كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في بشارة سيدتنا والدة الإله الكلية القداسة الدائمة البتولية مريم 7/4/2014

” اليوم يُعتلن السر الذي منذ الدهور. ويصير ابن الله ابن البشر، حتى أنه باتخاذه الأدنأ يمنحني الأفضل. إن آدم اشتهى قديماً أن يصير الهاً، فخاب ولم يصر. فصار الإله إنساناً لكي يجعل آدم إلهاً فلتفرحنَّ الخليقة ولترقصنَّ الطبيعة طرباً فإن رئيس الملائكة تمثّل بخشية لدى العذراء وأهداها بالسلام الفرح عِوَض الحزن، فيا إلهنا الذي لأحشاء رحمته تأنس المج لك”.

أيها الأخوة الأحباء ، أيها المؤمنون والزوار الحسنية العبادة.
عمة الروح القدس وقوة العلي التي ظللت مريم العذراء، من بيت داود جمعتنا اليوم في هذا المكان الكلي الوقار في مدينتكم الاصرة، الذكورة في الكتاب المقدس. لنحتفل ونبتهج بغبطة وسرور روحي، من خلال تقديم التمجيد الفائق والشكر اللائق لرب الخلائق، الذي أعلن لنا السر غير المدرك لبشارة الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم، كما يشهد بذلك الإنجيلي لوقا القائل:
” وفي الشهر السادس، أُرسل الملاك جبرائيل من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء… وقال لها لا تخافي يا مريم ، لأنك قد وجدت نعمةً عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع… فأجابها الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليكِ، وقوة العلي تظللكِ” ( لوقا 1 :26-35 ).
إ وقع هذا الحدث غير المدرك لبشارة والدة الإله، أيها الأخوة يثير الدهشة والعجب والحيرة في كل العالم، الأمر الذي حدا بالقديس يوحنا الدمشقي أن يصدح قائلاً: ” لقد دُهِشَت البرايا كلها منذهلة من مجدك الإلهي. أيتها العذراء التي لم تذق خبرة الزواج. فإنكِ قد حبلتِ بإله الكل وولدتِ الإبن الذي لا يحدّه زمان. مانحة السلام لكل الذين يسبحونكِ” .
إن عدم تذوق خبرة الزواج الذي تميزت وانفردت به والدة الإله مريم دون سائر نساء الأرض قاطبة، يعتبر سراً غير مدرك يعلو إدراك طامحات العقول، فها إنها تعتبر ” رأس التاريخ المقدس”، تاريخ خلاصنا، وتاريخ خلاص كل الإنسانية، فهي بوابة الخلاص، لهذا فكنيسة المسيح المقدسة وبشكل لا لُبسَ فيه ، وبمنتهى الصراحة ، ترفض كل تفكير خيالي وغيبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالكنيسة المقدسة تعلن شهادتها الصادقة جهاراً، من خلال الكتاب المقدس، كما يبوق به المرنم القائل: ” لقد دعاكِ دانيال جبلاً عقلياً، واشعيا والدة الإله. ورآك جدعون جزّةً. وسمّاك داود مقدساً وآخر باباً. أما جبرائيل فقد هتف نحوك قائلاً: يا ممتلئة نعمة الرب معك” .
إن القديس يوحنا الذهبي الفم يفسر كلمات الملاك جبرائيل: ” الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللكِ” ( لوقا: 19: 35 ) فيقول: أن نطلب إخضاع ما فوق الطبيعة إلى سُنة الطبيعة، فما يحدث هنا هو أمر خارج نظام الطبيعة، إنه عمل الروح القدس. ويستشهد الذهبي الفم بأقوال سليمان الحكيم ” كما أنك لست تعلم ما هي طريق الريح. ولا كيف العظام في بطن الحبلى كذلك لا تعلم أعمال الله الذي يصنع الجميع.” ( جامعة 11: 5) .
إن حبل كلمة الله يسوع المسيح في أحشاء العذراء والدة الإله الدائمة البتولية مريم، هو سرٌّ عظيم كما يكرز أيضاً بولس الإلهي: ” … عظيم سر التقوى الله ظهر في الجسد.” ( تيموثاوس 3: 16 ). وكما يقول مرنم الكنيسة :” يا والدة الإله نسبحكِ ونبارككِ ونسجد لكِ، لأنك ولدتِ أحد الثالوث الغير المنقسم أبناً وإلهاً، ففتحتِ لنا السموات نحو الأرض” .
إنّ المعنى الخاص لعيد بشارة العذراء مريم، والذي نحتفل به في هذا اليوم المبارك، يعود إلى مكانتها ودورها الخلاصي، فقد فتحت لنا مسبقاً ملكوت السموات نحن الذين على الأرض من ناحية، وحققت لنا المقدرة في عبور موت الفساد والخطيئة من ناحية أخرى، فالخطيئة بحسب الرسول بولس الحكيم: ” … من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس. إذ أخطأ الجميع” ( روميا 5: 12 )، فمن واحد آدم القديم دخلت الخطيئة إلى جميع الناسن ومن خلاله حلَّ الموت أيضاً وانتشر في كل المسكونة، لأن في شخص آدم امتلكت الخطيئة في كل من انحدر من سلالته، وأيضاً بواحدٍ أي يسوع المسيح، آدم الجديد دخل البر في كل الجنس البشري.
هلمَّ أيها الأحباء
” لنرى العجب الباهر في بشارة العذراء النقية، وهو أن الله يصير منها طفلاً بلا زرع كإنسان، وذلك لكي يعيد جبلة كل جنس البشر. فاستبشروا يا شعوب بتجديد إبداع العالم” . هكذا تعلن الكنيسة بفم مرنمها مخاطبة إيانا نحن أيضاً.
إن كنيستنا المقدسة تصرّح بغبطة وحبور نحو العذراء والدة الإله الممتلئة نعمة: ” إفرحي يا والدة الإله يا نجاة آدم من اللعنة” .
لنتسائل: كيف يمكن أن يحل البرّ وسود السلام والتصالح، بين الله الخالق والإنسان المخلوق، وأيضاً بين جميع الناس الذين يتشاركون في نفس الطبيعة البشرية، بدون إعادة الصياغة من خلال مفاعيل الروح القدس، روح كلمة الله، الله المحبة والسلام؟؟
أيها الأخوة الأحباء
إن كنيستنا المقدسة تحثنا في هذا الوقت الحاضر، لنعاين الخلاص بالمسيح الإله، ومع الملاك جبرائيل نقول نحو العذراء هاتفين: إفرحي يا ممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء ( لوقا 1: 28 )، نعود ونهتف بفرحٍ قائلين: إفرحي يا ممتلئة نعمة الرب معكِ. الذي له عظيم الرحمة.
كل عام وأنتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكس