1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة ميلاد والدة الاله 21.9.2013

“إن الإله المستوى على العروش العقلية قد سبق اليوم فهيأ له عرشاً مقدساً على الأرض. والذي أسس السماوات وثبتها بحكمة قد أنشأ بمحبته للبشر سماء حية . لأنه من جذر عقيم قد انبت لنا أمه فرعا يحمل الحياة . فيا اله المعجزات ورجاء اليائسين يا رب المجد لك”.
أيها الأخوة الأحباء .
أيها المؤمنون ، والزوار الحسنى العبادة.
نعمة الروح القدس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان المقدس ، في مدينتكم بيت جالا ، التي ذكرها النبي أشعيا باسم ( جاليم (Gallim (بنت جاليم ) (اش 10: 30) ،لتسنى لنا الاحتفال سوية بهذا الحدث العجيب والكلي الإعجاز ، لسر التدبير الإلهي ، بمولد سيدتنا والدة الإله الكلية القداسة والدائمة البتولية مريم.

إن والدة الإله ، هي الشخصية المتجلية بالعزة والوقار والقداسة والتأله ، لذا فهي تعتبر رأس خلاصنا نحن البشرية ، فها مريم ابنة مدينة الناصرة ، انفردت بكونها المرأة ( التي ولدت ابناً عجيباً ، من خلال فعل وقوة الروح القدس ، ليدوس رأس الحية رأس الشر ) ( تك 3: 10)، وهي أيضا تابوت العهد ، والباب الحقيقي حسب سفر الخروج ، و “فلك الخلاص” (عب 11: 7) والباب المغلق ” فقال لي الرب : هذا الباب – المتجه الى الشرق – يكون مغلقاُ ، لا يفتح ولا يدخل منه إنسان، لان الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ” ( حز 44: 2).
وهي عصا هارون . ” وإذا عصا هارون لبيت لاوي قد أفرخت ، وأخرجت فروخاً ، وأزهرت زهراً ، وأنضجت لوزاً” (عدد 17: 8) ، وهي العريش المقدس الذي هيأه الله نفسه على الأرض ، حسب ما ذكره المرنم سابقاً.
إن والدة الاله الفائقة القداسة الدائمة البتولية مريم: تعتبر ملخص وموجز التاريخ المقدس ، لتحقيق (رسم )و (ظلال) الناموس والعهد القديم ، الذي أظهرها بالآية الفريدة ، كما قال النبي اشعياء : ” ولكن يعطيكم السيد نفسه آية : ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” ( اشعيا 7: 14).
إذا اليوم لعنصرة المقدسة ، يعني حلول الروح القدس بشكل ألسنة نارية على الرسل القديسين ، وتلاميذ الرب الأطهار ، يعتبر إذاً عيد العنصرة : ظهور الكنيسة في العالم ، وتأسيسها وتدشينها كمؤسسة روحية خلاصية .
اليوم مولد العذراء مريم من أمها حنة العاقر ، يعتبر البشرى لجدينا الاولين الساقطين آدم وحواء ، فهي العطية الإلهية الموهوبة مجاناً لكي يتحررا من رباطات الفساد، أي خطيئة الموت ، كما يقول مرنم الكنيسة ” إن يواكيم وحنة قد تخلصا من عار العقرة ، وآدم وحواء قد تحررا من بلى الموت بمولدك المقدس يا طاهرة . فله يعيد شعبك لتخلصه به من طائلات الزلات . صارخاً : إن العاقر ولدت والدة الإله مغذية نفوسنا “.
إن الفداء الذي أتمه اليد يسوع المسيح على عود الصليب ، تم ليفتدينا بدمه الطاهر من طائلة الزلات ومن سلطان الشرير ، فكل مضمون وفحوى الحقائق الخاصة بالفداء يحثنا نحن شعب والدة الاله ، الحامل لاسم المسيح الظافر ، لأن نفرح ونتهلل ونعيد لهذا العمل الخلاصي الذي بزغ، بمولد العذراء مريم .
إن استعمال كلمة اليوم ، تشير الى الوقت الليتورجي والإفخارستي للكنيسة ، فهو وقت الابدية ، أبدية ملكوت المسيح.
ان كنيستنا المقدسة تصرخ بفم المرنم بالفرح والابتهاج قائلة : اليوم فرح العالم بأسره ، قد أشرق لنا من الصديقين يواكيم وحنة . أعني به العذراء وحدها والدة الله في الحقيقة .
شخص والدة الاله العذراء مريم الكلية المديح ، أيها الأخوة الأحباء، يعتبر الغنى غير المدرك ، وغير المستقصي لكنيسة المسيح . (أفسس 3:8) . (هذا الغنى غير المدرك ) بالنسبة للرسول بولس القائل : ” لي أنا أصغر جميع القديسين ، أعطيت هذه النعمة ، أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى ، وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله حالق الجميع بيسوع المسيح . لكي يعرف الأن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات ، بواسطة الكنيسة ، بحكمة الله المتنوعة ” ( أفسس 3: 8- 10).
مولد والدة الاله المقدس اليوم ، وكما يقول المرنم ، ( بشر المسكونة كلها بالفرح ) . بشرى الفرح هذه ما هي إلا أن ربنا يسوع المسيح أخلى نفسه صائراً في شبه البشر ، من خلال سر التدبير الإلهي ، هذا السر الذي كان مكتوماً منذ الأزمنة الأزلية .
وكما يقول مرنم الكنيسة :
نعيد لك يا بريئة من الدنس ، ونسجد لمولدك المقدس يا طاهرة بإيمانٍ ، لأنه قد تحقق فيك تمام الموعد الالهي ، ومن خلالك قد تم فدائنا نحن البشر ( بسر إعلان “البدائي والأساسي” المكتوم منذ الدهور )، الذي اتمه ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بتجسده من الروح القدس ومن دمائك الطاهرة . فبهذا الحدث الإعجازي والخلاصي تبشر كنيستنا المقدسة الرسولية بتذكار مولدك المقدس بفرحٍ وغبطةٍ وحبور .
إن العالم الساقط تحت جنح الخطيئة ، والذي وضع كله في الشرير ، يشتمله الارتباك والالتباس ، فهو عاجز عن إدراك – الاعلان البدائي والاساسي والمكتوم منذ الدهور لخلاص البشرية من خلال تجسد المسيح من دماء العذراء – الامر الذي حذى به الى فقدان مقومات التمييز والاختيار ما بين صحة نور الحقيقة والعدل وبين ظلمة الكذب والجور.
بكلام آخر أيها الأخوة الأحباء :
الحدث العظيم والتاريخي لمولد الفائقة القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم ، والتي نحتفل بتذكار مولدها في هذا اليوم ، هذا الحدث هو الموعد الالهي لرجاء الخلاص بالمسيح إلهنا . وهذا لأنه كما يقول الرسول بولس : ” جميعكم أبناء نور وأبناء نهار ، لسنا من ليل ولا ظلمة . فلا ننم إذا كالباقين ، بل لنسهر ونصح .” (1 تسا 5: 5-6).
أيها الاخوة :
لنمجد اسم الثالوث القدوس المحيي ، ونشكر الله ، لأنه قد وهبنا ” ينبوع الحياة ” أي العذراء مريم .
ومع المرنم نقول :
” هذت هو يوم الرب فتهللوا يا شعوب . فها أن العذراء خدر النور وسفر كلمة الحياة قد بزغت من الحشا مولودةً . وهي الباب المتجه نحو الشرق . فتنتظر دخول الكاهن الاعظم . فإنها وحدها قد ادخلت المسيح وحده الى المسكونة لخلاص نفوسنا ” .
وبهذه المناسبة السارة نقدم خالص الشكر والابتهال ، للقديسة والدة الاله الدائمة البتولية مريم ، لأنه قد مر ما يقارب سنة على بناء هذه الكنيسة ، التي تحمل اسم : ” ميلاد والدة الاله ” ، ونشكر من صميم قلوبنا ، الإكليروس الموقر ، والجمعية، والوكلاء ، وكل الشعب والمسيحين في بيت جالا ، لأن هذه الكنيسة هي شهادة محبة وكما يقول المرنم :
” لقد جعلت كنيستك حصناً منيعاً ، اذ أسستها على صخرة الايمان ، أيها المسيح الاله الذي قبل الدهور . فهي تدوم الى الابد غير متزعزعة . تحويك يا من لأجلها صار في آخر الأزمان انساناً بلا استحالة . فنشكرك ونسبحك قائلين ، انت الذي من قبل الدهور والان أيضاً ملكنا فالمجد لك .

كل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون