1

كلمة صاحب غبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار أبينا البار جراسيموس 17.3.2014

” لقد اشتهيت أن تلقى الله يا جراسيموس الأب البار . فداومت الاقامة في البراري والمغاور والجبال عن ايمان حار . تلتمسه بعزم لا ينثني . فوجدته كما كنت تشتهي مؤيداً على الدوام بالمراقي الصالحة. وقدمت للمسيح جماهير من المتوحدين قد خلصوا “.
أيها الأخوة الأحباء . أيها المؤمنون, والزوار الحسنيو العبادة .
ان كنيسة المسيح المقدسة, ترفع تماجيد وتسابيح شكرية الى الله القدوس المثلث الأقانيم, في هذا اليوم المبارك حيث تقيم فيه تذكار البار جراسيموس, الذائع الصيت بين المتوحدين, الذي نسك في هذا المكان المقدس, في محيط مجرى نهر الأردن.
ان البار جراسيموس, كان مقتدياً بالنبي السابق يوحنا المعمدان, بالصوم والصلاه والتوحد, فاقتنى الفضائل بجدارة, ليصبح مدبراً أصيلاً لرعاية رعية المسيح الناطقة من النساك والمتوحدين, لهذا السبب ينشد مرنم الكنيسة قائلاً: “لقد صعدت سلم الفضائل الالهية أيها الأب جراسيموس, لتحقق قمة الرؤيا الروحية, فاقتنيت الاستنارة لتعاين بنقاوة وطهارة, قدر طاقة طبيعتك البشرية, أسرار المسيح الالهية”.

ان البار جراسيموس, ومن خلال جهاده النسكي والروحي المقرون بالصوم والصلاة, استطاع أن يحظى بالمواطنة في المدينة السماوية, حيث يتملك فيها مولود العذراء مريم, أي المسيح الاله الذي ولد من دماء العذراء الطاهرة النقية والدة الاله الدائمة البتولية مريم, صائراً في شبه الناس ما خلا الخطيئة. حسب قول المرنم : “أيتها الطاهرة, ان الذي ولد منك بغير دنس, قد رفعنا, من خلال أجنحة الصيام من الأرض الى المدينة السماوية, فحقق لنا مواطنة السموات”.
أما الحكيم بولس الالهي فيقول: ” الذين نهايتهم الهلاك, الذين يفتكرون في الأرضيات, فان سيرتنا نحن هي في السماوات, التي منها أيضاً ننتظر مخلصنا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده, بحسب عمل استطاعته أن يخضغ لنفسه كل شيء” ( فيلبي 3 : 19 – 21 ).
أيها الأخوة الأحباء
ان البار جراسيموس, سبق فتذوق مسبقاً, خبرة التجلي, من خلال جسده الخاضع للفساد, هذا الجسد الذي سما وتألق من خلال نعمة التأله ليشابه جسد المسيح المتجليب بالنور .- حسب سنككسار القديس جراسيموس – فقد وصل الى ذروة التأله, ليكون علاقة ً حميمةً مع الله, فتجلت نعمة الله فيه, فأصبح يسيطر على الحيوانات البرية بشكل كبير. ( كما تشير أيقونة البار مع الأسد الذي جاء اليه لينزع الشوكة التي علقت في رجله ), وها مرنم الكنيسة يصدح قائلاً :
” أيها المتوشح بالله, لقد حافظت بحرص شديد على قيمة صورة الله فيك, فهابتك حيوانات البرية وارتعدت بخوف من هيبتك وصولتك نحوها, لذا فأنت تشكر الله باستمرار “.
انه ليوم حافل ومقدس تذكار البار جراسيموس, فها اننا نقدم الشكر والعرفان والتمجيد ( ذو كصولوجيه) لقديس الله …. ومن ناحية اخرى, أتينا لنشارك الفرح في ” كنسية أبكار مكتوبين في السماوات, والى الله ديان الجميع, والى أرواح أبرار مكملين” (عب 12 :23 ), وبحسب القديس أثناسيوس الكبير : ” هذا العيد الان, هو صورة وختم للفرح السماوي العلوي “.
أيها الأخوة الأحباء
هذا الفرح هو ينبوع لا ينضب, أي المسيح الذي صلب وقام, أنه جسد الكنيسة السري, هذه الكنيسة التي تمثل من ناحية جوهرية ” المدينة السماوية” المنظورة بالعين في علم الفساد هذا.
ان مرنم الكنيسة يوجه صوبنا هذه الاية المحيية اذ يقول : ذوقوا الخبز السماوي, وكأس الحياة, وانظروا ما أطيب الرب”.
ان محفل القديسين شهود الحق المتوشحين بالله, قد ذاقوا الخبز السماوي وشربوا من كأس الحياة, فلهذا الخبز السماوي يعلن لنا ربنا يسوع المسيح قائلاً :” أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.ان أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد, والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم “(يو 6 : 51 ). والقديس بولس الالهي يقول :” فانكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذا الكأس تخبرون بموت الرب الى أن يجيء” ( 1 كورنثوس 11 : 26 ).
ان محافل القديسين وعلى رأسهم والدة الاله الدائمة البتولية مريم, يعتبرون السلم الروحية التي تنقلنا الى السماوات, أما درجات هذا السلم الروحي, فهي ثمار الروح القدس, كما يكرز معلم المسكون بولس الحكيم : ” وأما ثمر الروح فهو : محبة, فرح, سلام , طول أناة, لطف, صلاح, ايمان, وداعة, تعفف, ضد أمثال هذه ليس ناموس ” (غلاطية 5 : 22 – 23 ).
ثمر الروح هذا, هو غنى نعمة الروح القدس, روح المسيح, لهذا الغنى تاقت بكل جوارحها نفس أبينا البار جراسيموس, لتحقق رغبتها بنجاحها البار باقتناء هذا الثمر الروحي.
ان غنى الروح القدس, هو نعمة وموهبة معطاة للجميع,لكن الذي ينالها, هو الشخص الذي تاقت نفسه برغبة ملحة بعد أن طهر قلبه, ليكون نقياً وضاءً,عاملاً في اصلاح نفسه بتوبة جادة, من خلال الزهد والتقشف, وممارسة الصيام المبارك, متحداً بالمسيح من خلال ممارسة الأسرار الالهية المقدسة, وكما يقول المرنم :
” غنى الروح القدس يوهب لجميع أولئك الذين يجاهدون بأعمالهم الخلاصية بالزهد والتقشف والصلاة والصوم “.
أيها الأخوة الأحباء
الى هدف الهدف تصبو كنيستنا في صيامها الاربعيني المقدس, لتساعدنا أن نغتني من نعمة الروح القدس, كما يظهر جلياً قول مرنم الكنيسة :” أيها المؤمنون ان اللذين جبلا أولاً لما يصوما عن عود المعرفة حسب وصية الباري استثمروا الموت الناتج من المعصية وتغربا من عود الحياة ونعيم الفرودوس. لذلك فلنصم عن الأغذية الفاسدة والالام المبيدة لكي نقتطف لحياة من الصليب الالهي, ونرتقي الى الوطن القديم, صحبة اللص الشكور, أخذين من المسيح الاله الرحمة العظمى”.


وكل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون