1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الرسل القديسين الأطهار 13/7/2014

” لما أهلتني بإفراط محبتك للبشر وغزارة صلاحك، للحضور إلي أنا الإنسان واتخاذ الجسد يا مخلصي النور الذي قبل الدهور. حينئذ أظهرت تلاميذك الرسل أنواراً ثانوية، يتلألأون ببرق بهائك، وأرسلتهم ينيرون الخليقة كلها بنورك الإلهي، ويبتهلون اليك أن تنير وتخلص نفوسنا” .
أيها الأخوة الأحباء
أيها المؤمنون والزوار الحسنيو العبادة.
مبارك انت يا رب في كنيسة مجدك، لأنا اليوم أيضاً اجنمعنا سويةً بنعمة الروح القدس في هذا المكان المقدس قرب بحيرة طبريا، حيث كشفت فيه عن ذاتك لتلاميذك ورسلك الأطهار بعد قيامتك الظافرة من بين الأموات. ( يو 21 :1 ) مكرمين احتفالياً محفل الرسل الإثني عشر القديسين الأطهار.
إن ظهورات السيد المسيح لتلاميذه الرسل القديسين ، بعد قيامته لها منحى خاص، فقد ظهر لهم مراراً ليشد من أزرهم ويعدهم لعمل البشارة بعد صعوده الى السموات ، وها هو يقلدهم عمل الكرازة ليتلمذوا ويعمدوا جميع الأمم داعين إياهم لقبول عمل المسيح الخلاصي. فتقدم يسوع وكلم رسله القديسين قائلاً : ” دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس” ( متى 28 : 18: 19 ).

إن كلمات الرب يسوع إذهبوا وتلمذوا لها مفعول خاص وقوة إلهية فريدة، فقد ملأت التلاميذ بالنور الإلهي لصبحوا أنواراً ثانوية لنور المسيح، مشعين بهذا النور لجميع المسكونة لتستنير بالنور الإلهي غير المخلوق وغير المدرك، لبناء روح الإيمان والحق الراسخ على تعاليم المسيح الخلاصية، بتشييد الكنائس في المعمورة قاطبة، لذا اعتبر الرسل القديسون الحجر الأساسي لبنيان جسد الكنيسة، لأولئك الذين قبلوا الإيمان والمعمودية باسم الثالوث القدوس ليصبحوا أعضاءاً في هذا الجسد السري لكلمة الله يسوع المسيح. كما يكرز الرسول بولس: ” مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركباً معاً، ينمو هيكلاً مقدساً في الرب، الذي فيه أنتم مبنيون معاً مسكناً لله في الروح” ( أفسس 2: 20 – 22 ).
إن الرتبة الرسولية لهي رتبة مقدسة سكبتها النعمة الإلهية في أشخاص التلاميذ لتستمر من خلالهم الخلافة الرسولية، تتميماً لقول السيد المسيح ” وها أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر” (متى 28: 20 ). إنالسيد المسيح الضابط الكل وتواجده بشكل مستمر مع تلاميذه الأطهار وخلفائهم من بعدهم من خلال روحه القدوس، لهي قوة إلهية جبارة تحافظ على تماسك بنيان الكنيسة واتحادها، وتهيمن عليها وتحفظها باستمرار من التفكك والضياع والإنحراف، فهي التي تسكب الإستنارة فيها، وتنمي مفاعيل الروح فيها والتي يشهد لها الرسول بولس إذ يقول: ” ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح، لكي يعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة” ( أفسس 3: 9-10 ).
بكلام آخر الخلافة الرسولية تتمتع بدور فريد ومميز، في الحفاظ على التعاليم الصحيحة والقويمة، وفصلها عن التعاليم الكاذبة التي ينفث سمها الأنبياء والرسل الكذبة، بتعاليمهم الكاذبة كما ينوه بذلك الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس : ” إحفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم. الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان ” ( تيمو 6: 20 ).
بالإضافة لذلك فإن هذه الخلافة الرسولية تقوم بإدارة الكنيسة ومؤسساتها في العالم بأكمل وجه مقادة بمفاعيل الروح القدس فيها، حيث يسوع المسيح الإله الإنسان، رأس الكنيسة ومدبرها كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: ” إن الرسل القديسين الأطهار بعدما جالو مسرعين في أرجاء المسكونة لنشر الإيمان، أصبحوا هم المسيطرين والرؤساء المدبرين للكنيسة وإدارتها، لا بل أصبحت منزلتهم أسمى بلا قياس من منزلة الملوك وباقي الرؤساء، لأنهم وضعوا في كل المسكونة القوانين والنواميس، فتحققت هيمنتهم على الكنيسة ودستورها، الأمر الذي ما زال مستمراً حتى بعد رقادهم.
إن هذه القوانين التي وضعها الرسل القديسين، المتمحورة على التعليم الخلاصي للإنجيل المقدس، كانت حصيلتها الزيادة والكثرة في محاصيل ثمار الروح القدس، التي وزعت في المسكونة، كما يقول الرسول بولس: ” الذي قد حضر إليكم كما في كل العالم أيضاً( الإنجيل المقدس ) وهو مثمر كما فيكم منذ يوم سمعتم وعرفتم نعمة الله بالحقيقة” (كولوسي 1: 6 ).
هذه هي نعم الله بالحقيقة، أي مواهب الروح القدس التي كان الرسل يوزعونها إلى الرعاة والأساقفة الذين رسموهم لإدارة الكنائس التي تزداد وتتكاثر بنعمة الروح القدس، كما شهد بذلك كتاب قوانين الرسل: ” أننا نحن الرسل قد أملينا عليكم التعاليم والقوانين التي حصلتم عليها بقرار من المسيح لإدارة الكنيسة، فعليكم التقيد بهذه الوصايا الرسولية التي لا تجهلون كنهها، لكنكم حفظتموها عن ظهر قلب، فالذين يسمعون فإنهم يسمعون من المسيح كما أن المسيح يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني ” ( لو 10: 16 ).
لهذا التقليد الرسةولي الذي أعطي من لدن الله، ما زالت كنيستنا المقدسة تسير بهذا التدبير الإلهي، مكرمة وممجدة التذكار المقدس بالترانيم قائلة: ” لقد أخذتم من لدن السيد سلطان حل حزائق الزلات يا معايني الله، فامحوا عن حنو منكم خطايا مسيحيكم وأهلوهم للخلاص.

وكل عام وأنتم بألف خير

الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية