1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاحد الجديد – في كفر كنا 12/05/2013 .

“اليوم يوم القيامة . فسبيلنا أن نتلألأ أيها الشعوب ، لان الفصح هو فصح الرب ، وذلك فإن المسيح قد أجازنا من الموت الى الحياة ، ومن الارض الى السماء ، نحن الناشدين نشيد النصر والظفر. ”
أيها الاخوة الاحباء بالمسيح
أيها المسيحيون الحسني العبادة

إن النعمة الإلهية قد ظللت هذا المكان المقدس ( كنيسة الروم الارثوذكس في قانا الجليل) حينما باركها السيد المسيح في عرس قانا الجليل بحضوره الشخصي ، واجتراحه لأول عجائبه ، هذا المكان المقدس يعتبر الشاهد الحقيقي والأمين والصادق ، لـتأنس كلمة الله مخلصنا يسوع المسيح ، الذي أخذ عجنته البشرية من دماء النقية الطاهرة العذراء مريم الدائمة البتولية .
وبهذه المناسبة العطرة ، اجتمعنا كلنا بفرحٍ وغبطةٍ وسرور ، مرنمين نشيد النصر والظفر ، لانتصار الحياة ، على سلطان الموت والفساد ، وهذا ما يعلنه بجهارٍ القديس غريغوريوس اللاهوتي إذ يقول :” اليوم جاء الخلاص للعالم ” العالم المنظور وغير المنظور . المسيح قام من بين الاموات ، فقوموا أنتم معه . المسيح عاد واستوى في مكانه ، فعودوا أنتم معه . المسيح تحرر من ربط القبر ، فتحرروا انتم من ربط الخطيئة . أبواب الجحيم قد فتحت ، والموت ينحل. آدم القديم يبتعد والجديد يعود إلينا فإذا كانت خليقة جديدة بالمسيح فتجددوا أنتم”.

إن حدث القيامة لحدثٌ عظيمٌ وفريدٌ ، فالإعجاز فيه لأمرٌ خارقٌ للعادة ، يعجز البشر عن أن يأتوا بمثله . لذا فهو الأساس وقمة القمم لسر التدبير الإلهي ، الذي يجسد فحوى ومضمون إيماننا المسيحي ، كما يكرز بذلك الرسول بولس الحكيم : ” ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين . فإنه إذ الموت بإنسانٍ ، بإنسانٍ أيضا ً قيامة الأموات ، لأنه كما في آدم يموت الجميع ، هكذا في المسيح سيحيا الجميع ” ( 1 كور 15: 20-22).
نعم أيها الاخوة الاحباء ، إنه بسبب علاقتنا واتحادنا بآدم القديم الترابي ، إذ نحن من ذريته ومن سلالته ، نخضع جميعنا لحكم الموت ، ولكن بسبب اتحادنا بالمسيح ، آدم الجديد السماوي نسترد بواسطته الحياة الابدية .
هذه الخبرة من خلال علاقتنا واتحادنا بآدم القديم ، ضمن حياتنا اليومية المعاشة ، وأيضاً مع آدم الجديد كلمة الله المتجسد ربنا يسوع المسيح ، كوننا أعضاء جسد الكنيسة ، ومن خلال الأقوال والأعمال ، إذ نحن شهودٌ لقيامة المسيح باعترافنا الخلاصي نقول فرحين : المسيح قام من بين الاموات وداس الموت بالموت ، ووهب الحياة للذين في القبور.
شعب العهد القديم لما عبر البحر الأحمر ، رتل تسبحة الظفر ” أرنم للرب فأنه قد تعظم” ( خروج 15: 1).
أما نحن شعب العهد الجديد ، يعني الخليقة الجديدة بالمسيح نرنم ترانيم الانتصار والظفر للقيامة المجيدة ، هكذا نرسل تمجيداً شكرياً نحو العلاء ، إلى ربنا المقام ، غالب الموت ، الذي وهبنا الخلاص المجاني من أجل عظيم محبته للبشر ، من خلال صلبه وموته الطوعي ، وقيامته المجيدة الظافرة .
” هلموا بنا نشرب مشروباً جديداً ، ليس مستخرجاً بآية باهرة من صخرةٍ صماء ، لكنه ينبوع عدم الفساد ، بفيضان المسيح من القبر، الذي به نتشدد”، هكذا ينشد قديسنا يوحنا الدمشقي المدعو بمجرى الذهب.
وهنا نتساءل ما هو المشروب الجديد ؟
إن المشروب الجديد هو دم المسيح المسفوك لأجل خلاصنا . ” لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ” . ( متى 26: 28) . هذا هو العشاء السري أي مأكل ومشرب جسد الرب ودمه الكريمين . الذي من خلال تناولنا إياه بتوبة صادقة لعلاجنا الروحي ، نصير شركاء في الحياة الابدية ، وهكذا نتذوق الحياة الأبدية مسبقا ً ، أي ملكوت السموات ، والقيامة في اليوم الاخير. ” من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية . وأنا أقيمه في اليوم الأخير” ( يوحنا 6: 54) هكذا يقول الرب .
في هذا المكان المقدس ، العريق والأصيل ، في قانا الجليل حيث بركة الزواج ، والإشارة لأولى عجائب السيد المسيح ، بتحويله الماء إلى خمر ، وذلك في الحضور الطبيعي والتاريخي لوالدة الاله الدائمة البتولية مريم ، تألقت في هذا الحدث الشهادة الأمنية والصادقة ، للهدف المقدس ، فالهدية الإلهية لنا نحن جنس البشر هي موهبة الحياة ، الموهوبة لنا مجاناً ، فهي فيضٌ لا ينضب من المحبة الإلهية غير المدركة ، للذين خلقوا على صورة الله ومثاله.
إن بركة الخمر ، لهي رمزٌ سري لدم المسيح المسفوك لأجل خلاصنا والذي يعتبر دواء الخلود ، فهو الغذاء المسبق والصورة قبل المثال الآتي ، والإشارة للحدث قبل حدوثه ، أي لشركتنا مع الروح القدس ، روح المسيح في عشاء الملكوت الإلهي .” وأقول لكم : إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا ، إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي ” ( متى 26: 29).
قيامة المسيح أيها الأخوة الأحباء هي المشروب الجديد ، الذي هو ينبوع عدم الفساد أي قبر المسيح معطي الحياة ، لذا تعتبر كنيسة المسيح المستودع الحي النابض ، لإقامة وتتميم الأسرار الإلهية ، وخاصة سر الإفخارستيا الإلهي ( سر الشكر الإلهي)، حيث تستمد الكنيسة حياتها من خلال رأسها السري ، المسيح الاله معطي الحياة المستقر فيها والضابط بروحه القدوس كل مفاعيلها ، لذا تعتبر الكنيسة الينبوع الروحي الحي الذي لا ينضب .
لذا فإن ربنا يسوع المسيح المقام من بين الأموات ، هو أساس إيماننا ، كما يذكر الرسول الإلهي بولس : ” فإنه لا يستطيع أحدٌ أن يضع أساساً غير الذي وضع الذي هو سوع المسيح . ” ( 1كو 3: 11).
قيامة المسيح هي ولادتنا الجديدة ، إلى رجاء الحياة الأبدية ، حسب قول الرسول بطرس : ” مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانيةٍ لرجاءٍ حي . بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات ” ( 1بطرس 1: 3).
إن رجاءنا الحي غير التزعزع يستند بثقة ويقين ، على قيامة المسيح الظافر من بين الاموات ، هذا الرجاء ثابتٌ وراسخٌ ولا يتقلقل . كما يذكر الرسول بولس : ” ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح ، وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا ” ( 2 كور 1: 21 – 23) . وأيضاً ” أمين هو الله الذي به دعيتم الى شركة ابنه يسوع المسيح” ( 1 كو 1: 9).
بهذا الرجاء الحي تبشر كنيسة المسيح المقدسة ، وخاصة الكنيسة الأورشليمية التي من خلال رعيتها الحسنة العبادة، تعطي الشهادة الصادقة والحقيقة ، لمحبة الله الكلمة ، في تضحينه الصليبية ، وأيضاً الشهادة لنور المسيح غير المخلوق الذي لا يعروه مساء .
“فلنثبت إذاً أيها الأخوة الأحباء ، متأسسين وراسخين ، وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل” ( كولوسي 1 : 23) ، كلمة الله ربنا يسوع المسيح.
المسيح قام حقاً قام

الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون