1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مديح العذراء في رام الله- الأسبوع الرابع- ١٢\٤\٢٠١٣

“لقد دُهشت البرايا كلها منذهلة من مجدك الالهي، أيتها العذراء التي لم تذق خبرة زواج. فانك قد حبلت بأله الكل، وولدت الابن الذي لا يحده زمان، مانحة السلام لكل الذين يسبحونك”.
بهذا الكلام الترنيمي، يمدح القديس يوحنا الدمشقي والدة الإله الدائمة البتولية مريم.

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح
ان الخليقة برمتها قد اندهشت وانبهرت، من ابنة الناصرة العذراء مريم الدائمة البتولية سواء المخلوقات العقلانية وغير العقلانية، الملائكة والبشر، السماويات والأرضيات، جميعها قد اعتراها العجب، مما قدمته العذراء مريم للجنس البشري قاطبة بحبلها بإله الكل. بفعل وقدرة الروح القدس الذي حل بها.
ان الشكر والعرفان لدور العذراء الخلاصي للجنس البشري يتألق وينبهر بالأعياد الوالدية التي تخص العذراء مريم، حيث ألهمت فيها كنيستنا المقدسة بعمل الروح القدس المستقر فيها، بتقديم الصلوات المليئة بالشفاعات للعذراء مريم، بواجبٍ من الاستحقاق والتقدير، وخاصة في هذه الأيام الخلاصية حيث تقام خدمة الاكاثيستوس، ( المديح الذي لا يجلس فيه). والمعروف بصلاة مدائح العذراء.
ان نعمة الروح القدس التي ظللت الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم، جمعتنا وإياكم في هذا اليوم المقدس، يوم الجمعة من الأسبوع الرابع من الصوم الكبير المقدس، لتكريم ومديح والدة الإله، التي جددت الإنسان الساقط، ادم الأول، وحررت حواء من الفساد كما يقول مرنم الكنيسة القديس أندراوس الأورشليمي :
“اليوم بدت بشائر الفرح، اليوم اقبل موسم العذراء فتتحد السفليات بالعلويات، ويتجدد ادم، وتنعتق حواء من الحزن القديم، فان الخباء الذي من جوهر طبيعتنا صار هيكلاً لله بتأليه العجنة التي أخذت منه، فيا للسر العظيم ان طريقة الإخلاء لا تعرف وكذلك طريقة الحبل لا تدرك. ان ملاكاً يخدم المعجزة، والبطن البتولي يقبل الابن والروح القدس يرسل والأب من العلاء يرتضي، والمصالحة تتم عن إرادة عامة، ولما كنا نحن قد خلصنا بها وفيها. فلنهتفن مع جبرائيل نحو العذراء قائلين : السلام عليك يا ممتلئةً نعمةً، الرب معك، يا من اتخذ المسيح الهنا ومخلصنا طبيعتنا منها فاستردها اليه، فتضرعي ان يخلص نفوسنا “.
هذه الأقوال الإلهية وخاصة هذا القول الخلاصي :” يا من اتخذ المسيح الهنا ومخلصنا طبيعتنا منها فاستردها اليه”، يعتبر جوهر وأساس الإيمان بالمسيح والأنثروبولوجيا للمسيحية عامة، نقول هذا لانه فسر سر تجسد كلمة الله من دماء الطاهرة البريئة من كل العيوب والدة الإله الدائمة البتولية مريم، وحسب الشهادة الصادقة والأمينة للإنجيليين يوحنا ولوقا، وللأنبياء وخاصة أشعياء النبي، الذين تضمنت أقوالهم الإلهية الحقائق الثابتة والحقيقة والموضوعية لهدف الخلق من العدم الى الوجود، ودور الإنسان تاج الخليقة، بتمتعه بميزة المنطق الفريدة والوحيدة في الكون، والعناية الإلهية المهيمنة والمدبرة والضابطة الكل.
هيا بنا لنرى الملهم الذي كتب أقوال المديح يقول:
إننا نرى الفصحاء المفوهين ( الواسعي النطق)، قد حصلوا في معناك كالسمك الذي لا صوت له، لأنهم يتحيرون في ان يقولوا كيف قد استطعت ان تلدي وتلبثي عذراء، وأما نحن فنتعجب من السر ونهتف بإيمان قائلين :
افرحي يا من أظهرت الفلاسفة عادمي الحكمة ( الفلسفة ).
افرحي يا من أوضحت معلمي الكلام، لا كلام لهم.
افرحي لان الأشداء في المحاورات بك حصلوا حمقى.
افرحي لان بك ذبل مخترعوا الخرافات.
افرحي لأنك مزقت حبائك الاثينائيين. ( أو الاثينين).
افرحي لأنك افعمت شباك الصيادين.
افرحي يا من تنتشل من عمق الجهل.
افرحي يا من تنير بالمعرفة كثيرين.
افرحي يا سفينة للذين يؤثرون الخلاص.
افرحي يا ميناء سباحي العمر.
افرحي يا عروساً لا عروس لها.

نعم أيها الأخوة الأحباء
ان مريم الممتلئة نعمة من الروح القدس، هي والدة الإله أم النور الحقيقي، نور يسوع المسيح ابنها وربها، وذلك من خلال أقوال الرسول بولس العظيم :” وأنا نحن فينبغي لنا ان نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الأخوة المحبوبون من الرب. ان الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق، الأمر الذي دعاكم اليه بإنجيلنا، لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح” ( ٢ تسالونيكي ٢: ١٣- ١٤).
والدة الإله الفائقة القداسة، هي رأس الإيمان الخلاصي، والسر الذي قبل الدهور، وهي الكنز الذي لا يثمن، والتي وهبت لنا من الله المحب البشر. ” لان الله الذي قال ان يشرق نور الظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا. لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ” (٢كور٤: ٦).
استنارة معرفة مجد الله، وخبرة تأله والدة الإله الدائمة البتولية مريم تحثنا لان نصير شركاء خيرة التأله بالقول والفعل، وذلك من خلال ممارسة الصلوات الليتورجية، وتتميم الأسرار الكنسية، في كنيستنا المقدسة التي تعتبر جسد المسيح المنظور والملموس والتي تعتبر الكنيسة المجاهدة، في طريق الاستنارة الروحية.
هذا الأسبوع الذي نمر به، وهو الرابع من الصوم الكبير المقدس، يدعونا لنستمر في تهيئة نفوسنا من الناحيتين الروحية والجسدانية، لاستقبال عيد قيامة ربنا يسوع المسيح، ومع قيامته المجيدة، تتحقق أيضاً قيامتنا نحت البشر، ومن الجدير بالذكر ان هذا الأسبوع مكرس ومخصص للتكريم والسجود والعبادة للصليب الكريم المحيي، فالصليب هو قوة النفس والجسد، لكل مسيحي مؤمن بالإيمان الحق والمستقيم.
نقول هذا لانه وحسب القديس يوحنا الدمشقي :”فان الإكرام المقدم لها يرتفع الى المتجسد منها “.
نعم أيها الأخوة الأحباء
نتضرع ونطلب شفاعة الفائقة القداسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم، ومع المرنم نقول :
” إذ قد استحقينا ان نشاهد صليبك المقدس ونصافحه بفرحٍ، نتوسل إليك يا الهنا ان نصل أيضاً الى الامك الشريفة الطاهرة متشددين بالصيام ونجثو ونسبح لصلبوتك والحربة والاسفنجة والقصبة التي منحتنا بها عدم الموت واعدتنا أيضاً الى حياة النعيم القديمة، لذلك نمجدك الآن شاكرين ”


وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم