1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تجلي ربنا يسوع المسيح على جبل تابور 19/8/2014

” إن الذي تكلم مع موسى على جبل سيناء قديماً برموز قائلاً: أنا الكائن أظهر في نفسه بتجليه اليوم على التلاميذ على جبل تابور جمال عنصر الصورة الأصلي متخذاً الجوهر البشري، واقام موسى وايليا شاهدين لهذه النعمة العظيمة، فجعلهما يشتركان في السرور، وينبئان بخروجه مصلوباً وبالقيامة الخلاصية”.
أيها الأخوة القديسين والآباء الأجلاء.
أيها الأخوة الأحباء.

أيها المؤمنون، والزوار الحسنيو العبادة.
إن النعمة الإلهية المتدفقة من السماء جعلتنا اليوم في هذا العيد الإحتفالي الكبير أن نصعد باستحقاق الى جبل تابور، لنمجد ونرنم للإله المثلث الأقانيم، لأنه على قمة هذا الجبل المقدس تجلى ربنا يسوع المسيح أمام صفوة تلاميذه الأطهار. بطرس ويعقوب ويوحنا. وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. ( متى 17: 2 ) ( مر 9: 2-3 ).

إن تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، أبرز وبأجلى بيان عظمة مجده الذي يعتبر جوهر وهدف كنيستنا المقدسة، التي هي جبل تابور الروحي لله وبيته المقدس.
وكما يقول المرنم: ” هلمو نصعد الى جبل الرب والى بيت الهنا، ونعاين مجد تجليه كمجد وحيد من الآب، ونجن بالنور نوراً، ونرتق بالروح فنسبح الثالوث المتساوي الجوهر الى كل الدهور.
أيها الأخوة الأحباء: إن فم المرنم يدعونا لأن ندخل الكنيسة التي هي بيت الله، ببصيرة روحية تنم عن قلوب نقية طاهرة، لأن ( مجد التجلي هو المسيح كلمة الله) الذي منه ( نجن بالنور نوراً)، وذلك ” لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة” ( 1 يو 1: 5) هذا هو النور الإلهي الذي شع ببهاء عظيم من وجه يسوع المسيح المتجسد، _للبشر _ أي لنخبة التلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا، هذا النور أعلنه يسوع المسيح جهاراً وبوضوح تام قائلاً : ” أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة” (يو 8: 12).
النبيان موسى وايليا قد عاينا مسبقاً، نور العالم ونور الحياة الحقة للمسيح ، قدر استطاعة بشريتهم المحدودة أن تعاين. واللذين كانا شاهدين لهذا السر العظيم سر تجلي ربنا يسوع المسيح على جبل تابور ، وكما يقول المرنم: ( اظهر يسوع المسيح جمال عنصر الصورة الأصلي متخذا الجوهر البشري”.
ان المسيح، آدم الجديد، البريء من الفساد والخطيئة ، الذي يتمتع بالحرية التامة، الشاملة والنقية، كونه كلمة الله أعلن بملء محبته العظمى ، تأله الطبيعة البشرية، كونها صورة الله الآب، لأن الله المثلث الأقانيم خلق الإنسان الأول على صورته ومثاله.
إن جمال عنصر الصورة الأصلي قد إسود بسبب عصيان آدم لوصايا الله وارتكابه للخطيئة، وهكذا دخل الفساد والموت لحياتنا نحن البشر، لكن على جبل طابور، ” جعل المسيح طبيعة البشر المظلمة بآدم، تعود فتزهو متلئلئة معيداً عنصرها الى مجد لاهوتك وبهائه” هكذا يقول مرنم الكنيسة.
أما القديس يوحنا الذهبي الفم يتساءل قائلاً:
ما هو تجلي المسيح؟
تجلي المسيح، هو أنه كشف بمقدار ضئيل جداً عن ماهية لاهوته لتلاميذه ليدركوا حسب استطاعتهم نور الله المثلث الأقانيم غير المخلوق المستقر في المسيح كلمة الله المتجسد.
عيد التجلي الذي نحتفل به في هذا اليوم المبارك، هو عيد المجد الإلهي والنور غير المخلوق، لهذا، يقول المرنم:” أيها المسيح الخالق، يا من فصل ظلمة الهاوية الأصلية عن النور. لكي تسبحك أعمالك في النور سدد خطانا بنورك”.
إن تدبير المسيح الخالق، فرز ظلمة الهاوية الأصلية، عن النور هذه الظلمة التي كانت عند البدء” حيث كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة” (تكوين 1: 2).
أما النور، نور التدبير الإلهي لتجسد يسوع المسيح كلمة الله، فهو النور الذي سيدين العالم عند المجيء الثاني، أي دينونة البشرية قاطبة ، لأولئك الذين لم يؤمنوا بأن المسيح هو نور الخلاص الحقيقي، حسب شهادة الإنجيلي يوحنا.
” وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء الى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور. لأن أعمالهم كانت شريرة . لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور. ولا يأتي الى النور ، لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل الى النور، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة” ( يو 3: 19- 21).
بصلوات ام النور ، والدة الإله الدائمة البتولية مريم، وشفاعاتها غير المردودة لدي ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، أن يسدد خطانا لنسير حسب وصايا الله المقدسة، ” لأن أحكامك يا رب هي نور على الأرض”. (إشعياء 26: 9).
ومع المرنم نمجد ونشكر بامتنان عظيم قائلين:
” إننا بنورك الذي ظهر اليوم على تابور. أيها الكلمة النور الذي لا يستحيل، المولود من الآب النور غير المولود، رأينا الآب النور، والروح القدس النور الذي ينير الخليقة كلها”.

وكل عام وأنتم بألف خير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة أورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية