1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة ترميم كنيسة أبو سنان 26/3/2014

” إن الصوم المسبب الصالحات قدّم انتصافه بعد أن ارتضى بالأيام السالفة، وأعد المنفعة للبقية، لأن ازدياد صنيع الصالحات يصيِّر الموهبة أكثر. لذلك بما أننا نرضي المسيح المانح الصالحات بأسرها، قد نصرخ يا من صام لأجلنا واحتمل الصلب، أهّلنا بغير دينونة أن نساهم فصحك الإلهي، مستسيرين بسلامة ونمجدك بواجبٍ مع الآب والروح “.
أيها الأخوة الأحباء.
كما يقول المرنم، قد وصلنا إلى انتصاف الصيام المبارك باذلين كل جهد روحي لاستقبال قيامة المسيح، أي قيامتنا نحن البشر جسداً وروحاً.
إن حدث الصيام يعود بنا إلى الجدين الأولين آدم وحواء اللذين قد عصيا أوامر الله التي نهتهم عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، إلا أنهم خضعا لمشورة الشيطان بإرادتهما، فأكلا من ثمر هذه الشجرة لتنفتح أعينهما على حقيقة عصيانهم، وتملّك الخطيئة في ذواتهم، فتحتم إذ ذاك إنفصالهم عن الله، فخضعت نفوسهما إلى الموت الروحي والموت الجسدي والموت الأبدي. كل ذلك كنتيجة طبيعية لفقدانهم الصلة والعلاقة مع الله، إلى أن تم طردهما نهائياً من الفردوس، وفقدانهم لحياة المجد ونعيم الملكوت.

لذلك ومن خلال الكنيسة وتعاليم الآباء القديسين، وضع الصوم لنا كمنهج من مناهج الفضيلة ليعود بنا إلى العلاقة الحميمة مع الله، تماماً وبشكل مختلف عما صنعه الجدين الأولين، لأنهما بالأكل فقدا الملكوت، ونحن بالصوم سنربح الحياة الأبدية ومجده الفائق غير المدرك.
إن السيد المسيح آدم الثاني، هو لنا المثال والقدوة التي بها نستطيع الغلبة على قوات الظلمة، فهو كمرشد أمين ومدبر إلهي عظيم، اتخذ من الصيام بعد معموديته من يد يوحنا المعمدان طريقاً خلاصياً، يقودنا إلى الإرتقاء في سلم الحية الروحية، ” ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح، لجرب من إبليس. فبعدما صام أربعين يوماً وأربعين ليلة جاع أخيراً…” ( متى 4: 1-2 ).
وكما يقول المرنم: الصيام هو المسبب للصالحات.
وما هي هذه الصالحات؟!
هي: العودة إلى الله من خلال مفاعيل التوبة الصادقة الحقيقية، التي ترتقي بجناحي الصوم والصلاة، وهو هدف الإيمان المسيحي، وخصوصاً إيمان كنيستنا المقدسة، التي تحثنا وتهيئنا لنصبح شركاء مع تلاميذ ورسل المسيح الأطهار، الذين عاينوا مجد التجلي الإلهي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل طابور، فعاينوا مجده حسبما استطاعوا، فشاهدوا نوره غير المخلوق بالبصر والبصيرة بمعاضدة الروح القدس، هكذا استمدوا طاقة روحية وإيمانية أضيفت لخبرتهم السابقة من حياتهم المعاشة مع المسيح، إذشاهدوه وعاينوه ولمسوه، زالآن عاينوه في مجده الإلهي.
ما هو مجد المسيح؟
مجد المسيح هو الحياة الأبدية، وملكوت الله، أي الفردوس. وهذه نستمدها ونتذوقها منذ الآن، من خلال الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية ومفاعليها.

وكيف يتم ذلك؟
يتم ذلك من خلال أسرار الكنيسة ، زخاصة سر الشكر الإلهي ، فهو التذوق المسبق لنعيم ومجد الملكوت الأبدي فهذا ما حدث للتلاميذ عندما شاهدوه وعاينوه ولمسوه ( أي المسيح)، وكذلك نحن أيضا أبناء هذه الكنيسةنستطيع أن نحظى بهذه النعم تماماً مثلهم.
ولكي نماثل التلاميذ الأطهار، علينا أن نتنقى مثلهم، كما أعلن ذلك ربنا يسوع المسيح لرسله قائلاً: ” أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به”( يو 3:15 ). فنقاوتنا تبدأ من الداخل، تماماً كما حدث مع الإبن الضال عندما شعر بالخزي والبعد عن الله، فقال: ” أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك … ” ( لوقا 15: 18 ).
فكنيستنا الرومية الأرثوذكسية المدعوة وبامتياز كنيسة القيامة، والتي يقودها الروح القدس، تحث أبنائها من خلال الصوم والصلاة والتوبة والنقاوة الداخلية، للإرتقاء في معارج الفضيلة والوصول من خلالها إلى طريق الخلاص.
إن صعوبة الصيام، تبدو سهلة جداً إذا ما قورنت بالسيد المسيح الذي صام من أجلنا، وحمل الصليب عنا، واحتمل الخزي والعار، لأن الصليب الذي نحمله هو صليب المسيح المقام، المنتصر على سلطان الموت والفساد، فهو الذي يعضدنا ويمسك بيدنا الضعيفة ليقودنا إلى نعيمه السماوي.
إن حلول المسيح فينا، منوط كما ذكرنا سابقاً بالنقاوة التي هي ثمر التوبة، فالنقاوة هي مسكن الروح القدس، كما قال الرسول بولس: ” أنتم هياكل الروح القدس” ، ومن ورود الروح القدس فينا نتمتع بسلام المسيح المستقر في قلوبنا فعربون النقاوة يتمحور حول ثمار الروح، وهي فرح، سلام، وداعة،طول أناة،محبة، تسامح، وغفران…
أيها الأخوة الأحباء
نشكر ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي هيّء لنا هذه المناسبة، لنفرح بلقاكم في بيعة الله المقدسة، فهذا اللقاء لهو دليل واضح لربط أواصر المحبة بيننا، فنحن أعضاء جسد المسيح رأس الكنيسة ومدبّرها، وهو رئيس إيماننا الذي مات من أجل خلاصنا.
فالكنيسة الأورشليمية، أي مؤسسة البطريركية الرومية هي فعلاً جسد المسيح النابض بالإيمان، فكل من حمل صليب المسيح منذ البدء وبالأخص الرسل الأطهار، نالوا فرح القيامة حيث تحقق وعد المسيح لهم “… ولكني سأراكم أيضاً ( بعد قيامته ) فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم” ( يو 22:16 )، أما الذين باعوا المسيح بثمن زهيد ، فقد نالوا عقابهم حيث البكاء وصرير الأسنان.
الكنيسة الأورشليمية، كنيستنا الأصيلة، مبنية على دم المسيح المسفوك على عود الصليب، فهي ثابتة لا تتزعزع، وأبواب الجحيم لم ولن تقوى عليها.
إن ترميم هذه الكنيسة المقدسة التي نحن في رحابها، تتماشى مع ترميم ذواتنا وخلجات نفوسنا، لتكون عروس نقية للمسيح، لتعاين قيامته المجيدة.
كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية