1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد النبي ايليا التسبي في معلول 26/7/2014

” لقد غرت غيرة لله الرب الضابط الكل يا ايليا فأراك إياه نسيم هادىء لطيف لا ريح عاصفة ولا زلزال عنيف، ولا نار هائلة . ومن ثم فنحن نرتل ليسوع الوديع قائلين : مبارك أنت يا الله إله آبائنا”.
أيها الأخوة الأحباء.
أيها المؤمنون، والزوار الحسنيو العبادة.
لقد أشرق لنا في هذا اليوم الأغر، تذكار النبي ايليا التسبي المجيد، فهو الملاك بالجسد وركن الأنبياء وقاعدتهم، لأن نفسه كانت تتقد بالغيرة والمحبة الإلهية بشكل غير موصوف، لتصل ذروتها في الرؤيا والمعاينة الإلهية، تماما كما حصل مع النبي موسى في طور سيناء، هذه المحبة المتقدة، أصعدت النبي ايليا من الأرض الى العلاء على مركبة نارية، لحين عودته الى الأرض ثانية، فكما كان النبي يوحنا المعمدان السابق الول لمجيء المسيح الأول، هكذا يكون النبي ايليا السابق الثاني لمجيء المسيح الثاني عندما يأتي لدينونة هذا العالم، كذلك فإن مكانة ايليا النبي تألقت وعظمت عندما ظهر مع موسى النبي في تجلي ربنا يسوع المسيح الإلهي على جبل ثابور.

إن الرسول يعقوب أخا الرب في رسالته الجامعة يضع أمامنا حياة النبي ايليا وجهاده وعزيمته وفضائله لنقتدى بها، مشيراً الى قوة الصلاة وفعلها، إذ يقول:” كان ايليا إنساناً تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر. فلم تمطر على الرض ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى أيضاً فأعطت السماء مطراً، وأخرجت الأرض ثمرها” .( يع 5: 17-17).
إن غيرة النبي ايليا العجيبة في محبته لله، فتحت بصره وبصيرته ليتسنى له سماع رقة وعذوبة الصوت الإلهي وعطفه الفريد، كما يشهد بذلك الكتاب المقدس: ” فقال الرب: أخرج وقف على الجبل أمام الرب، فإذا الرب عابر وريح عظيمة تصدع الجبال وتحطم الصخور أمام الرب، ولم يكن الرب في الريح، وبعد الريح زلزال ولم يكن الرب في الزلزال، وبعد الزلزال نار، ولم يكن الرب في النار، وبعد النار صوت نسيم لطيف”. ( 3 ملوك 3: 19).
إن العاصفة والزلزال والبروق تدل على حضور الرب، وعلامات تبشر بمروره المخوف. وأما صوت نسيم لطيف، فهو يرمز الى حديث الرب اللطيف في قلب الأنبياء المليء بالمحبة الباذلة السخية بلا حدود، لأنه إله غير موصوف وغير محصور محب لجنس البشر.
إن النبي ايليا الذي عاش حياة التقشف والزهد ، والذي كان يلبس ثوباً من الشعر ومنطقة من الجلد على حقويه( 2 مل 1: 8) الممتلىء بالصلاة والعزيمة أراد أن يحافظ على العهد ويعيد صفاء الإيمان للأمة، لأن الضلال والفساد قد انتشر، والرذيلة قد استقرت في قلوب الناس، وكثرت أعمالهم الشريرة، لأن بني اسرائيل قد تركوا عهد الرب وحطموا مذابحه وقتلوا الأنبياء بالسيوف، فعزم على الذهاب الى حوريب الى المكان الذي ظهر فيه الرب والذي قطع فيه العهد واعطيت الوصايا.
إلا أن الرب أوعز الى النبي ايليا من خلال النسيم اللطيف المليء بالرقة أن يعدل عن عزمه هذا، ويعود عن خطته وأن يفكر بطريقة أخرى معلماً اياه عن فيض المحبة وطول الناة لخلاص الخطاة ودعوتهم الى التوبة، كما ورد في انجيل البشير متى: ” إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعو ابراراً بل خطاة الى التوبة”( متى 9: 13).
من هنا علينا أن لا نسقط في اليأس والقنوط عندما تحل بنا التجربة، وتعترضنا الضيقات والتجارب، بل علينا أن نتخذ من الله لنا ملجأ منيعاً بالرجاء والصبر والاعتماد عليه، وأن نتوثب بالشجاعة والجرأة واضعين نصب أعيننا معونة الله غير المردودة كما يشهد بذلك الرسول يعقوب أخو الرب: ” طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة ، لأنه إذ تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه” (يع1: 12).
إن حياتنا هي جهاد روحي مستمر، هذا الجهاد هو ضد الأحزان والتجارب والضيقات في هذه الحياة الدنيوية، ولكن بالتعاضد مع النعمة الإلهية ومساعدة الروح المعزي (الروح القدس) نحظى بالمجد الإلهي لخلاص نفوسنا كما يقول بولس الحكيم:” ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننتظره فإننا نتوقعه بالصبر، وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ( رومية: 8: 25-26 ).
إن غيرة النبي إيليا الإلهية والتي كان يعلم كُنهها، كانت غيرة متقدة ذات طاقة كبيرة ومستمرة، وذلك بفعل إستنارة الصلاة القويّة اللجوجة الثابتة الحارّة.
“كان إيليا إنساناً مثلنا كما يشير الرسول يعقوب، فانه صلى صلاة لكي لا تمطر… ثم صلّى أيضاً… فأمطرت”.
من كلان الرسول يعقوب نستشفُّ أن الصلاة لله، تستمد طاقتها من خلال فعل وقوة وطاقة الروح القدس، هذه الطاقة الإلهيّة غير المخلوقة المنتشرة في العالم أجمع لها تأثيرٌ وميزة للتعاضد والربط ما بين الله الخالق والانسان الذي خُلق على صورة الله ومثاله. كما يشهد الإنجيلي يوحنا ” الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجدوا” (يو 24:4).
هذا بالتدقيق روح الله. روح ربّنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، حيث أخذ شكلاً خاصاً عندما عبر ومرّ أمام إيليا النبي بشكل “صوت نسيم لطيف” (3 ملوك 19:3). هذا الروح، اللروح القدس، يهبّ حيث يشاء كما يحصل مع الريح العادي والذي أوضحه ربنا يسوع المسيح لنيقوديموس في حديثه عن الولادة الجديدة بالماء والروح. “الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلا أين تذهب، هكذا كلُّ من وُلِدَ من الروح” (يو 8:3)
لقد استحق إيليا النبي، من خلال مسيرته الروحية وارتقائه في معارج الفضيلة، أن يصل الى مرحلة الرؤيا والمشاهدة الروحية، لتُتَوّج خبرته المعاينة الالهي، لا بالخيالات والأحلام البشرية والرؤى الأرضية، إنما هي عطايا إلهية خاصة للذين يستحقونها بجدارة وامتياز مثل النبي إيليا التسبّي وكما يقول مرنّم الكنيسة:
لما كنت عابدا للحق اتمَّ عبادة يا إيليا البارّ الكلي الغبطة. أخزيت ابناء الخزي الأثمة الرجسين. وقررت قدرو الثالوث واضحاً.
بكلام آخر يا أحبائي
كنيسة المسيح المقدسة هي المكان للرؤيا والظهور (صوت النسيم اللطيف) أي العبادة التي بالروح والحقّ. هذا يؤكده النبي إيليا الذي نحتفل بتذكاره إذ يقول بصوت مرنّم الكنيسة:
لقد أظهرت على الأرض أيها النبي حياةً سماوية في الحقيقة. فاغتنيت في نفسك بالحياة السماوية ذات الأقنوم. وأقمت بنفخاتك ميّتاً. ولبثت انت ارفع من الموت. وارتقيت الى العلاء على مركبة نارية حيّاً. فتضرع طالباً خلاص نفوسنا.

وكل عام وانتم بألف خير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية