1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار القديس جوارجيوس خوجافيتي 2015-1-21

“انك فيما انت النور الساطع الذاتي الضياء الذي ينير البشر يا يسوعي, قد اعتمدت في مجاري الاردن تتلالا بجملتك ساطعا ايها النور المساوي في الجوهر لابيه, الذي تستنير به الخليقة كلها فتهتف نحوك ايها المسيح قائلة: مبارك انت يا الهنا الذي ظهر, المجد لك.” هكذا يصرخ مرنم الكنيسة.
ايها الاخوة الاحباء, ايها المؤمنون, والزوار الحسنيو العبادة.
ان النور الذي اشرق في مياه نهر الاردن عندما تعمد السيد المسيح من يد السابق يوحنا المعمدان, جمعنا اليوم في هذا الدير العامر دير القديس جوارجيوس الخوزيفي المتوشح بالله في وادي القلط, لنقدم التكريم والتبجيل لتذكاره الموقر, لان جوارجيوس الناسك الكبير هذا, قد اقتدى في منهج النسكيات بصديق المسيح, القديس يوحنا المعمدان, الذي عاش حياته في القفر والصحراء.

هذا الاب الوقور الذي اثمر في الصحراء واحة من الفضائل, كان يلهج باقوال النبي داود ليلا ونهارا, وخاصة: “كما يشتاق الايل الى ينابيع المياه. كذلك تتوق نفسي اليك يا الله, عطشت نفسي الى الله الحي القوي” (مز 41 : 1 – 2).
فكما ان الله جال يفتش عن الخروف الضال لينقذه من انياب الوحوش الضارية (اي سلطان العدو), هكذا حظي البار جوارجيوس بالعطف الالهي الذي انقذه من الذئاب الخاطفة بعدما وجده, عائدا به, مدخلا اياه ملكوت السموات, ليصير مشاركا للمجد الالهي, كما يكرز الرسول بولس: “ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل للخير للذين يحبون الله, الذين هم مدعوون حسب قصده, لان الذي سبق فعرفهم, سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه, ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين, والذين سبق فعينهم, فهؤلاء بررهم, فهؤلاء مجدهم ايضا. (رومية 8 : 28 – 30).
دير القديس جوارجيوس الخوزيفي, ما هو الا حظيرة للخراف الناطقة من نساك ومتعبدين, حيث اضحت مكانا مشعا بالنور, جراء الصلوات المرفوعة لتقديس المجد الالهي, كما يعلن ذلك الحكيم بولس: “لاجل تكميل القديسين (نحن المسيحيين) لعمل الخدمة, لبنيان جسد المسيح, الى ان ننتهي جميعا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله, الى انسان كامل, الى قياس قامة ملء المسيح (افسس 4 : 12 – 14).
ايها الاخوة الاحباء بالمسيح
ان القديس جوارجيوس الخوزيفي يحضنا لنبلغ الى وحدة الايمان كما ان البار جوارجيوس الخوزيفي يحثنا لنكون في شركة مجده, فكما انه وصل الى حالة التاله بالنعمة, فهو يدعونا لنتمثل به, وبسيرته العطرة, لعلنا نصير مثله, لان الناسك يوحنا الجديد (حيث رفاته بالدير) قبل دعوة البار جوارجيوس – من خلال مفاعيل الروح القدس – التي الهبت قلبه اشتياقا ليئم هذا المكان ويتخذ منه فردوسا روحيا من خلال حياة السكينة والنسك, ليبلغ الى قامة ملء المسيح, فان رفات البار, مازالت غير فاسدة حتى يومنا هذا, يعبق منها اريج فواح يعطر المكان, فهو يشهد لنا جميعا بشكل جلي وواضح من الناحية اللاهوتية ما هو بالضبط فكر بولس الرسول : “الى ان ننتهي جميعا الى وحدانية الايمان … الى قياس قامة ملء المسيح”, بتفسيرنا لفكر بولس الرسول, حري بنا ان نفهم كلام مخلصنا يسوع المسيح … “لكي يكون الجميع واحد”. حسب صلاة المسيح عند مناجاته للاب, وعند صلاته من اجل تلاميذه, وصلاته من اجل جميع الذين سيؤمنون بالرب, كما يذكر الانجيلي يوحنا. (يو 17 : 31).
ان المقياس والمعيار لاتحاد الجميع, هو النور الساطع الذاتي الضياء ربنا يسوع المسيح, الذي تعمد في مياه نهر الاردن والذي تلالا بجملته ساطعا كونه النور المساوي في الجوهر لابيه.
ان اشراقات هذا النور الالهي جلبت البار جوارجيوس الخوزيفي ليصبح مشاركا في هذا النعم الالهي, الامر الذي يدعونا وجميع الذين يملكون الرغبة الحقيقية لان نتحد بالمسيح الاله على غراره.
لكن لانجاح هذه الرغبات الروحية الصادقة, ينبهنا الحكيم بولس قائلا: “فاميتوا اعضائكم التي على الارض: الزنى, النجاسة, الهوى, الشهوة الردية, الطمع – الذي هو عبادة الاوثان – … فاطرحوا عنكم الكل: “الغضب, السخط … لا تكذبوا بعضكم على بعض, اذ خلعتم الانسان العتيق مع اعماله, ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقة” (كول 3 : 5 – 10).
ان البار جوارجيوس الخوزيفي, خلع انسانه العتيق مع اعماله, ولبس لباس المسيح الجديد, ليتجدد للمعرفة حسب صورة الله.
ان كنيستنا المقدسة الرومية الارثوذكسية, يغمرها الفرح والسرور زمن الظهور الالهي في نهر الاردن, اذ تكرم وتمجد هذا الحدث الالهي الفريد, فكما ان الروح نزل على المياه في البدء وانتج الخليقة الاولى, هكذا ايضا لحظة عماد المسيح في نهر الاردن, نزل الروح القدس في شكل حمامة ورف على المياه ليلد منها الخليقة الجديدة, كما تذكر الكنيسة في صلواتها.
“رجع نهر الاردن الى الوراء عند معاينته نار اللاهوت قد انحدرت وحلت فيك بالجسد, رجع نهر الاردن الى الوراء عند مشاهدته الروح القدس بهيئة حمامة يحوم حواليك”. (من افشين عيد الظهور الالهي, للقديس صفرونيوس بطريرك المدينة المقدسة اورشليم).
وكذلك تفرح كنيستنا المقدسة فرحا روحيا كبيرا, لهذه الروحية, واحة النسك والتعبد والخشوع في دير القديس جوارجيوس الخوزيفي في وادي القلط, فقد لمع ضياء نورها المستمد من اشراق شمس البر, نور مجد المسيح غير المخلوق, النور الالهي الذي اشرق وانار بصيره البار جوارجيوس الخوزيفي, ليصبح شعلة روحية جذبت حولها الكثيرين, حتى يومنا هذا.
نتضرع نحن المشاركين في هذ الاحتفال البهيج, ان تكون صلواتنا بخورا صادعا نحو الله الاب, اب الانوار, من اجل الاستنارة الروحية, ولتطهير نفوسنا وتقديسها, بشفاعات والدة الاله الدائمة البتولية مريم, والقديس جوارجيوس الخوزيفي, والقديس يوحنا شريكه, والقديس يوحنا الجديد الذي رفات جسده في هذا الدير العامر, ان تكون صلواتنا مستجابه لدى العرش الالهي, امين.
كل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية