس تذكار بشارة والدة الإله العذراء مريم الوضاءة بالنعمة الإلهية بمحياها ، وموضع نبوءات العهد القديم لها، وتبجيله إياها ، وخاصة النبي أشعياء بالنبوءة العجيبة التي عنها أداها . ومن الناحية الأخرى أضحت العذراء إشارة للشك لأولئك الذين رفضوا سر التدبير الإلهي . وهذا ما صرح به سمعان الشيخ عند دخول السيد المسيح إلى الهيكل . إذ قال لوالدة الإله العذراء مريم أم ربنا يسوع المسيح: ” ها ان هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ، ولعلامةٍ تقاوم”. ( لوقا ٢: ٣٤).
فللعذراء مريم تعتبر في نظر المؤمنين ، مدخلاً للفرح ، وباباً لتأله الكل، وعلى النقيض من ذلك ، فهي مصدر شك والتباس لأولئك الذين يرفضون سر التدبير الإلهي بالمسيح ، كما يذكر ذلك ناظمُ تسابيح المديح : “افرحي يا نبأً عند الكفار ملتبساً”.
الكنيسة الشرقية ، كنيسة الروم الأرثوذكس ، تكرم الممتلئة نعمة، بوقار واعتبار ، فتدعوها بكل جدارة واستحقاق ” فخر البتولية” ، لان كلمة الله تجسد من دمائها النقية في أحشائها الطاهرة ، الذي جعل مستودعها عرشاً شيروبيمياً ، وبطنها أرحب من السماوات .
إن الخطة الإلهية لخلاص جنس البشر ، ضمن مراحل التاريخ البشري ، وما لهج ، ونهج به الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد من نبوءات وإعلانات وعهود ووعود ، كان للعذراء مريم دور حاسم في تتميم. هذا الرسم الالهي من خلال التعاضد – سينيرجيا – الذي تم ما بين المشيئة الإلهية ومشيئة العذراء مريم ممثلة الجنس البشري ، هذه الخطة بزغت الى حيز الوجود الإنساني ، وتحققت في ملء الزمان ، بسر التدبير الإلهي بالمسيح يسوع.
إن هذا التعاضد ما بين المشيئة الإلهية ، ومشيئة العذراء الحقيقية والحرة لخلاص الجنس البشري ، أشرق منه نور العالم المسيح الإله، وللإنجيلي يوحنا شهادة رائعة في ذلك إذ قال:” … وهذه هي الدينونة ، إن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لان أعمالهم كانت شريرة” ( يو ٣: ١٩).
إن البشرية بمشيئتها الخاطئة ، وبملء حريتها ترفض الانصياع ، أو التعاضد مع المشيئة الإلهية. لكن أيها الأخوة الأحباء ، العذراء مريم ، البريئة من كل العيوب ، حصلت على قمة الاستنارة ، فهي أم الله الكلمة ربنا يسوع المسيح ، الذي أتى إلى العالم من دمائها النقية ، حيث ظللها نور الروح القدس نور المسيح ، فحصلت على خبرة التأله، وخبرة دينونة هذا العالم ، من خلال وجودها في تاريخ البشرية ؟ الطبيعي ، والمكاني ، وألزماني ، وخاصة عند معاينتها الموت الطوعي لأبنها وإلهها على عود الصليب الكريم المحيي.
وبحسب القديس يوحنا الدمشقي:
” إذاً فان كل أعمال المسيح ومعجزاته عظيمة جداً وإلهية وعجيبة . بيد أن أعجبها كلها صليبه الكريم. فلولاه لما بطل الموت أبداً ولا انحلت خطيئة أبينا الأول ولا سلب الجحيم ولا منحت القيامة ولا أعطيت لنا قوة لاحتقار الأشياء الحاضرة والموت نفسه ولا تمهد السبيل للعودة إلى السعادة القديمة ولا فتحت أبواب الفردوس وجلست طبيعتنا إلى ميامن الله ، ولا رنا أبناء الله وورثته، لولا كان بصليب ربنا يسوع المسيح ، لان كل شيء قد اصطلح بالصليب”.
إذاً لنا صليب ربنا يسوع المسيح الكريم المحيي، الذي نحتفل بالسجود له اليوم ، في نصف ميدان الصوم المبارك ; وعيد بشارة العذراء مريم ، الذي أهل والدة الإله لتكون السلم الذي من خلاله نزل الله وتراءى على الأرض ، وتردد بين البشر (باروخ٣: ٣٨). وأعاد صورتنا الفاسدة إلى حسنها الأول وأتحدها بالجمال الإلهي .
وأما الصليب الكريم المحيي ، الذي نصب في جبل الجلجثة فهو الجسر الذي يقودنا إلى السماء ، مدخلاً إيانا إلى ملكوت الله ، لهذا فالمرنم يصرح قائلاً : ” أيتها الأم العذراء والدة الإله بالحقيقة يا من ولدت خلوا من زرع ٍ المسيح إلهنا الذي رفع بالجسد على الصليب إياك نعظم الآن معه نحن المؤمنين كافةً بواجب الاستيهال”.
تكريم العذراء لعظم قدرتها وعلو منزلتها ، لهو دين علينا أيها الأخوة الأحباء فهيا بنا لنبتهج بغبطة وسرور ومع والدة الإله والملاك جبرائيل قائلين : ” السلام يا ممتلئة نعمة الرب معك تشفعي بدالتك الو الدية لدى كلمة الله ربنا يسوع المسيح ، الذي تجسد من أحشاءك الطاهرة من اجل نوال حظ المخلصين الأيمن . واهباً لنا الحياة الأبدية ، ومنعماً للعالم ومنطقتنا بالسلام والوئام ، لأنه اله عظيم الرحمة ، أمين
وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون