1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة رفع الصليب الكريم المحيي في دير الصليب في الناصرة 29/9/2013 .

” اليوم يرفع الصليب فيتقدس العالم . لأنك ببسط يديك عليه أيها المسيح المجالس الاب والروح القدس اجتذبت العالم كله الى معرفتك ، فأهل المتوكلين عليك للمجد الالهي ” .

أيها الاخوة الاحباء ،

أيها المؤمنون ، والزوار الحسنى العبادة .

” كلمة الصليب” ( ١ كور ١: ١١) تعني القوة الإلهية الخلاصية التي، أتمها ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح طوعاً عندما قدم نفسه ذبيحة كفارية من اجل خلاصنا ، هذه القوة الإلهية ضمتنا كلنا وجمعتنا في هذا الدير الشامخ الحامل لاسم الصليب الكريم المحيي ، والمعروف بقصر المطران ، لنؤدي شهادة روحية من خلال إقامة شعائر العبادة الافخارستية – الشكرية – شهادة عمق وأصالة إيماننا ب” الصليب ” هذا الصليب الذي نقيم ونكرز ونعترف برفعه الكريم في العالم كله.

هذا التعبير لشهادة الإيمان منوط بأمرين :

الاول هو الصليب المسيح الكريم المحيي، والذي عليه كما يقول المرنم : بسط المسيح يديه الطاهرتين ، مجتذباً العالم كله الى معرفته ، وبشكل اكثر دقة ، جذب الرسول بولس ، في هذه المعرفة ، معرفة كلمة الله المسيح ، كما يذكر ذلك في رسالته الى أهل غلاطية : ” وأما من جهتي ، فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي به قد صلب العالم لي وانا للعالم”(غلاطية ٦: ١٤)، وبشكل اكثر وضوحاً يقول الرسول بولس : ليس لي في هذا العالم اي شيء يمكن له ان يشدني للافتخار والتباهي .

فعندما تيقنت ، أن المسيح أخذ صورة عبد صائراً في شبه الناس ، وصلب لعظيم محبته من أجل خلاصي أنا بولس ، عندها استقر افتخاري بموت المسيح على عود الصليب ، فمن خلال الايمان بفاعلية ونتائج هذا التدبير الالهي، الذي انتزع مني وللأبد الشغف بهذا العالم والارتباط به ، بالنسبة لي اصبح العالم ميتاً وفاقداً لقدرته وقوته ، وهكذا أنا أيضاً قد مت للعالم .

الامر الثاني يتعلق بموت يسوع المسيح على الصليب ، الذي حقق المصالحة لكل العالم المنظور وغير المنظور . كما يكرز الحكيم بولس : ” وان يصالح به الكل لنفسه ، عاملاً الصلح بدم صليبه ، بواسطته سواء كان ، على الارض ، أم ما في السموات ” ( كولوسي1 : 20) .

لقد سر الله الاب بهذه المصالحة ، التي أتمها ابنه الوحيد يسوع المسيح، عندما سفح دمه الطاهر على عود الصليب ، صانعاً السلام من خلال ذبيحته الكفارية ، فقد صالح الله الاب البشرية الساقطة على الارض ، وتصالحت الملائكة في السموات معنا نخن أبناء البشر ، كل هذا تم بسر الفداء على عود الصليب.
اصبح واضحاً انه من خلال الدم المسفوك على عود الصليب ، اي موت المسيح الخلاصي ، تحقق السلام والمصالحة بين الله والبشرية ، لكن هذا الحدث أيها الأخوة الأحباء ، يقصر عقل الانسان لان يدرك كنهه ويصبر غوته ، لان الحقيقة الدامغة والأكيدة هو ان الانسان مخلوق سقطت طبيعته من جراء الخطيئة التي اقترفها ، فأصبح خاضعا لسلطان الموت والفساد.
ان ظاهرة الموت هي ظاهرة غير أصلية في حياة الجنس البشري ، لان الموت هو دخيل كما يذكر ذلك سفر الحكمة : ” الله لم يصنع الموت، ولا يسر بهلاك الأحياء ” ( حكمة ١: ١٣) . الموت ( دخل الى العالم) كما يقول الكتاب المقدس ” لكن بحسد ابليس دخل الموت الى العالم ” ( حكمة ٢: ٢٤). وحما يقول المرنم ” ان الموت الذي أصاب جنس البشر بواسطة الأكل من العود، قد اضمحل اليوم بالصليب…” ( كاطافسيات الصليب) ، من هنا يظهر ان سبب واصل الموت هو الخطيئة وذلك كن جراء عصيان آدم وحواء ، هذا ما يكرز به القديس يوحنا الدمشقي : ” فان الجميع كيانهم من الله . وقد دخل الفساد بسبب شرنا ، ذلك لمجازاتنا ومنفعتنا، ” اذ ليس الموت من صنع الله ولا هلاك الأحياء يسره” ( حكمة ١: ١٣). إنما كان الموت بالإنسان – اي بزلة آدم – وكذلك سائر العقوبات”.
ان الموت قد دخل حياة الانسان نتيجة عصيانه لوصايا الله ( تم ٢: ١٧)، وهذا ما يؤكده القديس يوحنا الدمشقي :” .. لولا الصليب لما بطل الموت أبداً ولا انحلت خطيئة أبينا الاول ولا سلبت الجحيم ولا منحت القيامة ، لولا كان بصليب ربنا يسوع المسيح”.
لهذا السبب يقول الرسول بولس : ” ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً : لليهود عثرة ولليونانيين جهالة” ( ١ كورنتوس ١: ٢٣).
صليب المسيح الكريم المحيي أيها الأخوة الأحباء : يحوي سر التدبير الالهي هذا السر المكتوم ، وغير المدرك منذ الأزل ، المحفوظ فقط لدى الله المثلث الأقانيم . هذا السر أعلن لنا من خلال ربنا يسوع المسيح الاله الكامل – والإنسان الكامل . فكونه اله كامل ، فانه زرع شجرة الحياة في وسط الجنة ( تك ٢: ٩). وكإنسان كامل بعد تأنسه من العذراء والدة الاله مريم: زرع ” في وسط الارض” خشبة الصليب لخلاصنا ، كما يذكر سفر المزامير :” اما الله فهو ملكنا قبل الدهور ، عمل الخلاص في وسط الارض” ( ما ٧٣: ١٢).
ان خشبة الصليب التي سقاها المسيح الاله- الانسان بالدم والماء المقدسين من جنبه الطاهر ، بعد ان طعن جنبه بالحربة ، ” ولكن واحد من العسكر طعن جنبه بحربة للوقت خرج دمٌ وماء ” ( يو ١٩ : ٣٤)، ان الدم والماء هما سر الكنيسة اي المعمودية والمناولة الإلهية ، هكذا تحول الصليب الى الشجرة المعطية الحياة ، هذه الشجرة بعد ارتوائها بالماء والدم، أصبحت ثمرتها – شهية الأكل – ينبوع الحياة الأبدية.
أيها الأخوة الأحباء ،
انه من خلال الصليب الكريم المحيي الذي نرفعه اليوم بشكل احتفالي وطبيعي وروحي مع القديسة هيلانه المعادلة للرسل، والقديس مكاريوس اسقف اورشليم اللذان عاينا وكانا شاهدين عند العثور على الصليب. الكريم المحيي في اورشليم ، لهذا الحدث الالهي الفريد نسجد بالحقيقة للمسيح الاله: ” الذي بذل نفسه لأجلنا ، لكي يفدينا من كل إثم، يطهر لنفسه شعباً خاصا غيورا في اعمال حسنة” ( تيطس ٢: ١٤).
نحن نكرم الصليب المقدس لمخلصنا يسوع المسيح الاله الانسان، الذي هو ينبوع تقديس ، وسبب تأله البشرية ، ومع المرنم نقول : ” انك بارتفاعك أيها السيد على خشبة الصليب رفعت معك كل طبيعة ادم الساقط ، فلذلك نرفع نحن صليبك الطاهر يا محب البشر مستمدين منك القوة التي من العلى. وصارخين خلص أيها العلي المكرمين رفع صليبك الالهي البهي الموقر . بما انك الاله الرحيم”. وأعط للعالم لمنطقتنا السلام العلوي ، أمين .
كل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون