1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الفصح المجيد

ثيوفيلوسُ الثالثُ

برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ اورشليمَ
وسائرِ أعمالِ فلسطينَ
وطاقمِ الكنيسةِ أجمعينَ, بنعمةِ ورحمةِ وسلامِ القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ
قبرِ المسيحِ القائمِ منَ الموتِ.

“أنتنَّ تَطلبنَ
يسوعَ الناصريَّ المصلوبَ.
قدْ قامَ ليسَ هوَ ههُنا.
هُوذا الموضعُ الّذي وضعُوهُ فيهِ”
(مرقس: الإصحاح 16:6)

هذهِ هيَ الكلماتُ السماويَّةُ والخلاصيّةُ الّتي سُمِعَتْ منْ فمِ الملاكِ “بَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ ” أتتِ المريماتُ الثلاثُ إلى القبرِ ليحنّطْنَ ويعطِّرْنَ جسدَ المسيحِ (أنجيل مرقس.16:1:2). شعرتِ النّساءُ بفرحةِ البشارةِ عندَما تلقَّيْنَ الخبرَ أنَّ ابْنَ اللهِ الوحيدَ وكلمةَ اللهِ, المتجسِّدَ منَ الروحِ القدسِ ومنْ مريمَ العذراءِ, الّذي نزلَ إلى الجحيمِ عنِ الصليبِ, قدْ قامَ منْ بينِ الأمواتِ. ظنَّ الجحيمُ هناك أنَّهُ قدْ تلقَّى إنساناً عاميَّاً بَشَراً.. ولكنَّهُ سُحِقَ سُحِقَ ، إذْ سَرْعانَ ما تيقَّنَ أنَّهُ لمْ يتلقَّ إنسانًا فحسْبُ بلْ إنسانًا كاملاً، وإلهاً عظيمًا خالدًا لا يموتُ، يحكمُ معَ الثالوثِ القدوسِ ومساويًا للآبِ.

هذهِ هيَ فعلًا معجزةُ وحكمةُ وقدرةُ ونعمةُ اللهِ, التي تتمثَّلُ بتضحيتِهِ منْ أجلِ خلاصِنا نحنُ. إنّه يسوعُ الناصريُّ بقوةِ الآبِ وطبيعتِهِ الإلهيةِ ، أقامَ الطبيعةَ البشريةَ ، أقامَ أيضًا آدمَ, وأقامَنا نحنُ البشرَ.

سِرُّ اللهِ الآبِ هذا حدثَ هنَا في هذا المكانِ, المكانِ الّذي نقفُ فيهِ.! تحتَ هذا النّصَبِ قُبِرَ ودُفِنَ ، ومنهُ قامَ اللهُ المتجسّدُ يسوعُ المسيحُ . وإنّه لشاهدٌ على حدوثِ هذا السرِّ هنا هو هذا القبرُ الفارغُ ، وكانَ شهودًا على ذلكَ أيضًا النساءُ والتلاميذُ الرّسلُ الذينَ عاينُوا القبرَ فارغًا ..! وعلى ذلكَ أيضًا كانَ شاهدًا الربُ نفسُهُ , الذي ظهرَ بهيئةٍ أُخرى, المصلوبُ القائمُ منْ بينِ الأمواتِ بجسدِهِ الممجَّدِ في اليومِ الأوَّلِ من قيامتِهِ ، وكانتْ أوَّلَ الشهودِ على ذلك “مريمُ المجدليَّةُ” (إنجيل مرقس.16:9) والّذي ” قالَ للمريماتِ الثلاتِ عندَما انطلقْنَ ليخبرْنَ التلاميذَ “السَّلامُ لكمْ” (إنجيل متى.28:9) والّذي “َظَهَرَ بِهَيْئَةٍ لاثْنَيْنِ مِنَ التَّلَامِيذِ, وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ” (إنجيل مرقس.16:12) والّذي ” ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ” (إنجيل مرقس.16:14) والّذي “ظهرَ لتوما في اليومِ الثامنِ منَ القيامةِ (إنجيل يوحنا.20:27) والَّذي “أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ الله” (سفر أعمال الرسل. 1:3).

إنّه المصلوبُ بالجسدِ والقائمُ في اليومِ الثالثِ منْ بينِ الأمواتِ .! والصاعدُ بمجدٍ عظيمٍ من أجلِنا إلى السَّماءِ باعثًا منَ الآبِ روحَهُ القدوسَ ، وروحَ العنصرةِ المقدَّسةِ لتلاميذِهِ، وبروحِهِ المقدَّسةِ هيّأَ الربُّ ورفعَ الكنيسةَ للعالمِ ، بوصفِها جسدَ المسيحِ المقدَّسِ ، والّتي ضحَّى لأجلِها من خلالِ دمِهِ الثمينِ والطَّاهرِ.!

إنَّ الكنيسةَ تعملُ في العالمِ بنورِ وقوةِ الروحِ القدسِ, على مدَى القرونِ .. إنَّ الكنيسةَ تُعلّمُ الإنسانَ، تثقّفُهُ وتمُدُّهُ بأسرارِها, تعمِّدُهُ وتجعلُهُ عضوًا مهمًا فيها.!! إنَّها تُؤْنِسُ الإنسانَ, تُقدِّسُهُ ، وتجعلُهُ يعيشُ ويهنَأُ بسلامٍ معَ نفسِهِ ومعَ غيرِهِ .!! تمنحُهُ التّغييرَ اللائقَ ، وتجعلُهُ يتواصلُ بالإحسانِ ، والعملِ الصّالحِ في المجتمعِ.! إنّها تجعلُ الإنسانَ يتغلَّبُ ، وينتصرُ حتَّى على الموتِ ، وأنْ لا يهابَ خوفَ وعذابَ الموتِ.! لقدْ أبرزتِ الكنيسةُ ملايينَ الشّهداءِ الّذينَ ضحَّوا بأرواحِهمْ منْ أجلِ اسمِ المسيحِ ، وسُفِكَتْ دماؤُهمُ التي اصبحتْ جنبًا إلى جنبٍ معَ دمِ المسيحِ تدعَمُ وتُشكّلُ أُسُسَ الكنيسةِ الّتي “َأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا” (إنجيل متى. 16:18).

إنَّ هذا العملَ ما تزالُ الكنيسةُ تقومُ بهَ حتَّى اليومِ، وفي أوقاتِ الأزماتِ الاقتصاديَّةِ والأخلاقيَّةِ , الجوعِ ، والفقرِ، والاستغلالِ، والتّجارةِ بالإنسانِ.! إنّ الكنيسةَ تتضامنُ وتتعاطفُ معَ الإنسانِ، وتعملُ على مساعدتِهِ بكلِ إمكانيَّاتِها وقُواها، وبعِدَّةِ وسائلَ ، ليستْ منَ الناحيةِ الروحيّةِ وحْدَها فحسبُ ، بلْ مِنَ الناحيةِ المعنويّةِ والاقتصاديّةِ والماديَّةِ أيضًا.! إنّها تُعلّمُ الإنسانَ أُسُسَ الحياةِ على القناعةِ وطبيعتِها.!

إنَّ الكنيسةَ في الارضِ المقدسةِ ملكةُ الكلِ, الأولى التي قبلتْ مغفرةَ الخطايا منْ خلالِ القيامةِ , تمارسُ وتواصلُ مشروعَها الرعويَّ لطائفتِها في الأرضِ المقدسةِ التي تتزعزعُ وتعاني في ظلِ الوضعِ السياسيِّ غيرِ المستقرِّ. إنَّها تبعثُ الرحمةَ والنبيذَ إلى جروحِ طائفتِها ، وفي الوقتِ ذاتِهِ تواصلُ عملَها في الحفاظِ على الأرضِ المقدَّسةِ ، مكانِ حدوثِ ظهورِ الإلهِ بابْنِهِ المولودِ الوحيدِ وكلمتِهِ ، وهيَ تلكَ التي تستضيفُنا بمودةٍ، وحنانٍ، نحنُ الحجاجَ الورعينَ ، معتبرةً إيَّانا كجزءٍ منها في هذا اليومِ العظيمِ منْ حجِ القيامةِ.

إنَّ أمَّ الكنائسِ التي تتمجَّدُ بقيامةِ المسيحِ تهدي منَ القبرِ المقدسِ المانحِ للحياةِ ، طائفتَهَا الورِعةَ في الأرضِ المقدسةِ وخارجَها وتناشدُنا نحنُ محبّي المسيحِ والحجاجَ التقيّينَ ترتيلةَ فصحِ القيامةِ ” المسيحُ قامَ منْ بينِ الأمواتِ ووطِئَ الموتَ بالموتِ ووهبَ الحياةَ للذينَ في القبورِ”.

المدينةُ المقدسةُ ، أورشليمُ ، عيدُ الفصحِ 2014
إلى الربِّ منْ أعماقِ القلبِ
ثيوفيلوسُ الثالثُ

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية