1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد السامرية 18/5/2014

” أيها الكلمة الغير ملحوظ بجوهرك المبدع الكل، لقد ظهرت للبشر إنساناً من النقية والدة الإله، واستدعيت الأنام الى مشاركة لاهوتك”
أيها الأخوة الأحباء
أيها المؤمنون ، والزوار الحسنيو العباد
ة.
بنعمة الله المثلث الأقانيم الذي أهلنا بهذه العطية الجليلة، لأن نحظى في إقامة شعائر العبادة في هذا المكان المقدس، حيث يتواجد بئر البطريرك يعقوب أب الآباء، في هذا المكان التاريخي والمقدس الشاهد الحقيقي للقاء الخلاصي ما بين راعي الخراف العظيم ربنا يسوع المسيح، والمرأة السامرية، لينطق بتلك التعاليم الإلهية الخلاصية ألا وهي : ” الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” ( يو 4 : 24).

هذا الروح، روح الحق، هو الروح القدس، الذي انسكب في أحشاء العذراء مريم، عندما بشرها الملاك جبرائيل قائلاً: ” الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللكِ، فلذلك أيضا القدوس المولود منكِ يدعى ابن الله” ( لوقا 1: 35 ).
” ابن الله ” ، هذا الذي ذكره لنا الملاك جبرائيل، هو غير الملحوظ بالجوهر ، ومبدع كل الكائنات، إنه الله الكلمة، الذي يدعو الإنسان للمشاركة الإلهية والتمتع بمجده الأبدي، الذي أوضحه جلياً للمرأة السامرية عندما أعلن لها جهاراً انه هو الماء الحي الذي يفجر الحياة الأبدية . ” لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حياً” ( يو 4: 10 ).
وبطريقة أوضح بياناً أيها الأحباء، نقول:
أنتِ أيتها المرأة السامرية، لو أدركتِ موهبة الروح القدس، التي ينعم بها الله للناس قاطبة، ومدى قوتها وعظمتها، وأيضاً لو عرفتِ من هو القائل لكِ- الآن حالياً – أعطني لأشرب، لكنتِ تطلبين منه أن يعطيكِ الماء الحي المتدفق بغزارة، الذي لا يجف أبداً، أي ان تقتبلي من عطائه الفياض نعمة الروح القدس، كأنه ماء روحي آخر، مفعم بالنقاوة والطهارة الذي يروي ويعزي، المعطي الحياة الأبدية للنفوس المؤمنة، هذا الماء الحي الذي لا ينضب أبداً.
إن نعم الله المثلث الأقانيم المليئة بالمواهب الروحية، المتدفقة كأنهار ماء حي، هي سمات الروح القدس وثماره، كما أوضحه لنا الحكيم بولس: ” وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان،وداعة وتعفف “( غلاطية 5: 22)
هذه بالتدقيق مواهب الروح القدس، المعبر عنها بالماء الحي، والتي قدمها بسخاء ربنا يسوع المسيح للمرأة السامرية، هذا الماء الحي يعطى مجاناً لكل المؤمنين بالمسيح الإله والإنسان، وهم كثيرون جداً كما يذكر ذلك الإنجيلي يوحنا” من آمن بي كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي، قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به ( اي بالمسيح) مزمعين أن يقبلوه” ( يو 7: 39 ).
إن القديس كيرللس رئيس أساقفة الإسكندرية يفسر هذه الكلمات الإلهية إذ يقول: الماء الحي، هو العطاء المعطي الحياة، من خلال هذا الماء الحي تستطيع البشرية أن تنتقل من حالة الجفاف والقحط في الفضائل الروحية، إلى جنة رياء تفوح بعطور الفضائل اليانعة ، حيث تنشر أريج الأفكار والأعمال الصالحة.
أما القديس ثيوفلكتس فيقول: ” نعمة الروح هي التي تفعل النفس وتتفاعل معها باستمرار، لتمتلىء بالصلاح الإلهي لكي تسمو صاعدة نحو العلاء”.
أما القديس أمونيوس فيقول:” نعمة الروح القدس تدعى أحياناً ناراً، وأحياناً أخرى تدعى ماءً، إن هذه الأسماء لا تشير إلى الجوهر لكنها تشير الى الطاقة غير المخلوقة المنبثقة من الجوهر” .
إن المراة السامرية أصبحت معادلة للرسل بالكرازة والشاهدة الأمينة لمحبة المسيح، وذلك من خلال مشاركتها بالماء الحي والنار المحيية، أي مفاعيل الطاقة الإلهية غير المخلوقة كما يذكر ذلك مرنم الكنيسة:” إن السامرية الشائعة الذكر أتت مقبلة بأمانة الى البئر ، فشاهدتك يا ماء الحكمة (أي المسيح) التي لما سقيت منك باتراعٍ ورثت الملكوت العلوي أبدياً.
أيها الأخوة الأحباء: الإمرأة السامرية التي دعيت بالمستنيرة(فوتيني) أصبحت نوراً للمسيح بكرازتها وجهادها، هذا الجهاد المقدس تم بمعونة المسيح ونوره الحقيقي غير المخلوق الذي حضّ بالكثيرين ليماثلوا السامرية بالأقوال والأفعال. ومن بينهم كوكبة من الشهداء الأبطال الذين صاروا بها مقتدين، ومنهم شهيد محبة المسيح المعاصر القديس فيلومينوس من أخوية القبر المقدس، الذي اقتدى بالقديسة فوتيني في الكرازة والرسالة والجهاد، تماماً كما قال ربنا وإلهنا يسوع المسيح:” النور معكم زماناً قليلاً بعد، فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام، والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب، ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور.”( يو 12: 35-36 ).
نتضرع أيها الأخوة الأحباء لله أب الأنوار، بشفاعات والدة الإله الدائمة البتولية مريم أم النور، وشفاعات القديسة فوتيني والشهيد فيلومينوس، أن نصير أبناء النور والحقيقة للمسيح مخلصناً المقام من بين الأموات.

المسيح قام حقاً قام

الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية